اعتدنا في الأعداد السابقة ان تمس قضايانا المجتمع بشكل عام والمرأة بشكل خاص بما يحقق فلسفة جمعية نهوض وتنمية المرأة والتي تسعي الي تمكين المرأة في شتي المجالات. ومن خلال عملنا مع السيدات والفتيات خاصة في برنامجي احلام البنات والمرأة العربية تتكلم ومن خلال التحضير للمؤتمرات في العزب والنجوع في شتي محافظات الوجه القبلي والبحري، استمعنا اليهن وهن يروين قصص العنف اللاتي تعرضن لها، وفي البداية لم نكن نظن انها ظاهرة وانما مجموعة حالات فردية لكننا قررنا ان نستقصي عنها بمزيد من الاهتمام من السيدات المستفيدات من الجمعية في فرعيها في مصر القديمة والمنشية، وقد هالنا ما سمعنا من قصص العنف ضد النساء والفتيات المراهقات. ولذا فاننا في هذا العدد اخترنا ان نتحدث عن "العنف ضد المرأة" لانه موضوع حساس يؤثر في تنمية شخصية المرأة وقدراتها ومواهبها، كما انه موضوع لم تتناوله الدراسات في مصر بشكل كاف.. وعلي الرغم من كون العنف ضد المرأة امر واسع الانتشار حيث تشير التقارير الي ان امرأة من كل ثلاث نساء في العالم علي الاقل تتعرض للعنف فانه غالبا ما يعتبره الناس امرا شخصيا لا يجوز التحدث فيه مع الاخرين.. بالاضافة الي ذلك نجد ان مفهوم العنف ضد المرأة غير واضح لكثير من الناس، حتي ان بعض الناس تظن انه يتمثل في الضرب فحسب، بينما يتسع مفهوم العنف ليشمل العنف المنزلي والمؤسسي والمجتمعي، ويمتد الي جميع اشكال السلوك الفردية والاجتماعية المباشرة وغير المباشرة التي تؤثر سلبا علي المرأة جسديا ونفسيا. بدأ اهتمامي بقضايا النساء المعنفات اثناء اعداد رسالة الدكتوراة الخاصة بي فقد قابلت حوالي 444 سيدة في سبع مناطق عشوائية وعلي مدي عشرون شهرا - مدة البحث الميداني - غصت خلالها في حياة ومشكلات هؤلاء السيدات، ادهشني ما سمعته ورأيته فالعنف ضد النساء في هذه المناطق سلسلة طويلة لا تنتهي تبدأ بمولد الفتاة كمولود غير مرغوب فيه وتمتد الي الختان، ولا تنتهي بالحرمان من التعليم، حيث تواجه الفتاة عنفا من الاب او الاخ، بعد ذلك تواجه عنفا من نوع اخر فتجبر علي الزواج بشخص لم تختاره والذي يبدأ بدوره في تعنيفها، وقد تتعرض للدخلة البلدي وقد توصلت اثناء البحث الي نتيجة مهمة وهي ان النساء لا يتقبلن العنف ضدهن كما يشاع ولكنهن فقط لا يجدن بديلا اخر فالعنف يحاصرهن من كل جانب فاذا كانت الزوجة تعاني من عنف الزوج فهي لا تستطيع تركه باللجوء الي الاب لانه ايضا كان يقوم بضربها، وكذلك الاخ، اما اذا فكرت في الهرب من هذه الدائرة فانها سوف تواجه دائرة اخري من العنف تتمثل في التحرشات التي قد تلاقيها او الاقاويل التي سوف تواجهها في المكان الذي سوف تلجأ اليه عند الهرب.