يبدو ان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد اكتشف الآن فقط امراً مهماً بشأن حرب مكافحة التمرد وبدأ يتحدث عنه. وهو أنك يجب أن تكون قادراً ومنافساً ورشيقاً في حرب الافكار كما أنت في ساحة المعركة. عليك أن تكون قادراً علي مجابهة الحرب الدعائية كعدوك في المعركة لكسب عقول وقلوب المواطنين المعنيين وبقية العالم أيضاً. الآن، وبعد ثلاثة أعوام عنيفة بدأ رامسفيلد أخيراً يعزف لحناً مختلفاً: المتمردون العراقيون والإرهابيون الأجانب، كيفوا أنفسهم ببراعة لخوض حرب في عصر الإعلام الذي نعيش فيه اليوم، لكننا في حكومتنا وبلدنا لم نتكيف مع هذه الحرب بعد، كما قال رامسفيلد في كلمته أمام مجلس العلاقات الخارجية قبل أيام. وتحدث رامسفيلد عن وسائل الاتصال الجديدة مثل أجهزة "بلاك بيري" والهواتف المتحركة والبريد الإلكتروني والمحطات التليفزيونية الاخبارية التي تبث علي مدار الساعة، لكن في الواقع إن هذه الوسائل ليست جديدة وهي مجرد وسائل لإيصال الرسالة، وليست الرسالة نفسها. ربما تكمن المشكلة في الرسالة لا في الوسيلة ولا يمكن إلقاء اللوم علي التغطية الاعلامية الميالة إلي التشكيك ولا علي الدعاية المضادة لحقيقة أن إدارة بوش مازالت تحاول تبرير سبب غزوها للعراق في المقام الأول. ولماذا فعلت ذلك بدون اتخاذ الاستعدادات الكافية لتبعات الحرب، ولم يكن أسامة بن لادن ولا أبو مصعب الزرقاوي من أعطي المسئولين الأمريكيين الافكار الزائفة عن علاقة العراق بالقاعدة وعن مساعي العراق المزعومة لشراء اليورانيوم من النيجر واستمراره في جهود محمومة لتطوير اسلحة نووية. هذا الكلام الفارغ لم يأت من أعدائنا، بل أتي من أصدقاء رامسفيلد، كما أن الانتهاكات التي حدثت في سجن أبو غريب لم تلحق الضرر بصورة أمريكا في العالم الاسلامي وتنسف سلطتها الاخلاقية في كل مكان بسبب التغطية الاعلامية لهذه الانتهاكات، بل لانها حدثت، ولأنه بعد 17 تحقيقاً رسمياً، لم يحاكم سوي تسعة مجندين. ومازلنا لانعرف شيئاً عن حقيقة من أجاز أو شجع أو تساهل مع هذه السلوكيات المشينة. من أمر الميجور جنرال جيفري ميلر، قائد مركز اعتقال في جوانتانامو، باصطحاب فريق "تايجوتيم" إلي أبو غريب في العراق في أواخر صيف 2003 لتدريب المحققين وحراس السجن علي كيفية "تليين" المعتقلين المسلمين ثم دفعهم إلي الانهيار؟ لقد قلل رامسفيلد في خطابه من أهمية الفظائع التي ارتكبت في أبوغريب وعبر عن استغرابه من تركيز وسائل الاعلام عليها وقال: "دعونا نفكر لوهلة بحجم الاعمدة الصحفية والساعات التليفزيونية التي تكرس للحديث عن ادعاءات اساءة معاملة السجناء" مشيراً إلي إن الكثير من الصور التي ظهرت في وسائل الاعلام أخيراً كانت قد نشرت من قبل. وألقي رامسفيلد اللوم فيما حدث في أبوغريب علي اشخاص في مناوبة ليلية، مناوبة ليلية واحدة، فعلوا بعض الاشياء عوقبوا عليها بأحكام القضاء العسكري. وبدلاً من التحدث للكشف عن الحقيقة بالسرعة نفسها التي يتحرك بها العدو لبث أجندته الدعائية، فلقد تمثلت استجابة البنتاجون في استئجار شركة علاقات عامة لتدفع المال للمراسلين الصحفيين العراقيين لإنتاج اخبار ايجابية ولتدفع المال أيضاً للصحف العراقية لتنشر قصصاً كتبها موظفون عسكريون أمريكيون لدمج العلاقات العامة بالحرب النفسية. وبدلاً من فتح النار علي المراسلين ربما يجدر برامسفيلد إعادة النظر في الرسالة نفسها التي تبعثها السياسات الأمريكية والأفعال الأمريكية والاخطاء الأمريكية ليس بحق العراقيين والمسلمين الآخرين فقط، بل بحق العالم اجمع، فالحقيقة قد تحررك من الكثير من المتاعب.