يتساءل الكثيرون داخل وخارج الكويت: ماذا يجري في الكويت؟ التطورات المتلاحقة في الدولة الأكثر تمرساً وخبرة في المشاركة السياسية في المنطقة تبدو للكثيرين في عالمنا العربي غير مفهومة. فهناك التصعيد الذي تفاقم بين تيارين من النواب أحدهما للأغلبية 29 نائباً من النواب ال50 اتخذ شعار الإصلاح والتغيير واللون البرتقالي علامة، وأطلق علي الساحة المجاورة لمبني مجلس الأمة علي شارع الخليج العربي اسم "ساحة الإرادة". فيما يصر فريق نواب الأقلية أي المتضررين من هذا التقليص للدوائر الذي يتعارض مع مبادئ الدستور التي تدعو للعدالة والمساواة وأطلقوا شعار العدالة والمساواة و"ساحة العدالة" علي ساحة مبني مجلس الأمة. وهكذا بات كل فريق يصر علي موقفه ويحشد الجمهور لمؤازرته ويسعي للإصلاح والتغيير كلاً علي نهجه ومفهومة. فيما الحكومة المسئولة بالدرجة الأولي عما آلت إليه الأوضاع بسبب ترددها وعدم حسمها وأخذها بتوصية اللجنة الوزارية التي أوصت بتقليص الدوائر الانتخابية من 25 دائرة إلي 5 دوائر وترددها وتذبذبها أوصلت الأمور إلي ما وصلت إليه. ومع حل مجلس الأمة والدعوة لإجراء انتخابات نهاية يونيو القادم بناء علي نظام ال25 دائرة التي تكرس الفئوية والقبلية والطائفية وتوظيف المال السياسي والانتخابات الفرعية التي يجرمها الدستور ويكون أحد أبرز مخرجاتها نواب الخدمات والمصالح الشخصية والأولويات الضيقة قد فوت فرصة كبيرة علي الجميع وخرج جميع الفرقاء من مواجهة الدوائر بخسارة مؤلمة أعادت الجميع للمربع الأول. وألقي ظلالاً من الشك علي شعارات الحكومة الإصلاحية. وهكذا يتصاعد الاستقطاب والاصطفافات المتضاربة بين نواب الشعب المنتخبين ويختلفون في نقاش حاد وصاخب بات إحدي سمات الديمقراطية الكويتية. وتحول الشباب المسيس في ظاهرة خليجية جديرة بالدراسة والمتابعة لشعب مترف لا يتردد في الخروج بمظاهرات واعتصامات وتبادل الرسائل النصية علي الهواتف المحمولة والرسائل الإلكترونية لحشد الجهود وتوحيد المواقف والتي يسمح بها النظام السياسي الكويتي الذي يؤمن هامشاً كبيراً من الحريات، كان آخرها مطلع الشهر الحالي لحكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية قانون منع التجمعات الصادر قبل ثلاثة عقود وإلغائه. والسؤال المهم في خضم هذا الحراك السياسي المميز هو: كيف ينعكس ما يجري وما يفرزه المشهد السياسي الكويتي خارج الكويت؟ خاصة بعد مقاطعة الجلسات البرلمانية من نواب الأغلبية وتقديم طلب استجواب غير مسبوق لرئيس مجلس الوزراء وصدور قرار حل مجلس الأمة بمرسوم مسبب، ليتم الاحتكام للشعب مصدر السلطات جميعاً كما ينص الدستور، حيث أوضح سمو الأمير أن: "حالة الشحن والتأجيج قد شغلتنا عن أولوياتنا وأدت للانحراف عن الممارسة السليمة للعمل البرلماني وبات ذلك يهدد أمن واستقرار الوطن ولذلك كان القرار الصعب بحل مجلس الأمة، ليتيح ذلك لنفوسنا أن تهدأ ولقلوبنا أن تطمئن ولعقولنا أن تفكر لمصلحتنا وخير الوطن". من المهم أن نشير هنا إلي أنه بالرغم من كل الشحن واللغط والاحتكام للشارع والمطالبة باستجواب رئيس الوزراء وحل مجلس الأمة، إلا أن الجميع مارس دوره ومناوراته ضمن الهامش والسقف الذي يوفره ويقره الدستور. وفي ذلك دلالة واضحة تجعل من الكويت دولة مؤسسات وقوانين ويزيد رصيدها الديمقراطي والمعجبين بتجربتها ونظامها. من المفيد لنا في الكويت أن نتعرف علي قراءة ورؤية أشقائنا لما يجري عندنا وكيف يقيمون التجربة البرلمانية الكويتية؟ وما هي الدروس والعبر التي يخرجون بها من تجربتنا؟ وهل لا زالت التجربة الكويتية مميزة وقابلة للتصدير والمحاكاة؟ أم أن النموذج الكويتي قد تجاوزه الزمن وغرق في التفاصيل علي حساب المضمون والجوهر؟ لأن النظرة كانت علي الدوام أن الكويت تشكل التجربة التي من الممكن أن يتم البناء عليها في محيطنا الخليجي والنواة التي من الممكن أن يتم استنساخ بعض من ممارساتها ومبادئها والتي قد تثير إعجاب واستحسان أو استهجان بعض شعوب وقادة دول المنطقة