حين غادر الرئيس الأسبق ليندون جونسون، البيت الأبيض عام ،1969 كان قد خلف وراءه سمعة بلغت من السوء حداً، دعا الأمريكيين إلي الزعم بأن بلادهم ستحتاج إلي قرن كامل قبل أن تسترد هيبة وسلطات الرئيس الأمريكي وتعودا إلي ما كانتا عليه قبل تسلم جونسون لمنصب الرئاسة فيها! وكما نعلم فقد كانت حرب فيتنام -أو لنقل قرار خليج ''تونكين''، تحرياً للدقة والحقيقة- هما المتسببان في تمريغ سمعة جونسون في وحل الأكاذيب والحرب. وكانت تلك الحرب قد نشبت علي خلفية تأكيده لوقوع هجمات عسكرية معادية علي مدمرات أمريكية في خليج ''تونكين'' في أغسطس من عام 1964 . قال إن وراءها مسلحين فيتناميين شماليين. واستجابة لإيعاز وطلب الرئيس جونسون، أصدر الكونجرس قراراً جاء نصه كما يلي: ''يوافق الكونجرس ويصادق علي عزم الرئيس -بصفته قائداً أعلي للقوات المسلحة- علي اتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لصد أي هجوم علي القوات الأمريكية، ولتفادي أية اعتداءات محتملة عليها لاحقاً''. ولكن تكشف لاحقاً أن أحد الاعتداءات المزعومة علي مدمراتنا في خليج ''تونكين'' لم يحدث، بينما ثارت سحابة كثيفة من الشكوك حول الاعتداء الثاني المزعوم. ولذلك فقد أبطل الكونجرس القرار. وعلي سبيل المقارنة فقد تولي الرئيس بوش مهامه في البيت الأبيض في عام 2001 وفي معيته تصور واسع للسلطات الرئاسية، التي كان قد خسرها الرئيس الأسبق جونسون. ولعل أهم وآخر تجليات هذا التصور، هو زعمه بأن له من السلطات ما يخوله بإصدار أوامر بالتجسس غير المأذون علي الاتصالات والمكالمات الهاتفية للمواطنين والمقيمين في الولاياتالمتحدة، ممن يشتبه في أن تكون لهم صلة بالجماعات الإرهابية. ويعتمد الرئيس في سلطاته المزعومة هذه علي مصدرين أساسيين هما، أولاً: مفهومه المبهم الغريب عن ''السلطة الضمنية''. أما ثانيهما فهو قرار اجازه الكونجرس في شهر أكتوبر من عام .2001 يعترف بسلطة الرئيس -وفقاً لنصوص الدستور- في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لردع ومنع وقوع أية هجمات إرهابية علي الولاياتالمتحدة. كما يخول القرار نفسه الرئيس باستخدام كل ما يلزم من قوة، ضد أية دولة أو منظمة أو أشخاص، كانت لها أو لهم يد في التخطيط أو التصديق أو المشاركة أو المساعدة في الهجمات الإرهابية علي أمريكا. وكم تبدو هذه النصوص والأجواء شبيهة بقرار الكونجرس آنف الذكر حول هجمات خليج ''تونكين'' المزعومة! فقد عمد الرئيس جونسون إلي استخدام ذلك القرار في تصعيد حرب ملفقة علي فيتنام وقتها. أما الرئيس بوش، فقد استخدم قرار الكونجرس أعلاه في تصعيد حربه الملفقة المدبرة علي العراق. ثم هناك مشكلة إضافية أخري مع قرار الكونجرس الأخير هذا. ففيما إذا كان قرار 2001 يخول الرئيس فعلياً القيام بما يزعمه، فإن في ذلك التخويل ما يتناقض ونص التعديل الرابع لنصوص الدستور الذي يقول بالحرف الواحد ''لا يجوز انتهاك حق الناس في أن ينعموا بالأمن في أشخاصهم وبيوتهم وممتلكاتهم، نتيجة لأي تفتيش أو حجز غير مبررين. ولا يجوز إصدار أي أمر بذلك، دون الاستناد علي أسباب مبررة، يؤدي عليها القسم ووصف المكان الذي سيجري فيه التفتيش، والأشخاص الذين سيتم توقيفهم''. ووفقاً لهذا النص الدستوري، فإنه يجوز التنصت علي المكالمات والاتصالات الشخصية، شريطة أن يبني ذلك علي قرار صادر من المحكمة، وقائم علي أسباب مبررة، مع توصيف المكان والأشخاص الذين سيتم توقيفهم. والمعلوم أن ''وكالة الأمن القومي'' ظلت تواصل تنصتها علي المكالمات الهاتفية الدولية منذ عقد الخمسينيات، إلا أنها تستثني من ذلك، المكالمات الدولية الناشئة من داخل الولاياتالمتحدة. وما يريد الرئيس بوش أن يفعله اليوم، هو التصريح بالتنصت علي هذه المكالمات، حيثما كان الشخص أو الأشخاص معروفين أو مشتبها في أن تكون لهم صلة بالنشاط الإرهابي.