اتفق المتحاورون اللبنانيون علي أن هناك أزمة حكم، منهم من اعتبر ان محور الأزمة ومفتاحها في واقع رئاسة الجمهورية، ومنهم من قال إنها تشمل جميع المؤسسات الدستورية في رئاسة الجمهورية والحكومة والمجلس النيابي. ومن الواضح ان تجليات الأزمة تظهر في واقع رئاسة الجمهورية حيث تقاطعها الأكثرية النيابية وتطعن في شرعيتها في الوقت ذاته الذي تضطر فيه للتعامل معها كسلطة قائمة. ورغم الأهمية البارزة لحسم موضوع الرئاسة لا تستطيع الاكثرية النيابية ذلك بالنظر للأكثرية الموصوفة التي يتطلبها الدستور للتغيير في هذا الموقع. لكن الأزمة فعليا لا تقف عند هذا الحد، فالحكومة تحتاج الي الكثير من الانسجام السياسي المفقود بسبب الطابع الائتلافي المفروض من خارطة المجلس النيابي نفسه. هكذا تتداخل المشكلات لتطرح في العمق أزمة النظام السياسي في لبنان ككل وليس أزمة الحكم المحدودة والمؤقتة. فمن غير الطبيعي ان الاكثرية النيابية لا تستطيع ان تحكم في نظام ديمقراطي، ومن غير الواقعي ان تحكم في لبنان اكثرية نيابية لا تمثل جميع مكونات البلاد الطائفية والسياسية. لقد عاشت البلاد خلال سنة ولا تزال في ظل تسويات سياسية تعرقل مسيرة الحكم وتعطل مصالح البلاد سواء أكنا نؤيد الفريق الحاكم أم نعارضه. ففي النظام البرلماني الديمقراطي هناك فريق يحكم ويتحمل مسؤوليات الحكم ويحاسب ويتم بعد ذلك تداول السلطة اذا حصل تحول في التوجه الشعبي إزاء الحكومة. هذه الأوليات غير قائمة في نظامنا الذي بات يشبه حكم الجماعة "الاولجارشيا" الذي ينافي قواعد الديمقراطية. من هنا نقول ان الازمة هي أزمة نظام وليست مجرد أزمة حكم. قد يسارع البعض للقول: صحيح ولكن هذه مشكلات الطائف الذي أقام نوعا من التوازن غير المنطقي بين المؤسسات كأنه أراد لها ان تحتكم الي مرجع من خارجها. وقد ساد هذا التفسير لفترة طويلة خاصة في حقبة الوصاية. لكننا لا نستطيع ان نجزم في ذلك قبل استكمال تطبيق الطائف بما هو مشروع متكامل للدولة. والطائف لم يطبق حتي الآن. وعلي فرض ان الاصلاحات الدستورية والسياسية في الطائف لا تحل مشكلات السلطة في لبنان فليس ما يمنع بالتفكير بتعديلها وتطويرها وعلي الأقل سد بعض الثغرات الواضحة التي اظهرتها التجربة في السنوات الماضية. في النظام الديمقراطي يجب ان تقوم علاقات توازن بين السلطات كي تحد السلطة من السلطة وتمنع طغيانها، ويسمي ذلك في الفقه الدستوري علاقات "تحكمية". لكن يجب ان تكون هذه التوازنات مرنة لا جامدة كما هي عليه في نظام الطائف، خاصة لجهة عجز الحكومة عن حل المجلس النيابي. فالمجلس النيابي هو الأساس في كل اللعبة الديمقراطية البرلمانية، والانتخابات هي الأساس في تحديد اتجاهات الرأي العام وفي تكوين الأكثريات والأقليات السياسية. وإذا كان الطائف قد أوجد هذه العقدة لاعتبارات طائفية فإنه يجب حلها ولو بموازاة تعديلات دستورية اخري تبقي علي التوازن العام في البلاد، علما بأن الطائف لم يؤبد التوازنات الطائفية ولا توزيع السلطات والرئاسات، والصلاحيات المعطاة للبرلمان لا يمكن ان تحسب طائفيا لان المجلس يمثل مختلف مكونات الشعب اللبناني، وحل المجلس من المفروض الا يؤثر علي صلاحيات رئيسه. مثل ذلك ايضا يمكن معالجة مسألة امتناع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم تشكيل الحكومة فيجب ان يلحظ الدستور حلا لذلك بالاحتكام مجددا لأكثرية نيابية موصوفة تحسم هذا الأمر طالما نحن في نظام برلماني. إذاً، هناك ثغرات في دستور الطائف يجب سدها، لكن ورشة كهذه لا يمكن ان تستقيم إلا في اطار مشروع متكامل لتطبيق الطائف. فضلا عن ان هذه الاصلاحات لا تفي بالغرض وحدها لأن ازمة النظام تتعدي ذلك الي حال التجاذب الطائفي القائم فيه والذي استفحل بعد الانتخابات النيابية الاخيرة بسبب قانون الانتخابات وكذلك بسبب المناخ السياسي الوطني العام. ومن العبث التفكير في تحسين أداء النظام الطائفي وتعديل توازناته لأن ذلك يؤدي الي أزمات دائمة. ونحن نري اليوم بوضوح مفاعيل الأزمة ونكاد نجزم باستحالة ايجاد الحلول الجذرية لها.