حذر وزير الدفاع الإندونيسي إدارة جورج بوش، من أن نهجها في محاربة الإرهاب، ينظر إليه علي أنه نهج يتسم بالغطرسة، وأن الولاياتالمتحدة يجب أن تكون حساسة تجاه الهموم المحلية للشعوب. وحول هذه النقطة قال "جيونو سودارسونو" وزير الدفاع الإندونيسي للصحفيين بينما كان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد واقفاً بالقرب منه: "من الأفضل أن تقوموا بترك المسئولية الرئيسية عن مكافحة الإرهاب للحكومات المحلية المعنية، بحيث لا تكون الولاياتالمتحدة مستغرقة أكثر من اللازم في النتائج المباشرة للعمليات التي تقوم بشنها بناء علي الصورة التي تدرك بها هؤلاء الإرهابيين". وأضاف الوزير الإندونيسي قائلا: "يعتبر هذا الأمر في غاية الأهمية بالنسبة لنا لأننا أكبر دولة إسلامية، وهو ما يجعلنا أكثر إلماماً من غيرنا بما تعنيه هذه المدركات _بصرف النظر عما إذا كانت صحيحة أم زائفة- المترسخة في الأذهان من أن الولاياتالمتحدة دولة متغطرسة أكثر من اللازم، وذات حضور أثقل من اللازم، وذات هيمنة ساحقة علي كل قطاع من قطاعات الحياة، في العديد من الدول والثقافات في مختلف أنحاء العالم". وكان وزير الدفاع الأمريكي قد وصل إلي العاصمة الإندونيسية "جاكرتا" لتعزيز العلاقات العسكرية الإندونيسية الأمريكية. يذكر أن المساعدات الأمريكية لإندونيسيا قد مُنعت تدريجياً، بعد أن قامت قوات الأمن الإندونيسية بإطلاق النار علي المدنيين الذين كانوا يحتجون ضد الحكم الإندونيسي في تيمور الشرقية عام 1991. وبإعادة علاقاتها مع المؤسسة العسكرية الإندونيسية فإن إدارة بوش تريد أن تقول إنها لا تقوم فقط بتعزيز علاقاتها مع حليف في إطار حملتها التي تقوم بها ضد الجماعات الإرهابية، ولكنها تقوم في الوقت نفسه بترسيخ أهمية فكرة احترام حقوق الإنسان. "لقد أسست الولاياتالمتحدة علاقات طبيعية تماماً ومباشرة بين مؤسستها العسكرية وبين المؤسسة العسكرية الإندونيسية". كان هذه هو ما قاله دونالد رامسفيلد، بعد اجتماعه مع الرئيس الاندونيسي "سوسيلو بامبانج يدويونو" ومع "ويدود آدي ستجيبتو"، وزير الشئون الأمنية، والسيد سودارسونو. غير أن بعض المشرعين الأمريكيين، يشتكون مع ذلك من أن المسئولين الإندونيسيين الذين ارتبطت أسماؤهم بالانتهاكات التي حدثت في تيمور الشرقية، لم يخضعوا للمحاسبة. كان الإندونيسيون هم الذين أطلقوا لأنفسهم العنان في تقديم النصح لأمريكا. قال السيد سودارسونو إن من بين الدروس التي يجب أن تتعلمها الولاياتالمتحدة، أنه يتوجب عليها الاهتمام بالهموم والمشكلات المحلية للدول التي تتعامل معها. وبعد ذلك اتخذ الوزير خطوة غير متوقعة عندما كرر النصيحة التي كان قد قدمها لرامسفيلد مرة أخري في حجرة مكتظة بالصحفيين الغربيين والإندونيسيين. قال سودارسونو: "كنت أقول تواً لسيادة الوزير، ومنذ دقيقتين بالضبط إن اقتصاد الولاياتالمتحدة القوي، وجيشها القوي يؤديان إلي نوع من سوء الإدراك، وإلي شعور بالتهديد لدي العديد من المجموعات عبر العالم، وليس فقط في إندونيسيا". وقد استتبع هذا التعليق من الوزير الإندونيسي رد فعل سريعاً من جانب رامسفيلد الذي بادر بالقول إنه كان حساساً تجاه هموم الأمم الأخري منذ البداية ولم يطلب من المسئولين في أية دولة وفي أي وقت أن يفعلوا شيئاً ليس لديهم الرغبة في القيام به". والحقيقة أن هذه المناقشة السياسية حول المدركات الصحيحة والمدركات الخاطئة، قد أثرت علي المداولات التي دارت حول جهود إدارة بوش وجهدها المعروف بالمبادرة الأمنية للانتشار والداعية إلي ترتيبات دولية تمكن واشنطن وحلفاءها من تفتيش سفن الشحن التي يشتبه في نقلها مواد بيولوجية وكيماوية ونووية أو صواريخ. وهدف تلك المبادرة التي أعلن عنها عام 2003، هو المحافظة علي الأسلحة غير التقليدية ومكوناتها بعيداً عن أيدي الجماعات الإرهابية، وما يطلق عليه "الدول المارقة". لكن الحكومة الإندونيسية كانت متخوفة من تلك المبادرة، ربما لأنها تريد أن تعزز مطالباتها بشأن المياه الإقليمية القريبة، أو ربما لأنها متخوفة من رد فعل الرأي العام علي تعاونها مع إدارة بوش. ورفض وزير الخارجية الإندونيسي بشكل صريح وقاطع المبادرة الأمريكية المذكورة، علي اعتبار أنها تشكل تهديداً للسيادة الإندونيسية، وذلك عندما طرحتها لأول مرة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس أثناء زيارتها لجاكرتا في مارس الماضي. أما سودارسونو فكان أكثر تأييداً نسبياً للمبادرة، ففي اجتماعه المغلق مع رامسفيلد، أشار إلي أن الاقتراح الأمريكي سُيدرس، وألمح إلي أن إندونيسيا ستكون راغبة في تنفيذ بعض المبادرات التي ستدعو إليها الحاجة وفقاً لهذه الخطة. بيد أن الذي حدث بعد ذلك هو أن السيد سودارسونو قدم تقييماً أكثر وضوحاً في المؤتمر الصحفي عندما قال إن تلك الخطة يمكن أن تنفذ في حالة واحدة فقط، وهي أن تكون محدودة النطاق وقال: "ربما نتمكن من الاتفاق علي إطار محدود للتعاون بالنسبة لهذه الحالة بصفة مؤقتة". وفي الحقيقة فإن هذه التعليقات والملاحظات فاجأت فريق رامسفيلد، ولم يكن واضحاً علي الفور ما إذا كان سودارسونو يحاول تحقيق توازن بين الاعتبارات المحلية، وبين العمل مع الأمريكيين، أم ما إذا كانت هناك خلافات أكثر جوهرية بين الجانبين. وجاء في دراسة أعدتها إدارة الأبحاث في الكونجرس: أن بعض المحللين الإندونيسيين يرون أن الولاياتالمتحدة تركز اهتمامها فقط علي الجانب المتعلق ب "البحث والتدمير" من الحرب علي الإرهاب، وأنها لم تمنح اهتماماً كافياً للجانب الخاص بكسب العقول والقلوب. وباستئناف تقديم المساعدة العسكرية الأمريكية للجيش الإندونيسي، فإن التركيز الرئيسي لواشنطن سيكون تحسين قدرة الجيش الإندونيسي من خلال تزويده بقطع غيار لطائرات النقل سي 130 والمساعدة علي تطوير سفن الدورية البحرية، وتقديم قطع غيار لطائرات إف 16. وقال مسئول عسكري إن البنتاجون يريد تحسين قدرة الجيش الإندونيسي علي تنفيذ عمليات الإغاثة أثناء الكوارث، من أجل إجراء عمليات مشتركة مع الولاياتالمتحدة، وتأمين مضيق "ملقا" وغيره من الممرات المائية