بينما كنت أتجول عبر شبكة الإنترنت وعالمه الواسع المتنوع في كافة ألوان المعرفة الإنسانية إذ طالعت أغرب حوار دار بين مجموعة من الإسلاميين داخل أحد المواقع الأصولية التي يؤمها إسلاميون في المنافي أو من داخل أوطانهم ، وهو من غرائب عالم الإنترنت فعلا وتعبير حي عما يحدثه من تطوير وتحليل للمعلومة. فقد كتب شاب وهو اسم حركي طبعا لأحد هؤلاء الإسلاميين الذين يؤثرون التخفي فرارا من بطش بعض حكوماتهم العربية بهذا العنوان الذي اتخذته لمقالي ممتدحا الرئيس المصري أنور السادات ومدافعا عن تصوراته وقراراته وهو أمر غريب أن يكون من إسلامي وواضح أنه معارض بدليل أنه لا يكتب اسمه الحقيقي والإسلاميون المصريون بالذات هم أكثر الناس عداء للسادات، إلا أن يكون هذا الشاب المصري من مناصري الجماعة الإسلامية في مصر التي صرح زعيمها كرم زهدي في أحد حواراته الصحفية بندمه علي قتل السادات ووصفه بأنه شهيد ولم يزل هذا التصريح يحدث جدلا واسعا حتي في أوساط الجماعة الإسلامية ذاتها. يقول صاحبنا بين يدي مداخلته " وجدت من العدل أن أطرح موضوعاً منفصلاً أتناول فيه السادات الذي ظلمه التاريخ كثيراً لينصفه في النهاية، فهو بداءة يري أن السادات ظلم ويحتاج لإنصاف!! ولكن الحق أن هذا الشاب لديه قدر من سعة الصدر يفتقدها كثير من إخواني الإسلاميين حينما يقول أنا لا أجبر أحداً علي الإيمان والجزم بما أطرح هنا، وكلامي خطأ يحتمل الصواب، وكلام من سيخالفني صواب يحتمل الخطأ، والأمر في النهاية متروك لعقل القارئ العدل، الذي ينحي قلبه جانباً حتي يزن الأمور بميزان العقل . وقد بدأ صاحبنا الشاب الذي أحسده كثيرا علي شجاعته التي تحلي بها وإن جاز أن أمارس قدرا من النقد الذاتي فمن السمات السلبية في صفوف الحركة الإسلامية هي ندرة ممارستها للنقد الذاتي ورؤية الكثيرين داخلها أن النقد الذاتي ظاهرة مرضية لا ينبغي أن تسود وعلة هؤلاء أن النصيحة علي الملأ فضيحة!! في حين أنهم حينما ينتقدون بعض إخوانهم الذين يتصدرون الدعوة أو المشتغلين بها يتعللون بحقهم في هذا ليستفيد الناس من هذا النقد أو التعيير وأن الشخصيات العامة مستثناة من الترهيب من الغيبة والنميمة لمجرد أن إخوانهم هؤلاء يخالفونهم الرأي في بعض المسائل عموما هذا أمر يطول لعلنا نعود إليه في موضع لاحق. المهم استطرد صاحبنا الشاب وقاس قياسا في غير موضعه لم يقل به أحد من أهل العلم المعتبرين حينما يشبه توقيع السادات اتفاقية كامب ديفيد التي تنازل بموجبها عن سيادة بلده علي سيناء وأسقط فريضة الجهاد واعتبر حرب أكتوبر أخر الحروب فيقول " إن ظروفاً سياسية واقتصادية وعسكرية فرضت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم القبول بصلح الحديبية، الذي كان يراه معظم المسلمين وعلي رأسهم الفاروق عمر بن الخطاب دنية في دينهم!!!!! فلماذا لا يتم النظر بنفس الصورة لمعاهدة السلام التي وقعت في كامب ديفيد 1978 ؟؟؟؟ هل كانت ظروف مصر السياسية والاقتصادية والعسكرية تؤهلها للحرب إلي مالا نهاية؟؟ أم أن الحكمة كانت تقتضي الدخول في هدنة لمدة 20 سنة (انتهت فعليا في 98) من أجل إصلاح ما دمرته الحروب ؟ وأنا هنا أنقل تساؤلاته بعلامات استفهامه كما هي بعددها. وأتبع صاحبنا الشاب تساؤلاته السابقة بمحور جديد يؤيد به رؤيته وقناعته مستعرضا الواقع السياسي العربي في السبعينيات علي النحو التالي: 1- مجموعة من الحكام كانت مصالحهم مع أمريكا حليفة إسرائيل!! وكانوا يبخلون علي مصر وسوريا بالدعم المادي بينما يضخون أموالهم في بنوك الخارج للاستثمار في بلاد الأعداء!!! 2- مجموعة خطاب المنابر من عينة صدام حسين وغيره الذين يحاربون إسرائيل بالروح والدم وتحي الأمة العربية ونموت نموت ويحيا الوطن. 3- مجموعة من العملاء الذين باعوا القضية أصلا ويدلف صاحبنا الشاب من الواقع العربي في السبعينيات ويدخل إلي الواقع الاقتصادي لمصر في السبعينيات مذكرا بالديون المهولة بفعل صفقات السلاح وفاتورة الحرب، والبنية التحتية المنهارة حيث تختلط المجاري بمياه الشرب، وحيث كان انقطاع الكهرباء والماء أمراً طبيعياً في حياة الأسرة المصرية، وانتشار مزر للأوبئة والأمراض وعلي رأسها البلهارسيا التي يكفي أن يمتنع سكان الريف عن نزول الترع لمدة يوم واحد لتنتهي تماماً !!!! ثم يستعرض صاحبنا الواقع العسكري المصري بعد الحرب قائلا: خرجت مصر منتصرة في 73 رغم تمثيلية ثغرة الدفرسوار، و لكن جيشها كان منهكاً بفعل قصف الطيران الأمريكي الذي دخل فعليا ساحة القتال منذ يوم 12 أكتوبر وحتي وقف إطلاق النار !! قدمت مصر آلاف الشهداء في المعركة، واستخدمت كل ما في إمكانيتها لتحقيق العبور، والحفاظ علي التحرير الجزئي للأرض، وكان تحرير الباقي يتطلب الوقت الكافي لنقل منصات صواريخ سام الثابتة إلي الضفة الشرقية والتحرك تحت مظلتها لتحييد سلاح الجو الإسرائيلي وبعد أن انتهي الشاب الذي يبدو من كتابته مع إخلاصه ووضوح عباراته أنه فعلا شاب لم يكتسب خبرات الحياة بمعني أنها لم تعركه حتي أنه لم يحدد تاريخ اغتيال السادات علي وجه الدقة وقد بدا ذلك واضحا في تساؤله الذي ختم به فكرته الرئيسية قبل أن تنهال عليه الردود ولم تزل وهو يقول في براءة شديدة : سؤال بريء . ألم تكن بين العراق وإيران اتفاقية شط العرب التي مزقها صدام علي شاشات التلفزيون ليخوض حرباً استنزفت البلدين 8 سنوات؟؟ يعني هذا أن الاتفاقيات يمكن أن يتم التراجع عنها فلماذا نصبنا المشانق للسادات الذي وقع هدنة لمدة 20 سنة مع اليهود حصلوا هم فيه علي اعتراف رسمي بهم (كانت إسرائيل فعليا عضو بالأمم المتحدة) وحصل السادات بموجبه علي أرضه ولماذا افترضنا أن السادات الذي وقع الاتفاقية في 78 ليعقد صفقات سلاح من تشيكوسلوفاكيا في 79 والذي قتل في 81 .. أقول لماذا افترضنا أن الرجل لم يكن ينوي القتال أبداً؟؟ وهو الذي عرف عنه الخداع والمراوغة، ألم يكن السادات يخطط لتوطين 6 ملايين مصري في سيناء؟؟ هل هذا تخطيط رجل عميل؟؟ تصور 6 ملايين مصري في سيناء منذ أوائل الثمانينيات، كم كان سيكون هذا العدد اليوم؟؟ وكيف كان سيشكل ضغطاً ديموغرفيا علي إسرائيل؟ أقول صادقاً إن السادات لم يأخذ الفرصة الكافية لتوضيح نواياه والرجل جاء براجماتياً قبل أن يعرف العالم هذا المصطلح أساساً والأيام وحدها أثبتت أن هذا الرجل كان يملك بعد نظر سياسي كبير. وإذا كان البعض يتهمه بالعمالة لسفره لإسرائيل، فليقرؤوا خطبته في الكنيست الإسرائيلي، ثم فليحاكموه بعد ذلك. وأغرب ما قاله الشاب هي العبارة التي ختم بها مقالته الأولي أو افتتاحه للحوار الذي بدا ساخنا جدا لو أدرك خالد الإسلامبولي عصرنا لما قتل السادات أبدا . وأظن أن الحوار يحتاج لتكملة حول هذا الموضوع القديم المتجدد.