لا يحدث كثيرا ربما كل خمسين عاما أو نحو ذلك أن تظهر سياسة تجبر الناس أن يقعدوا لها ويرهفوا آذانهم. الماركسية فعلت هذا في بداية القرن العشرين واستمرت إلي ما يقرب من نهايته، ثم سقطت في نهاية الأمر لعجزها عن الوفاء بما وعدت به. النازية كانت أقل نجاحا، لأن الثمار التي وعدت بها لم تكن لتتحقق إلا من خلال الحرب ومن خلال أفدح ثمن يتكفل به الآخرون. وستكون الجملة السابقة آخر ما يوضع علي شاهد قبر القاعدة. وفي حين كان التركيز السياسي العالمي منصبا في الغالب علي الأصولية الإسلامية والعراق، كان هناك نظام سياسي اقتصادي بديل يجرب حظه في الأمريكتين، نظام قد ينتهي إلي أن يمثل تحديا حقيقيا للفكر الديمقراطي الغربي. ففي ظل شعار "النهضة السلمية"، تقوم الصين "بتسويق" نفسها في افريقيا وأمريكا اللاتينية باعتبارها مثالا للقضاء علي الفقر. وها هو عزفها المنفرد يجد له جمهورا يصغي إليه بين حكومات شاهدت قفزة النمو التي حققتها الصين في حين بقيت هذه الحكومات ودولها أسيرة للركود ومحاضرات صندوق النقد الدولي. لقد تحول الصينيون من فقراء في بلد كان فقيرا حتي عشرين عاما خلت، إلي زبائن لأرقي أنواع المنازل في حين بقي الآخرون في بلاد أخري يناضلون من أجل شراء زوج من الأحذية. لا مفر من أن يثور الجدل ويحتدم حول السبل التي حققت بها الصين ما حققت. ولكن السؤال الأهم هو كيف سيكون رد فعل أمريكا. فإذا كانت الصين تدعي أن منطقة شرق آسيا هي منطقتها. وإذا كانت أفريقيا تحتاج إلي أن تتلقف أي فكرة جديدة. فإن لأمريكا اللاتينية وضعا مختلفا. لو أننا عدنا إلي الوراء حتي عام 1823، حين حصل عدد من دول أمريكا اللاتينية علي الاستقلال عن اسبانيا، لوجدنا أن جيمس مونرو رئيس الولاياتالمتحدة آنذاك قد طرح المبدأ المعروف بمبدأ مونرو لمنع أي استعمار جديد للمنطقة.