بعضهم يقول إن القرن الحادي والعشرين سيكون قرناً "أمريكياً"، نتيجة لانفراد الإمبراطورية الأمريكية بقواها العسكرية والاقتصادية والتكنولوجية بقمة قيادة العالم، بينما يري بعضهم الآخر أنه سيكون قرناً "صينياً"، حيث ينمو المارد الأصفر اقتصادياً وتقنياً بل وعسكرياً لينافس الإمبراطورية العظمي علي المركز الأول، في حين يعتقد آخرون أنه سيكون قرناً "نووياً"، بعد فشل اتفاقيات حظر الانتشار النووي والوكالة الدولية للطاقة الذرية في كبح جماح طموح بعض الدول للدخول في النادي النووي العالمي. ولكن الوقائع والأحداث التي شهدتها السنوات الأولي من القرن الحادي والعشرين، تشير بوضوح كافٍ إلي أنه سيكون "قرناً شيعياً" من النواحي السياسية والاجتماعية والعقائدية، سواء تحقق ذلك برغبة المجتمع الدولي أو علي حسابه، وسواء اعترض بوش الصغير أم وافق، وسواء تحالف معهم رامسفيلد وزمرته أم وقفوا ضدهم. كانت البداية عندما بدلت واشنطن تحالفها مع شيعة أفغانستان ضد حركة "طالبان" السنية، بتحالف جديد مع شيعة العراق ضد السنة المتمردين، في ظل ثقتها أن بإمكانها توظيف التقارب الإيراني في حربها ضد أفغانستان من أجل حصاد أوفر لتكريس احتلالها للعراق، وغض الطرف عن قيام شيعة العراق بالاستيلاء علي مساجد أهل السنة في المناطق ذات الأغلبية الشيعية، وتغييرهم أسماء الأحياء والشوارع، وجعلها من حوزة النجف السلطة العليا المسيطرة علي نواحي الحياة كلها داخل مناطق الشيعة، ولم تنتبه إلي التغيرات التي حدثت في المعادلة الإقليمية الجديدة، بعد أن حطمت أعداء الإمبراطورية الفارسية في الشرق والغرب، وشنت هجومها علي المثلث السني لصالح تكريس مثلث شيعي جديد في العراق، فانقلب السحر علي الساحر، وباتت إيران الزعيمة الشيعية تنظم حركتها وفق مصالحها العقائدية نحو بناء "الإمبراطورية الشيعية العظمي" علي حساب حطام العراق والفتنة الطائفية في لبنان والتذكير بحقوق الشيعة في الدول الخليجية، ومساندة تحركاتهم سياسياً وعقائدياً. وما ساعد الشيعة علي ذلك الجهود التي تقوم بها إدارة بوش الصغير ما بين ابتزاز سوريا في لبنان، ومحاولة تجريد "حزب الله" من سلاحه، وابتزاز إيران عن طريق ملفها النووي، وخلط الأوراق من جديد في العراق بحجة رفض إقامة حكومة طائفية، ودفع جامعة الدول العربية لإيجاد دور للسنة في مواجهة الاجتياح الشيعي للعراق. والأحداث جميعها تشير إلي تحرك شيعي مدروس وثابت التوجه، بدأ في لبنان، وانتقل إلي سوريا، ثم أصبح العراق مرتكزاً أساسياً له من خلال دعم تحركات مقتدي الصدر الداخلية والخارجية ودفعه إلي رفضه الدستور العراقي الجديد، ثم الإنذار الإيراني الصريح للقوات البريطانية بمغادرة البصرة، وما يحويه ذلك من مغزي لامتداد النفوذ الشيعي الإيراني، مروراً بما يحدث في البحرين من مظاهرات للشيعة وحمل لافتات ذات معني، وتوزيع المنشورات المناهضة للحكم وسط دعم كامل من النخبة الدينية الإيرانية. إن هذه الأحداث تشير إلي نجاح الدور الإيراني في بروز تيارات الإسلام الشيعي السياسي في دول شرق أوسطية كثيرة، خاصة بعد أن تمتعت التيارات الإسلامية الشيعية في العراق بصدقية عالية تحت زعامة "المرشد الديني الشيعي" السيد علي السيستاني، واستطاعت بتحالفها مع واشنطن ضبط إيقاع العملية السياسية لصالح الشيعة بعد انهيار نظام صدام، ولا يخفي علي أحد دور المرجعيات الشيعية الإيرانية ونفوذها الذي لا يستهان به علي المرجعيات الشيعية في العراق. الهدف إذاً واضح وإيران لم تخفه طوال 26 عاماً، وهو مساعدة الشيعة في كل مكان علي المطالبة بحصتهم في السلطة السياسية، وقد برز ذلك جلياً في قيام الحرس الثوري الإيراني بإيواء وتنظيم وتدريب وتسليح التنظيمات الشيعية العراقية المعارضة لنظام صدام حسين البائد، وفي تدريب ودعم وتسليح حزب الله في لبنان. جاء هذا النشاط تحت ستار مزاعم وظروف عدة: - إن الشيعة قد تعرضوا لظلم حكم السنة لفترات طويلة من الزمن وقد آن أوان الصحوة الشيعية لاستعادة حقوقهم، متناسين أن السنة تعرضوا لمصادرة حقوقهم تحت ظل الحكم ذاته أيضاً. - أن لا مكان في الأرض "للمستضعفين"، ومن يريد أن يحصل علي حقوقه عليه التحالف مع "الشيطان الأكبر". - إن الحكم السني في أفغانستان والعراق هو السبب في تقويض الأمن والاستقرار الإقليميين وتهديد السلام العالمي. - أن لا أمل للشيعة في فرض مصالحهم سوي بالتكاتف والتقارب وبناء القوة الشيعية السياسية والعسكرية. - إن الإمبراطورية الشيعية العظمي هي الضمان الوحيد للوقوف ضد القوي المستكبرة أمثال الإمبراطورية الأمريكية الشريرة والإمبراطورية الصهيونية الاستعمارية، والإمبراطورية "الإسلامية السنية" المستبدة. - إن الفرصة سانحة الآن، وربما لا تتكرر، في ظل تورط الشيطان الأكبر وانشغاله في حربه ضد الإرهابيين من العرب المسلمين السنة أصحاب التاريخ الأسود في 11 سبتمبر 2001. - يستطيع الشيعة إثبات حسن نواياهم والتقارب مع المجتمع الدولي إذا أحسنوا استغلال مضي الإرهابيين من "العرب السنة" الأغبياء في نشاطهم لاستعداء العالم عليهم. - إن ما يتعرض له الشيعة في العراق من قتل وتدمير لمقدساتهم دليل جلي علي ما يتعرضون له من اضطهاد علي أيدي السنة، الأمر الذي يفرض ضرورة مساندة المجتمع الدولي لهم وشد أزرهم ليمسكوا بزمام السلطة ليتمكنوا من حماية أمنهم ومصالحهم ومعتقداتهم. عن طريق هذا الزخم من المزاعم ونتيجة لانبطاح العالم العربي ووسط إرهاب "السوداوي" و"الزفتاوي" وإخوانهما من عتاولة الإرهابيين، استطاع الشيعة استغلال الظروف للحصول علي أكبر قدر من المكاسب. إن الدور الشيعي الذي ترغبه النخبة الدينية الحاكمة في إيران الممتد من إيران إلي لبنان عبر العراق وسوريا ثم يتجه جنوباً إلي منطقة الخليج العربي سوف يفضي إلي نتائج عدة من أهمها: - ظهور دويلات أو كنتونات شيعية تدين بالولاء إلي المرجعيات العقائدية في "قم" مما يرسخ التوسع الشيعي في منطقة الشرق الأوسط من جانب، ويدعم مصالح إيران من جانب آخر. - وصول الشيعة إلي الحكم في العراق قد يدفع الشيعة في دول أخري إلي المطالبة بدور فاعل في حكومات هذه الدول. - التركيز علي المصالح العقائدية الشيعية الضيقة علي حساب المصالح العربية المصيرية الأكبر. - المزايدة علي مصالح السنة وتكريس المذهبية والطائفية الدينية داخل الدول العربية. - يصبح الشيعة خط الدفاع الأول عن إيران ومصالحها في الدول التي يقيمون فيها، ومن ثم فهم مستعدون للتضحية بالروح والدم فداء لها وليس من أجل دولهم الأصلية. - اختراق إيراني للمجتمعات التي يعيش فيها الشيعة، الأمر الذي يقوض أمن واستقرار هذه المجتمعات. - تعظيم الشعائر الدينية الشيعية علي حساب شعائر عامة للمسلمين، ما يؤدي في النهاية إلي التصادم بين المسلمين وبعضهم. كل ما سبق "غيض من فيض" كما يقولون حول تداعيات قيام الإمبراطورية الشيعية في الشرق الأوسط، أي إن الحديث عن "هلال شيعي" أو "تحالف شيعي" يعتبر من أخبار السلف ومضي زمنه وفات أوانه، فالرؤية اليوم هي امتلاك الزعامة الشيعية للقدرة العسكرية التقليدية والنووية لفرض مصالحها "الإمبراطورية"، فانتبهوا أيها السادة.. الشيعة قادمون في القرن الحادي والعشرين.. ولا عزاء لأحد...!!