من وقت لآخر تتكشف معلومات كانت غاطسة تحت السطح في ثنايا أوراق أمريكية ليست متداولة. وهي معلومات تضع النقط الناقصة علي الحروف, عما جري في فترة تجهيز إسرائيل لحرب يونيو67. وبعضها كان في جعبة شخصيتين أمريكيتين لم يشغلا مقاعد في الصف الأول في سلطة اتخاذ القرار في إدارة الرئيس ليندون جونسون وهما ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية, وجيمس انجلتون رئيس وحدة مكافحة التجسس بالوكالة. وكلاهما كان له دور مؤثر في الأحداث التي أخذت تتصاعد منذ مايو67. المعلومات المتاحة عنهما, تطرح من جديد السؤال الذي سبق أن أثاره كتاب ومؤرخون أمريكيون, وإن لم يجدوا إجابة عنه وهو: هل أعطت إدارة جونسون الضوء الأخضر لإسرائيل عشية هجومها في67 ؟ إن تقديرات وكالة المخابرات المركزية كانت دقيقة وقاطعة حول توقيت الحرب, والمدي الزمني الذي ستستغرقه, ونتائج الحرب. وإذا كان ذلك صحيحا فلماذا وافق جونسون علي أن يزور السيد زكريا محيي الدين نائب الرئيس عبد الناصر, واشنطن, لاستطلاع فرص ايجاد تسوية للأزمة بالطرق الدبلوماسية؟ كانت علاقة جونسون مع هيلمز قد أصبحت وثيقة منذ أن عينه مديرا لوكالة المخابرات المركزية في مايو1966 ويقول هيلمز في مذكراته لقد وصفت علاقة العمل بين الرئيس جونسون وبيني بأنها علاقة ممتازةgolden, بالدرجة التي كان يأملها أي مدير للوكالة. وزاد من قوتها قلة خبرة جونسون بالشئون الخارجية وكان من أهم المهام التي كلف جونسون بها هيلمز هي التحليل الذي كان يقدمه إليه عن حرب67 من قبل وقوعها. وكان هيلمز يعتمد أساسا في إعداد هذا التحليل علي قوة العملTaskForce التي تكونت في مايو1967 ومن خلالها كانت الوكالة ترد فورا علي أي أسئلة من البيت الأبيض حول الأزمة, التي لاحت بوادرها بين العرب وإسرائيل. وفي23 مايو, قام جونسون باستدعاء هيلمز من جلسة استماع كان يحضرها بالكونجرس, وطلب منه تقديم تقدير موقف للوضع الذي يزداد توترا في الشرق الأوسط. ولم تمض سوي أربع ساعات حتي كان هيلمز قد سلم إلي جونسون ورقتين: الأولي عن حالة التأهب في مصر والقدرات العسكرية لكل من العرب وإسرائيل. والورقة الثانية مذكرة بعنوان من الذي سينتصر في الحرب؟ وجاء فيها أن إسرائيل يمكنها ان تدافع عن نفسها بنجاح ضد أي هجمات تدور علي كل الجبهات في وقت واحد. وإلي جانب هاتين الورقتين, تسلم البيت الأبيض تقريرين من مجموعة العمل المختصة بالعلاقة العربية الإسرائيلية, والتي شكلت في أوائل عام1967 بالاضافة الي تقارير مخابراتية ظلت تقدم طوال شهرين من مكتب مختص بالتسجيل المستمر للقوة النسبية للجانبين العربي والاسرائيلي واستعدادات كل منهما. أي أن المعلومات كانت كاملة وصريحة أمام الرئيس جونسون خاصة من خلال هيلمز. الشخصية الأخري وهي جيمس إنجلتون, وقد كانت أنباء اتصالاته المستمرة مع الاسرائيليين ما بين واشنطن وتل أبيب تتردد وكان هو المسئول في المخابرات المركزية عن التنسيق مع الموساد, ويحيطهم علما بالصورة التي رسمتها تحليلات المخابرات المركزية للموقف. وقد حدث بعد يومين من تقديم هيلمز للورقة التي تحمل عنوان من الذي سينتصر الي جونسون ان ارسلت اسرائيل تقييما من الموساد الي الولاياتالمتحدة يزعم أن الجيش الاسرائيلي تعرض لقصف شديد من موقع عربي بأسلحة سوفيتية, وكانت اسرائيل تستغل علاقتها الخاصة مع انجلتون لاعطاء قوة دفع للموقف الذي يتكون في واشنطن. وعلاقة انجلتون بالمخابرات الاسرائيلية قد ازدادت متانة لأنها كانت تزوده بمعلومات سرية عن الاتحاد السوفيتي والدول الحليفة له, والتي تحصل عليها من المهاجرين اليهود من هذه الدول. وقد ظل انجلتون شخصية تحيط بها علامات استفهام في واشنطن, إلي أن أصبح ويليام كولبي مديرا لوكالة المخابرات المركزية, فراح يقلص من سلطاته, إلي أن طالبه في ديسمبر1974, بتقديم استقالته. .. حتي اليوم هناك مؤرخون في إسرائيل يقولون ان كل ما جري في الفترة التي سبقت حرب67, لم يتكشف بالرغم من رفع الحظر عن الوثائق السرية المتعلقة بها. لكن هذه المعلومات التي خرجت من ثنايا أوراق مسئولين سابقين بوكالة المخابرات المركزية, تلقي ضوءا علي مسألة كان هناك خلاف حولها, بين مصدق ومشكك وهي عن معرفة جونسون, بموعد الهجوم الاسرائيلي في يونيو67.