بمجرد أن أٌعلن فوز حماس بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية الفلسطينية، كان علي كل طرف من أطراف الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أن يعلن موقفه من هذا التطور الجديد غير المتوقع من كل الأطراف بما في ذلك حماس نفسها. محمود عباس أبومازن مثلا، وهو رئيس السلطة الفلسطينية والرجل الأول في فتح، كان متحمسا لعدم منع حماس من دخول الانتخابات، وأيضا وقف ضد فكرة تأجيلها التي نادي بها البعض، ولما دخلت حماس الانتخابات وفازت بأغلبية المقاعد دعاها لتشكيل الحكومة ولم يفرض عليها شروطا لقبول برنامج عملها. بالنسبة لموقف مصر فقد تلخص في الدعوة إلي عدم مقاطعة الشعب الفلسطيني ومنع المساعدات عنه بسبب فوز حماس، وطالبت بإعطاء حماس بعض الوقت للتكيف مع وضعها الجديد. وتلخص موقف الولاياتالمتحدة في فرض شروط للحوار مع حماس، من أهمها الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، ونبذ العنف، والمقاومة المسلحة. أما موقف إسرائيل، فنستشعره من تصريحات قادتها ووسائل إعلامها التي تعكس حقيقة أن فوز حماس لم يكن خبرا سعيدا بالنسبة لإسرائيل، برغم أن الإسرائيليين لم يقدموا شيئا لحكومة فتح علي صعيد العملية السياسية يساعدها في زيادة فرص فوزها وهزيمة حماس في الانتخابات. هناك في إسرائيل من رحب في البداية بتصريحات قادة حماس بعد الفوز وخاصة تلك التي دعت فيها إلي مد فترة الهدنة واعتبروا ذلك من مؤشرات الاعتدال في موقف حماس. لكن أغلبية الإسرائيليين كانوا متشائمين من وصول حكومة إسلامية إلي الحكم في فلسطين، ورأوا في ذلك إرهاصا باستمرار الصراع إلي الأبد. "ديمومة الصراع" مع إسرائيل تمثل نقطة مركزية في فكر حماس من القضية الفلسطينية، أو بصورة أكثر دقة: "تحرير فلسطين من النهر إلي البحر" مهما طال الزمن، ونفس الشئ نجده عند الإخوان المسلمين في مصر، وكذلك التنظيمات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة. كل الحركات الإسلامية بصرف النظر عن درجة تطرفها لا تجد مكانا لإسرائيل في المنطقة علي المدي الطويل. الحل النهائي بالنسبة لهم -من منطلق ديني بحت- هو اختفاء إسرائيل تماما من الخريطة كما نادي بذلك صراحة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد. حماس من جانبها وبعد فوزها في الانتخابات أعلنت عن استعدادها قبول فترة هدنة لأطول فترة ممكنة ربما لعشر سنوات قادمة، لكنها غير مستعدة للاعتراف بإسرائيل، وبالتالي الاعتراف بالاتفاقيات التي وقعتها السلطة الفلسطينية بقيادة فتح. ومثلها يراوغ الإخوان المسلمين في مصر معبرين عن رغبتهم في إعادة النظر في اتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل، وإذا لم يكن ذلك ممكنا في الوقت الحالي فيمكن الانتظار حتي تتغير الظروف الدولية والإقليمية. لذلك احتج بن لادن والظواهري علي دخول حماس والإخوان المسلمين الانتخابات واتباعهم لأساليب ديموقراطية في عملهم السياسي خوفا من الانزلاق في النهاية إلي طريق السلام مع إسرائيل. ينظر الإسرائيليون إلي التغير في مواقف القوي الإسلامية من العملية الديموقراطية في فلسطين والعالم العربي بوجه عام بوصفه تغير تكتيكي هدفه إلتقاط الأنفاس فحسب بدون انحراف عن الهدف النهائي وهو القضاء علي إسرائيل واستعادة فلسطين بكامل حدودها الوطنية. وفي حالة حماس بالذات تري إسرائيل أنها تنتهز فترات الهدنة في الحصول علي مزيد من السلاح والأنصار من أجل الاستعداد لجولة صراع مسلح جديدة. يعتقد الإسرائيليون أيضا أن حماس تلعب علي عنصر الزمن وأمل التغير في موازين القوي علي المستوي الدولي في غير صالح إسرائيل. ومن هذا المنطلق ينقسم الفكر الإسرائيلي بالنسبة للموقف من حماس إلي مدرستين: الأولي ويتبناها اليمين الذي لا يري بين كل الفلسطينيين شريكا واحدا للسلام. والسبب من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي أن الفلسطينيين جميعا بما في ذلك فتح يطالبون إسرائيل بمطالب "غير عملية" مثل الانسحاب إلي حدود 67، ومن القدسالشرقية، وإزالة المستوطنات، وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلي أرضهم. لذلك لم تتوقف سياسة اليمين الإسرائيلي عن توجيه ضربات عسكرية إلي الفلسطينيين، وتكرار الدعوة إلي الانسحاب الأحادي من مناطق أخري إلي حدود يرون أنها آمنة بالنسبة لإسرائيل كما حدث في غزة، وذلك من منظور إسرائيلي لم يعد يؤمن بأية اتفاقيات سابقة أو مشاريع دولية مثل خريطة الطريق بوصفها لا تحقق الحد الأدني لأمن إسرائيل. هذه المدرسة في التفكير الإسرائيلي ليست بالقطع سعيدة بوصول حركة حماس الإسلامية إلي الحكم لأن ذلك يعبر عن رد فعل مختلف للشعب الفلسطيني في مواجهة غلو ومراوغة اليمين الإسرائيلي المسيطر منذ فترة طويلة علي الحكومة الإسرائيلية. أو بمعني آخر يتبني الاختيار الفلسطيني الديموقراطي مقولة: "لن يفل اليمين الديني اليهودي الإسرائيلي إلا اليمين الديني الإسلامي الفلسطيني". أما المدرسة الثانية _ وهي مدرسة اليسار الإسرائيلي وعلي رأسها حزب العمل- فلا تختلف كثيرا عن مدرسة اليمين في تشككها في نوايا حماس بالنسبة للمستقبل. لذلك تدعوا إلي قيام نوع من التنسيق بين قوي الاعتدال الإسرائيلي ممثلة في أحزاب اليسار، وقوي الاعتدال الفلسطيني ممثلة في فتح، وقوي الاعتدال في العالم العربي ممثلة في عدد من الدول العربية علي رأسها مصر، بالإضافة إلي القوي الدولية الفاعلة مثل الاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدةالأمريكية. وتري هذه المدرسة أن غيبة التنسيق بين القوي المعتدلة في المنطقة وما حولها هو الذي سهل لحماس الفوز في الانتخابات بهذه الأغلبية الساحقة والوصول إلي الحكم. هذا التنسيق أو التحالف من وجهة نظر مدرسة اليسار يجب أن يقوم علي تهميش حماس علي المستوي الاقتصادي والدبلوماسي حتي يشعر الشعب الفلسطيني بأن حماس تقف عقبة في وجه تحسن أحواله الاقتصادية وفي وجه تقدم عملية السلام. والطريقة لتحقيق هذا التهميش أن توجه كل المساعدات لمنظمات وهيئات فلسطينية تقع تحت ولاية أبومازن، كما يجب علي إسرائيل طرح مبادرة "معقولة" لاستئناف عملية السلام لإنهاء الصراع علي أن يتم ذلك مع أبومازن وليس مع حماس. وقد عبر شيمون بيريز عن ذلك بقوله أن حزب كاديما يقوم حاليا بوضع حدود نهائية لإسرائيل سوف يعرضها علي المجتمع الدولي للحصول علي موافقة عليها ثم يتم التفاوض بشأنها مع الفلسطينيين _ ويقصد بالفلسطينيين هنا أبومازن وليس حماس. الطريف أن الآية قد انقلبت بصورة مثيرة، فبعد أن كانت إسرائيل تسوف ولا تتعجل الوصول إلي حل وتجد أن الوقت في صالحها مع وجود حكومة فلسطينية مفككة وفاسدة، نجدها الآن تتعجل وضع تصور لحدودها النهائية داعية الجماعة العربية والدولية إلي دعمها في هذا الطرح بعد أن وقعت السلطة في فلسطين في يد من يؤمن بنظرية الوقت الطويل، والصراع الممتد، والنفس الطويل، وتحرير الأرض من النهر إلي البحر، وبأغلبية فلسطينية كبيرة، وشرعية ديموقراطية كاملة لا تشوبها شائبة.