مع وجود دعائم لها في طهران من جهة وكاراكاس من جهة أخري، يظهر الآن في العالم نمط جديد من الشعبوية يتسبب في إشعال نيران الفرقة بين القوي الغربية وهؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة في العالم النامي.. إن قادة مثل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد والرئيس الفنزويلي هوجو شافيز آخذون في اكتساب أرضية كبيرة لهم في بلدانهم عن طريق تبني مواقف وطنية مناهضة للأمريكيين. وسبيلهم في ذلك هو استخدام المسرح الدولي للثورة ضد ما يرونه تضاربا بين القيم التي تتشدق بها وتتبناها القوة العظمي الوحيدة في العالم وبين أفعالها. فالرئيس نجاد يدّعم من قوته السياسية في الداخل ويكتسب تأييد عدد من الدول التي هي علي خلاف مع الولاياتالمتحدةالأمريكية عن طريق تبيان كيف أن واشنطن تقبل بامتلاك باكستان لأسلحة نووية لأنها تريد هذا البلد إلي جانبها في حربها علي الإرهاب، وفي الوقت ذاته تعارض البرنامج النووي الإيراني الذي تريد إيران استخدامه في أغراض سلمية فقط. وشافيز، الذي يستخدم فلسفة "الاشتراكية الديمقراطية" في أي منتدي يتحدث فيه، يتهم الولاياتالمتحدةالأمريكية بمحاولة الإطاحة بحكومته المنتخبة بشكل ديمقراطي. ويشعل شافيز حماس الجماهير بوصفه "الإمبريالية الأمريكية" بلفظة "عدونا". ولكن علي الرغم من العبارات النارية الطنانة التي يستخدمها هذان الرئيسان، فإنهما لديهما رؤية للعالم تتمثل في محاولتهما إنهاء واقع "القوة العظمي الوحيدة". ففضلا عن مجرد معارضتهما استخدام أمريكا القوي لقدراتها العسكرية وهو شعور متنام بشكل متزايد في العالم النامي فإن هدف هذين الزعيمين هو الانضمام إلي قوي سياسية من أجل تشكيل ثقل دولي مناوئ للقوة الأمريكية علي الساحة العالمية. يقول ميجيل تينكر سالاس، وهو خبير في السياسة الخارجية للولايات المتحدةالأمريكية وأمريكا اللاتينية في جامعة كليرمونت بولاية كاليفورنيا: "ليس هناك مستوي كبير من الود بين فنزويلا وإيران، ولكنّ الدولتين تسعيان إلي إيجاد عالم متعدد الأقطاب، وتلك هي النقطة التي يجتمع عليها كلتاهما". غير أن البلدين لهما أسبابهما المختلفة التي تدفعهما لتبني هذا المسلك. فشافيز يدفعه موقف معاد للعولمة يريد من خلاله تشويه سمعة واشنطن باعتبارها مركز اقتصادات السوق في العالم،علي حد تعبير توماس كاروذرز، وهو خبير في قضايا الديمقراطية وحكم القانون في مؤسسة كارنيج للسلام الدولي. ويضيف الخبير أن غضب نجاد، علي الوجه الآخر، يرجع بشكل أكبر إلي البرنامج الذي تتبناه إدارة بوش بشأن الديمقراطية العلمانية في الشرق الأوسط. ويقول كاروذرز إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ينتمي أيضا إلي تلك القائمة من القادة في ضوء ما أبداه من تحد للغرب بشأن تعزيز الديمقراطية في روسيا والبلدان المجاورة للاتحاد السوفييتي السابق. ويضيف الخبير: "إنها ليست مصادفة أن الدول الثلاث تعج بأموال النفط، ما يسمح لقادة تلك الدول بترف تعزيز قضاياها". إن رد الغرب علي تحديات تلك الموجة الشعبوية لا يحتاج ولا ينبغي أن يكون مماثلا. فكل دولة تمثل تحدياً مختلفاً. يقول أندرو باسيفيتش، مدير مركز العلاقات الدولية في جامعة بوسطن: "الزعماء الشعبويين من أمثال شافيز لديهم قدرة محدودة للغاية علي فعل أي شيء يضر بمصالحنا بشكل كبير، ومن ثم فإنه ليس من المناسب أن يكون هناك رد فعل مبالغاً فيه". ويضيف إن الموقف الإيراني مختلف بسبب قضيتها النووية وبسبب الأهمية التي توليها طهران لمستوي الاستقرار في تلك المنطقة. كما أن إيران تلعب دورا رئيسيا في الأحداث في كل من العراق وأفغانستان. وفيما يتعلق ببعض القضايا الدولية التي تنطوي علي بعض الجدل يتضح أن الغرب وليس مجرد أمريكا هو الذي يكون علي خط النار كما هي الحال فيما يتعلق بالغضبة الإسلامية ضد الصور المسيئة للنبي محمد صلي الله عليه وسلم. ويقول سالاس: "إن شافيز ونجاد بالتحديد يجنيان فائدة سياسية في التركيز علي الولاياتالمتحدةالأمريكية". ولم تُضيع إيران أي وقت في إنهاء تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية وذلك بعد أن وافقت الأخيرة علي قرار تدعمه أمريكا بإحالة ملف إيران إلي مجلس الأمن.