يعد قرار توني بلير عدم السعي الي فترة حكم رابعة كرئيس لوزراء بريطانيا خبرا سيئا في الواقع ل61 مليون بريطاني و298 مليون أمريكي. كما انه يمثل ضربة قوية للتحالف الاطلسي الكبير الذي تم بناؤه بحرص شديد من قبل رئيس وزراء بريطاني آخر وصديق حميم لأمريكا وهو وينستون تشرشل. فكمراوغ بارع في ميادين السياسة البريطانية فاز بلير فوزا كاسحا في انتخابات 1997 و2001 وبأغلبية كبيرة في مايو 2005. ومع احتفاظ حزبه حزب العمال باغلبية كبيرة في البرلمان فانه كان علي ما يبدو مرشح مضمون الفوز لفترة حكم رابعة في 10 داونينغ ستريت لكنه ابلغ مؤخرا أمته انه لن يسعي لاعادة انتخابه كزعيم لحزبه. وخليفته هو اسكتلندي عنيد اسمه غوردون براون وهو وزير الخزانة الحالي. وبراون البالغ من العمر 54 سنة هو النقيض التام لبلير.فبلير معتدل فيما يتعلق بالبيئة ومؤمن قوي بالمشروع الحر المنظم بشكل جيد ومتشكك في الاقتصاديات الاشتراكية الراكدة والمتخندقة في فرنسا والمانيا وذكي بشكل كاف لمعرفة ان الرخاء البريطاني يعتمد علي كونه تنافسيا في السوق العالمية التي تسودها المنافسة الشرسة. اما براون فانه مثالي يقدم نفسه علي انه مفكر وان لم يكن في الحقيقة لا يزيد علي ان يكون منظرا بارعا. حيث ان لديه اعتقادا راسخا بان الحكومات تتشكل من اجل تشكيل المواطنين والمجتمع وفقا للمبدأ الرئيسي لحزب العمال من خلال الحوافز ان امكن او من خلال اليد الحديدية اذا استدعي الامر. فعلي غرار اغلب اليساريين المخلصين او الثابتين علي المبدأ الذين يشكلون النسق الحاكم لحزب العمال فان براون يختلف بشكل جذري مع موقف بلير المؤيد لأمريكا والتزامه بارسال كثير من القوات البريطانية الي العراق. وما هو مختلف فيه او مثير للنقاش هو ما اذا كان براون يمكن ان يتخلي عن التعهدات العسكرية لبلير لصالح الرئيس بوش ام لا، وإن كان من شبه المؤكد انه لن يقطع علي نفسه اي تعهدات جديدة. وسوف يكون اقل احتمالا بشكل كبير عن بلير في تأييد الولاياتالمتحدة في عمليات التصويت الرئيسية في الاممالمتحدة فيما يتعلق بالحرب علي الارهاب. ويبدو ان براون يؤمن بأن معركة بيئية كبيرة فاصلة باتت قريبة وتضم عاشر ميزانية يضعها بصفته وزيرا للخزانة التي تم الكشف عنها في مطلع الشهر الماضي(مارس) زيادات ضريبية كبيرة لتصحيح الامور.حيث تدعو ميزانيته الجديدة الي فرض ضرائب تزيد علي 366 دولارا في السنة علي السيارات ذات الطول الميلي المنخفض والسيارات الصغيرة وغير ذلك من السيارات. وهناك مبررات كثيرة للاعتقاد ان براون يمكن ان يكون اداة جاهزة ومستجيبة لحزب عمال قوي في بريطانيا بالضغط من اجل زيادة كبيرة في الاجور لصالح الموظفين العموميين وهو ما يمكن ان يقلص قدرة الدولة علي التنافس مع اقتصاديات ناشئة تنمو بسرعة مثل الهند والصين. وقد اتبع كليمينت اتلي زعيم حزب العمال نهجا مشابها بعد الاطاحة بتشرشل في 1945. حيث علي الرغم من ان بريطانيا العظمي كانت لا تزال تحارب اليابان في الشرق الاقصي فان المقترعين البريطانيين فضلوا وعود اتلي بالضمان الاجتماعي المضمون وفرص العمل والرعاية الصحية علي عرض تشرشل بالاستمرار في المسار ومواصلة النهج. لكن عالم 1945 لا يقارن بعالم 2006. لان هتلر مات وتمت هزيمة النازيين. والامبراطورية البريطانية التي لا تغيب عنها الشمس صارت تاريخا. الان فان بريطانيا والولاياتالمتحدة تحارب عدوا متعصبا خفيا قد يكون لديه في وقت قريب القدرة علي ارسال بضعة افراد يحملون حقائب ظهر الي وسط مدينة مانهاتان ويحولون مدينة نيويورك الي نجازاكي. ومع استلام براون في النهاية المسئولية من بلير اكثر بريطاني صلابة وعزيمة بعد مارجريت تاتشر فان النضال الأمريكي ضد قوي الظلام سوف يصبح منعزلا بشكل كبير.