أضحت قضية صورة الولاياتالمتحدةالأمريكية في العالم وحسب أخر التقارير الصادرة عن عدد وافر من مراكز استطلاعات الرأي ناهيك عن الهيئات الدولية والأهلية المعنية أمرا مهما للغاية بالنسبة لصناع القرار الأمريكي الذين باتوا يدركون أن سياسات بلادهم باتت غير مرحب بها بل ومكروهة لا سيما وان الولاياتالمتحدة تشن حربا علي الإرهاب عبر مجالات فكرية ومادية . والحقيقة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية جدت منذ أكثر من عام في تحسين صورتها عبر مبادرات مختلفة. ففي مؤتمر دافوس العام 2004 حاولت سيدة أمريكا الأولي لورا بوش تصحيح الصورة التي تراها مشوهة ومغلوطة عن الولاياتالمتحدة فتحدثت هناك عن حمل بلادها للواء الإصلاح والديمقراطية وحقوق المرأة العربية والتعليم وحرية الانتخابات وغيرها من الأمور والقضايا التي تصب علي حد قولها في خانة مواجهة المشاعر المناهضة للولايات المتحدة بدرجة متزايدة في الاعلام الإسلامي. وبعدها بستة شهور شهدت دول المنطقة جولة للسيدة كارين هيوز كممثل عن الخارجية الأمريكية في محاولة جديدة لكسب الود والقلوب في معركة الأفكار وقد زارت عددا وافرا من الدول العربية وفي الأزهر الشريف حملت فانوس رمضان في خطوة تقرب وتودد للشعب المصري خاصة وللشعوب العربية والإسلامية عامة غير أن المحصلة لم تأت بالنتائج المرجوة والدليل علي ذلك نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة. والمؤكد أن هناك حالة من الصراع الدائر في الدوائر والوزارات الأمريكية في الأشهر الأخيرة لا سيما بين وزارتي الخارجية وعلي رأسها كونداليزا رايس والدفاع وعلي رأسها دونالد رامسفيلد وخير دليل علي ذلك أن البنتاجون يعد هذه الأيام خطة جديدة في محاولة منه لتحسين صورة أمريكا في العالم ولمحاولة الانتصار في حرب الأفكار التي تخوضها واشنطن لا سيما ضد التيارات الراديكالية في العالم الإسلامي حسب زعمها والتساؤل ماذا عن تلك الخطة الجديدة؟. في أواخر شهر ديسمبر الماضي كشفت صحيفة يواس إيه توداي الأمريكية النقاب عن أن البنتاجون يعد برنامجا سريا يتكلف 300 مليون دولار يهدف إلي تحسين صورة واشنطن أمام العالم عن طريق تمرير رسائل مؤيدة له في وسائل الإعلام الأجنبية دون الكشف عن مصدر تلك الرسائل. وفي ذلك الوقت أشارت الصحيفة الأمريكية الأوسع انتشارا في أمريكا اليوم إلي أن مسئولا عسكريا مخولا بالإشراف علي البرنامج قال إن هذه الحملة يديرها خبراء في الحرب النفسية تابعون لقيادة العمليات الخاصة الأمريكية وأنها تهدف إلي مواجهة إيديولوجية الإرهابيين وكسب التأييد في الخارج لسياسات الولاياتالمتحدة وأضاف المسئول الذي رفض الكشف عن اسمه وقتها أن الجيش الأمريكي يريد أن يخوض حرب معلومات ضد تنظيم القاعدة من خلال الصحف والمواقع الالكترونية والإذاعات والقنوات التليفزيونية وحتي بوسائل جديدة مثل ملصقات وقمصان تحمل شعارات دعائية. وفي الأسابيع الماضية كانت ابعاد الخطة تتبلور عبر ما اصطلح علي تسميته ب "خريطة الطريق للاتصالات الاستراتيجية" والتي تتبني مبدأ أهمية التعامل مع المعلومات والتواصل مع الأخر بصورة اكبر من اجل الترويج للمصالح الأمريكية في العالم بصورة مباشرة. وقد تم تكوين لجنة من 16 عضوا للبحث في المواضيع المهمة المطروحة علي الساحة الأمريكية وكيفية التعامل المعلوماتي معها من بينها علي سبيل المثال قضية موانئ دبي أو قضية انتشار الصواريخ الباليستية كما تكونت لجنة أخري رفيعة المستوي من أربعة أعضاء هم رئيس هيئة الأركان المشتركة ونائب وزير الدفاع للسياسات ومساعد وزير الدفاع للشئون العامة ومدير الاتصالات الاستراتيجية بهيئة الأركان العامة ويتمحور دورهم في طرح الأفكار اللازمة للتعامل مع هذه القضايا ومحاولة حلها. ما هو محتوي هذه الوثيقة وطريق عملها؟ هناك حسب ما هو واضح حتي الآن ثلاث مراحل للخطة الجديدة الأولي تتمثل في تحسين عملية تواصل أمريكا مع العالم وكيفية توصيل تلك الأفكار عن طريق الأعلام وكانت أمريكا علي لسان وزير دفاعها رامسفيلد قد أقرت في أوائل العام الجاري 2006 بان واشنطن قد انهزمت أمام إعلام الأعداء لا سيما تنظيم القاعدة الذي تفوق في التعامل إعلاميا مع الفضائيات العربية بوجه خاص علي خطط وزارة الدفاع وقد دعا الوزير رامسفيلد إلي تكثيف الجهود لتبليغ المقاصد الأمريكية للعالم. فيما المرحلة الثانية تدور حول استخدام المرونة في التعامل مع كيفية إيصال الأخبار إلي الرأي العالم العالمي ودائما ما كان هناك جدل حقيقي بين وحدة الشئون العامة التي تتعامل مع وسائل الاعلام في وزارة الدفاع وبين وحدة الحرب النفسية ويتذكر القارئ أن هناك معركة قد جرت خلف الأبواب المغلقة في البنتاجون حول قيام جنود أمريكيين بدفع مقالات للنشر عبر صحفيين دفعت لهم وزارة الدفاع أموالاً وكانت المقالات تتعلق بالأوضاع في العراق وهو ما كشفت عنه صحيفة اللوس انجلوس تايمز. أما المرحلة الثالثة والأخيرة فعرفت باسم الكائنات الغريبة وتتلخص حسب وصف قائد بارز في البنتاجون الأمريكي في إزالة كل العوائق التي من شأنها أن تعرقل الجهود التي يقوم بها البنتاجون لكسب حرب الأفكار علي الإرهاب والمتوقع أن تقدم الوثيقة أوائل الشهر الجاري لوزير الدفاع للتوقيع عليها ومع بداية أغسطس يصدر البنتاجون وثيقة توجيهية تحدد دور وزارة الدفاع في تنفيذ برنامج الدبلوماسية العامة التي تدار من قبل وزارة الخارجية وتشرف عليها السيدة كارين هيوز. والحقيقة انه هنا لابد أن نتوقف أمام ذكر اسم السيدة هيوز والتي ارتبط اسمها باسم خطة أخري للخارجية الأمريكية "فرق الرد السريعة" والتساؤل من جديد هل ستتضارب الخطط الرامية إلي إصلاح صورة أمريكا؟ في العام الماضي أشارت النيويورك تايمز إلي أن الولاياتالمتحدة ستعمد إلي تشكيل ما يسمي بفرق الرد السريعة لمواجهة الأخبار السيئة والدفاع عن سياسات الإدارة الأمريكية علي الصعيد العالمي وان هذه الفرق ستعمل علي التعامل مع المعلومات المغلوطة ومع سوء التأويل الذي تبدي حسب الرأي الأمريكي واضحا خلال الحرب في أفغانستان وكذلك في أزمة تدنيس القرآن التي أماطت اللثام عنها مجلة النيوزويك الأمريكية. والواقع انه إذا أردنا الاحاطة بصورة شبه كاملة بخطط فرق الرد السريعة يلزمنا العودة إلي نص التصريح الذي أدلت به كارين هيوز في الخامس والعشرين من يوليو الماضي أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي فقد احتوي خطابها كما خطابات الرئيس بوش علي الدوام علي عنوان عريض وهو أن الحرية ستسود في نهاية المطاف وتتغلب علي الاستبداد مضيفة أن بلادها ستواصل سعيها مع الجماهير حول العالم لإقامة حوارات مع الثقافات والأديان الأخري وستتيح الفرصة لإنشاء اتصالات وظروف تتيح للناس أن يقرروا بأنفسهم . والحقيقة انه إذا افترضنا حسن النية في خطط وزارة الخارجية الأمريكية فانه يكون من الصعب التصديق بان خطط وزارة الدفاع الأمريكية تبغي في واقع الأمر كسب معركة فكرية بأدوات معنوية وإعلامية لا سيما في ضوء الفضائح الأخيرة للبنتاجون والخاصة بالتجسس علي المواطنين الأمريكيين بشكل عام وعلي المسلمين بنحو خاص في منازلهم ومساجدهم ومما يثير الشك حول خطط وزارتي الدفاع والخارجية لتحسين الصورة الأمريكية هو أن الخطط المطروحة نراها تطبق بحذافيرها من قبل بعض المؤسسات الإسرائيلية والصهيونية في واشنطن وعلي رأسها معهد ميمري والذي يراقب كل ما يكتب أو ينشر في وسائل الأعلام العربية عن إسرائيل وسياساتها ومن ثم يترجم ويستخدم كورقة ضغط عن الحاجة الأمريكية. وبحال من الأحوال فان أحدا لا يود مخاصمة القطب الدولي الأوحد المتحكم في الشئون الدولية غير أن الحقيقة التي عبر عنها المجلس العلمي التابع لوزارة الدفاع الأمريكية في تقرير له تؤكد علي أن خطط البنتاجون مهما تعددت وتنوعت ربما يكون مآلها الفشل وان السبيل الوحيد لتغيير صورة أمريكا هو تغيير جذري لسياساتها العامة وهو ما أقرت به كارين هيوز نفسها بقولها إن تغيير الشكل الخارجي لأمريكا في علاقاتها مع بقية دول العالم أمر لن يزيد إلا من تشويه الصورة الأمريكية. وفي ضوء التشارع والتنازع بين الدفاع والخارجية لا تعير واشنطن التفاتا واضحا لجوهر القضية أي سياستها وتركن إلي المعالجة المؤقتة التي تبغي من ورائها أهداف اقل ما يقال انه مشكوك فيها ومع حلول سبتمبر المقبل موعد إصدار الوثيقة النهائية للبنتاجون والتي تشتمل علي المبادئ العامة وأساليب التدريب ومصادر التمويل ودخولها حيز التنفيذ يتساءل المرء تري علي آية حال ستصبح أمريكا وقدرتها علي معركة كسب الأفكار؟