ما الذي يجري علي صعيد حاضر الفاتيكان ، العاصمة الروحية لأكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة حول العالم من أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية والمنتشرين في كل البقاع والاصقاع وفي قارات العالم الست ، هولاء الذين وصفهم مؤخرا عمدة نيويورك السابق اليهودي " إدوارد كوش " بأنهم يمثلون قوة ايجابية في العالم ، وليس شرا ، ووجودهم مهم للازدهار والسلام حول العالم ". المؤكد للمتابع الجيد للأحداث يري ان هناك حالة من حالات الاستبسال الاعلامي ضد الفاتيكان في الآونة الاخيرة، استبسال لا يرمي إلي المكاشفة أو المصارحة الاعلامية للتصحيح والبناء بقدر ما يسعي الي المعاقبة والتشهير وتصفية حسابات لا تموت عند ذويها ، ويتخذ هذا النضال الاعلامي الابوكريفي من الولاياتالمتحدةالأمريكية علي نحو عام ومن قلب مدينة المال والأعمال " نيويورك "موقعا وموضعا بشكل خاص ، وهو الامر الذي أشار إليه في الأسابيع القليلة المنصرمة رئيس اساقفة نيويورك " تيموثي دولن " بقوله ان كثيرًا من الاوساط الكاثوليكية في الولاياتالمتحدةالامريكية تعتقد ان الانتقادات الموجهة للكنيسة صادرة عن جماعات ضغط يهودية في نيويورك . في هذا السياق يفهم لماذا رفضت صحيفة النيويورك تايمز الامريكية الاشهر الواقعة تحت ضغوطات الحضور المالي اليهودي في امريكا نشر ردود للمختصين الكاثوليك من اكليروس وعلمانيين بشأن الصفحات التي افردت مؤخرا تشهيرا ضد الكنيسة الكاثوليكية هناك علي نحو خاص مطالبة بردود قصيرة مقتضبة لا تسمن ولا تغني من جوع . هجمات صهيونية منطلق الازمة وكما هو معروف يعود إلي قصة الاعتداء الجنسي لبعض رجال الدين الكاثوليك علي عدد من القصر عبر العقود الماضية والتي امتلك الفاتيكان بشأنها شجاعة الاعتراف بالخطأ البشري وملك كذلك ثقافة الاعتذار، وقد اعتبر البابا بندكتوس السادس عشر ان الامر يعد "جرما شائنا " عطفا علي تعبيره الواضح عن تعاطفه مع الضحايا ولقائه الشخصي مع عدد منهم ، إضافة إلي التعويضات المالية التي حصل عليها المضارون في أمريكا علي نحو خاص . غير ان هذا كله لم يحل دون ان يتخذ الأمر كذريعة لمحاولة تشويه مؤسسة وصفها المؤرخ الامريكي الشهير " وول ديورانت " في موسوعته الخالدة " قصة الحضارة " بأنها " اهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ "، ولدي التوقف عند لفظة بشرية ، يتقبل العقل فكرة وجود الخوارج وحضور الاستثناءات، ذلك ان بضع عشرات علي اكثر تقدير من رجال الدين في تلك المؤسسة لا يختزلون الحضور التاريخي والروحي والانساني والثقافي لنحو 400 ألف رجل دين كاثوليكي من كل الرتب الدينية حول العالم وهذا ما يجعل علامة استفهام تتصاعد في اعلي عليين ومفادها : من يقف وراء إذكاء هذه الأزمة علي هذا النحو التشهيري الابشع والاشنع في تاريخ حاضرة الفاتيكان الحديث؟ بحال من الاحوال لسنا من انصار فكرة المؤامرة المطلقة الضاربة في بطن التاريخ ، لكن هذا لا ينفي انه إذا كان من الخطأ تصوير التاريخ وكأنه مؤامرة فالأشد تورطا في الخطأ تصويره وكانه مصادفة كما ان التاريخ المتآمر والهيمنة العذارء كلاهما يثير الدخان والغبار حول واقع الحال . في هذا الإطار لا يمكن الحديث عن الهجومات الإعلامية الأمريكية المتصهينة وتابعتها البريطانية بعيدا عن عدة ملفات تتشابك فيها الخيوط وتتقاطع الخطوط بين الفاتيكان ودولة اسرائيل الزمنية ، وكذلك مع اليهودية كديانة، وما بين هذه وتلك من ملفات سياسية تقع في دائرة فقه النوازل أو المستجدات ان صح التعبير أو جاز. بحسب ترتيب الاهمية يمكن ان نشير إلي الملف الأول والازلي لدولة إسرائيل وهو اغتصابها للاراضي الفلسطينية ورفض حاضرة الفاتيكان منذ زمن البابا بندكتس الخامس عشر لقيامها علي تراب فلسطين والثار المبيت والممتد من تيودور هيرتسل إلي بنيامين نتانياهو في هذا الشأن. هذا الملف يتقاطع طولا وعرضا مع التوجهات الكاثوليكية الأمريكية تجاه النزاع العربي الإسرائيلي ولجهة فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة علي التراب الوطني الفلسطيني، وهذا ما سناتي عليه بالتفصيل لاحقا. الملف الثاني الذي يحمل طابعا ثأريا آخر هو ملف سعيد الذكر البابا بيوس الثاني عشر والذي تتهمه إسرائيل بالصمت ازاء جرائم النازية تجاه اليهود في المحرقة الإسرائيلية إبان الحرب العالمية الثانية ، ولا يخفي علي احد ان إسرائيل تحاول اعاقة سير "عملية إعلان قداسة " البابا الراحل ، من خلال آليات وطرائق مختلفة منها توجيه تهمة انتماء البابا الحالي لجماعة شباب هتلر في باكورة أيامه والتي ثبت زيفها لاحقا ، انطلاقا من دخول البابا وهو صبي صغير في السلك الاكليريكي بما لا يتوافر معه الوقت لمثل هذه الأنشطة السياسية. ثم يأتي الملف الثالث الذي اثار ثائرة اليهود بدوره العام 2009 وهو ملف إلغاء البابا حرمانا كنسيا علي أربعة أساقفة هم " برنار فيلاي "، وبرنار تيسيه "، " وريتشارد وليامسون" ، و"الفونسو دي غالاريتا ". وكان الأسقف وليامسون قد صرح في حديث له بثته محطة التليفزيون السويدية في شأن الهولوكوست بالقول " اعتقد انه لم يكن هناك غرف إعدام بالغاز .. اعتقد ان 200 الي 300 الف يهودي قضوا في معسكرات الاعتقال لكن لم يقض علي اي يهودي في غرف الغاز ". سحب ملبدة وكان من تبعات الإلغاء ان جن جنون اتحاد الجاليات اليهودية الايطالية ودعا الأمر حاخام روما الأكبر "ريكاردو دي سيني" للتصريح بالقول " إن سحبا ملبدة تلوح في افق الحوار بين اليهود والمسيحيين " ، فيما نقلت الوكالات الايطالية عن الحاخام ديفيد روزون رئيس اللجنة اليهودية الدولية التي تضم اللجان اليهودية المشاركة في الحوار بين الديانات ان الغاء حرمان الاسقف الايطالي " يفسد الكنيسة برمتها ". وقد اعتبر الموقف عدائيا علي نحو صريح من قبل بندكتس السادس عشر تجاه اليهود رغم تأكيد الأب " فيديريكو لمباردي " اليسوعي المتحدث الرسمي باسم الفاتيكان ان تصريحات وليامسون لا علاقة لها اطلاقا بالخطوة التي اتخذها الفاتيكان ". يبقي الملف الرابع والذي لم يتنبه له الكثيرون من الذين يتناولون الشأن الفاتيكاني بالبحث والدرس والمتعلق بالعرض الذي بدأ مؤخرا في مدينة تورينو الايطالية لقطعة الكتان التاريخية التي عرفت باسم " كفن السيد المسيح " والتي هي بحسب المعتقد الايماني الكاثوليكي الكفن الذي لف فيه جسد السيد المسيح قبل وضعه في القبر بعد صلبه . وفي هذا العرض اشكالية كبري ذلك انه يؤكد علي ان اليهود ومن جديد هم القتلة الحقيقيين للسيد المسيح بحسب المفهوم الايماني المسيحي المتفق عليه بين كل الطوائف المسيحية شرقا وغربا، ويعيد وضع ما جاء في وثيقة " في ايامنا الحالية NOSTRA AETATE الصادرة في عن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني في 28 اكتوبر تشرين اول سنة 1965 في سياقها الصحيح اذ تقول الوثيقة " ولئن كان ذوو السلطان والأتباع من اليهود عملوا علي قتل السيد المسيح إلا ان ما اقترف إبان الآلام والصلب لا يمكن ان ننسبه في غير تمييز الي جميع اليهود الذين عاشوا آنذاك ولا الي اليهود المعاصرين ". والمعني هنا بعد عرض الكفن من جديد واضح للجميع وفاضح علي نحو خاص لليهود الحاليين بوصفهم " بنو قتلة الانبياء " ، مع ما لهذا العرض من دفع للضغائن الأوروبية المسيحية - ولو نظريا - تجاه اليهود واليهودية التاريخية والتي باتت تحتمي وراء تشريعات قانونية تتيح وتبيح توجيه اقسي الاتهامات واقذعها للانبياء ولارسل وتصورهم كاريوكاتوريا باحقر ما يمكن وللكنيسة والبابوبة كذلك دون التجرؤ علي الاقتراب من حدود السامية وباتت تهمة معاداة السامية سيف مسلط علي الرقاب . الهجرة القاتلة وهناك أيضا ملف جديد يتعلق ولا شك بالسينودس (اجتماع عام للاساقفة) المزمع عقده في الفاتيكان في أوائل تشرين أول أكتوبر المقبل والخاص بأساقفة الشرق الأوسط، حيث الاهتمام بنوع خاص بأوضاع مسيحي الشرق الاوسط ، علي نحو خاص، سيما في ضوء حالة الهجرة القاتلة التي يتعرضون لها ولا يمكن التعاطي مع الافكار التي ستدرس في هذا السينودس بعيدا عما يثار حول قراءات داخلية استعدادية في الفاتيكان أطلق عليها البعض جوازا اسم " وثيقة " تتعلق بالدور الاسرائيلي في اذكاء الصراع في الشر ق الاوسط مع التبعات السلبية للصراع العربي الاسرائيلي علي المسيحيين العراب بشكل عام ومسيحيي الأراضي الفلسطينية المقدسة بنحو خاص في ظل التهجير التهويدي القسري للمسيحيين العرب كما للمسلمين من المدينة المقدسة القدس والسعي قدما في مخطط تهويدها البغيض وإفراغها من بقية المؤمنين بالديانات التوحيدية الأخري . وتنتقد القراءة بشكل واضح الاحتلال الإسرائيلي للاراضي الفلسطينية وقالت انه جعل الحياة شاقة علي صعيدي الحياة اليومية والممارسات الدينية لأن الوصول إلي الأماكن المقدسة أصبح مقيدا. هذاالتوجه لايمكننا بحال من الاحوال فصله عن التصريحات التي صدرت منذ نحو عامين عن الكاردينال "ريناتو مارتينو" رئيسا لمجلس البابوي للعدالة والسلام " في الكوريا الرومانية بشان غزة والتي اعتبرها بمثابة معسكر كبير للاعتقال وانها تمثل محرقة للفلسطينيين الأمر الذي دعا " ايلان شتاينبرغ " رئيس التجمع الامريكي للناجين من المحرقة لاعتبار تصريحات الكاردينال " تمثل اهانة لذكري المحرقة والناجين منها في ارجاء العالم ". أما الأمين العالم للمجلس المركزي اليهودي في ألمانيا " ستيفان كرامر، ورئيس مركز وايزانتال الحاخام " مارفين هاير " فقد اعتبر تصريحات مارتينو " محاولة شريرة لنشر دعاية مناهضة لاسرائيل بينما اعتبر هاير ان تصريحاته لا يستخدمها سوي المنظمات الإرهابية . علي ان ردود الافعال اليهودية لم تثن الكاردينال مارتينو من الدفاع عن تصريحاته من جديد ، ففي حوار له مع صحيفة " لاريبوبليكا الايطالية" ، اعتبر ان الشعب الفلسطيني في غزة " محاصر بحائط يصعب اختراقه ، ويعيش في ظروف لا تتفق مع كرامة الإنسان ". ورغم ان المونسنيور " نيكولا ايتيروفيتش " المسئول عن الاعمال التنظيمية والإدارية للسينودس القادم في رده علي ما اذا كانت الوثيقة تشير بالتحديد الي المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية والبناء الاستيطاني في القدسالشرقية قال " ان الفاتيكان لم يتخذ قرارات او توصيات سياسية من خلال الوثيقة "، الا ان اقع الحال هو ان الورقة مقدمة من الاساقفة والبطاركة الكاثوليك العرب والذين يعانون خاصة من ربقة الاحتلال وفي مقدمتهم بطريرك اللاتين في القدس البطريرك فؤاد الطوال الذي هاجم اسرائيل مؤخرا بسبب تعنتها وإصرارها علي إفساد عملية السلام وجعل العيش بالنسبة للفلسطينيين أمرا مرا ومعاناة يومية ، نقول ستشير إلي تفاصيل عمليات الطرد المنظم والتهجير القسري والاستيطان غير المشروع والتهويد المستمر لفلسطين. هل وفينا قراءة كل ملف من الملفات السابق الإشارة إليها؟ تاكيدًا وتحديدا لا ، فكل منها يحتاج الي قراءة موسعة بدورها وقد نعود اليها في مرات قادمة وبخاصة الملف المنتظر ان ينفجر عما قريب الخاص بالبابا بيوس الثاني عشر وذلك بعد كشف الفاتيكان عن عدد من الوثائق السرية المتعلقة بحبريته الطويلة ( 1939- 1958) والعلاقات القائمة وقتها مع المانيا وخلافاته مع النظام النازي ، وربما يلزمنا اعادة قراءة التوجيه الرسولي لبيوس الثاني عشر المعنونة " علي ضوء " الذي سلط فيه الاضواء علي عدم توافق الايديولوجية الفاشية مع تعاليم السيد المسيح الأمر الذي يبطل مقدما الدعاوي اليهودية المنحولة ضده . غير انه يتعين علينا ان نتوقف ولو قليلا حول ما وراء الهجمة الإعلامية الامريكية علي الكنيسة الكاثوليكية وكيف ان تلك الآلة الجهنمية باتت اليوم تصب جام غضبها علي الفاتيكان محاولة تكميم الأفواه عن " مقولة حق عند سلطان ظالم ".. فماذا عن ذلك؟ الوصايا العشر يطيب لنا هنا ان نعيد ما قاله علي الاسماع ذات مرة السياسي والصحفي الإسرائيلي اليساري "يوري آفنيري " من انه اذا ارادت اسرائيل سن تشريع بقانون يلغي بموجبه الوصايا العشر لوافق 95 عضوا (من اصل مائة) من اعضاء مجلس الشيوخ في نفس اليوم ودعموا القانون الجديد ".. وهو قول يدعونا للمقارنة ، ذلك انه اذا كان الأمر علي هذا النحو مع شريعة موسي صلب العقيدة اليهودية فهل من الصعب محاولة شل الأيادي الكاثوليكية الأمريكية علي نحو خاص تجاه القضايا التي تشغل بال إسرائيل وبخاصة في ظل مناخ يسود واشنطن اليوم ومع مجئ باراك أوباما خاصة ، مناخ محمل بعلامات استفهام حول جدوي العلاقات الإسرائيلية وكيف ان الامريكيين باتوا اليوم يدفعون ثمنا غاليا لهذا الارتباط السياسي والأخلاقي، وقد عبر رموز من جميع التيارات الأمريكية عن المثالب التي تحيق بواشنطن من جراء ذلك من أمثال الباحثين في جامعة هارفارد البروفيسوران " ستيفن والت وجون ميرشايمرز، واخيرا الجنرال الأمريكي دافيد بترايوس قائد القيادة الأمريكية الوسطي؟ تساؤل عريض والجواب عليه يستدعي البحث الاستقصائي المطول الذي يضيق عنه المسطح المتاح للكتابة بشأن مواقف الكاثوليك الأمريكيين والكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم حيث يمثل كاثوليك أمريكا حوالي 24 % من تعداد سكانها أي الربع تقريبا مع ما لهم من حضور مشهود له عبر جاليات عريقة كالايرلندية وامتلاكهم لمؤسسات علمية ودراسية وجامعات رائدة ومراكز استطلاع رأي وأبحاث ووسائل اعلام متميزة غير مخترقة صهيونيا. في كتابه القيم والمثير " الاديان العامة في العالم الحديث " يخبرنا البروفيسور "خوسيه كازانوفا " الاستاذ المشارك في علم الاجتماع بالمعهد الجديد للبحوث الاجتماعية - جامعة شيكاغو ، ان الاكليروس (الكهنة والرهبان والأساقفة) الكاثوليك في امريكا قد ذهبوا في طريق تقسيم العالم فكريا إلي قسمين ، الأول وضعوا فيه عقائد الدين المنزل التي سلموا بها من دون جدال ، وفي الثاني الحقائق السياسية التي اعتقدوا ان الالوهة قد تركتها مفتوحة للمساءلة الحرة ، وبهذا اضحي كاثوليك الولاياتالمتحدةالأمريكية في الوقت نفسه اكثر المؤمنين طاعة واكثر المواطنين استقلالا وهذه هي الاشكالية التي نجحوا فيها ، علي عكس التيارات اليمينية البروتستانتية التي يطلق عليها شمولا التيارات اليهو مسيحية او تيارت الصهيونية المسيحية وهو تعبير بحاجة الي مراجعة تقنية ، والتي أضحت منقادة في افكارها ورؤاها للمعتقدات اليهودية التوراتية ، تلك التي عاني من جراءها العالم كله ودول الشرق الاوسط علي نحو خاص طوال سنوات ادارتي جورج بوش وعصبته من المحافظين الجدد. والثابت تاريخيا ان حكومات إسرائيل المتعاقبة قد عملت جاهدة علي ألا تأخذ الكنيسة الرومانية الكاثوليكية في الولاياتالمتحدةالأمريكية موقفا من دولة اسرائيل يختصم من حضورها في الداخل الأمريكي سيما اذا كان موقفا موازرا من أو داعمًا ل "القضايا العربية المعاصرة العادلة، ، وقد تحققت مخاوفها في العام 2003. عندما رفض مجلس الاساقفة الكاثوليك في امريكا فكرة الغزو المسلح للعراق . اما عن القضية الفلسطينية تحديدا فيطول الحديث عن المواقف الكاثوليكية الأمريكية الاخيرة منها ويكفي الاشارة الي نتائج استطلاعت رأي اجراه معهد جالوب مؤخرا فيما يختص بتأييد قيام دولة فلسطينية مستقلة ، وكانت النتيجة ان 87% من كاثوليك امريكا ايدوا قيام تلك الدولة كحق شرعي للشعب الفلسطيني واكدوا أنه حان الوقت لأن تنتهي عذابات الشعب الفلسطيني وتهجيره من أراضيه وفرصة جديدة لقيام عهد من السلام في المنطقة. الساحة العارية لماذا تخشي اسرائيل من الكاثوليكية الأمريكية علي نحو خاص وتحاول عبر آلة الاعلام المتصهينة والموالية لإسرائيل كبح جماعة الكنيسة الكاثوليكية هناك الساعي للعدل والسلام؟ تكشف خطب الأساقفة الأمريكيين الكاثوليك بوجه عام عن توجه غاية في الاهمية ، سماه "ريتشارد ج. نيوهاوس أحد رجال الدين البارزين في أمريكا " " الساحة العامة العارية" ، بمعني دخول هولاء معترك الحياة العامة السياسية الامريكية لا من اجل فرض كنيستهم في الساحة ، ولا من أجل تعبئة " فرقهم " ضد الأعداء الدينيين والعلمانيين ، بل بالأحري من أجل المشاركة في النقاش العام، وفي مقدمة تلك النقاشات المطروحة اليوم في الداخل الأمريكي وبقوة حدود العلاقات الأمريكية الإسرائيلية وتأثير تجاذباتها علي حالة السلم والأمن داخل الأراضي الأمريكية وحول العالم في منطقة الشرق الأوسط تحديدا وتأثير ذلك علي اوضاع الكاثوليكية خاصة والمسيحية عامة في الأرض المشرقية التي ولدت فيها وانتشرت منها الي ارجاء العالم . وفي ظل السينودس القادم في الفاتيكان يمكن الجزم بان اسرائيل تدرك مقدما انها بين هولاء واولئك تخسرا مقدما دعما ومددا سياسيا ادبيا وماليا امريكيا توافر لها وبسخاء منقطع النظير وعبر عقود طوال ، الامر الذي سيجبرها في نهاية المطاف علي تغيير مواقفها السادرة فيها في غيي لا يوصف. تدرك الآلة الاعلامية الصهيونية ان ليس لدي البابا فرق عسكرية كما تهكم جوزيف ستالين الرمز الشيوعي الابشع والاشنع ذات مرة ، ولم يكن يدر بخلده ان البابوية تلك ستضحي وفي خلال بضعة عقود المسمار الاهم والاخطر الذي سيدق في نعش الشيوعية وسيقودها إلي مثواها الأخير غير مأسوف عليها. لكن من الواضح انها تكثف اليوم هجومها علي البابوية وعلي البابا ذاته ولا تدرك ان الوعد قائم بان ابواب الجحيم لن تقوي عليها، وان ثبات المؤمنين الكاثوليك والاكليروس حول قيادتهم الروحية اقوي من ان تزعزعها اخطاء بشرية فردية ، تستغل في مكر منقطع النظير لتعطيل خدمة العدالة والسلام حول العالم ودعم قضايا المقهورين والمظلومين في عالمنا الذي يموج بعولمة متوحشة ، الفقراء فيها لا يرثون الأرض كما يقول المفكر اليهودي الأمريكي المستنير نعوم تشومسكي.