ستحول الأزمة الصحية التي تعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون قطعاً دون تزعمه قائمة حزب ''كاديما'' خلال الانتخابات المرتقب إجراؤها في الثامن والعشرين من مارس المقبل في إسرائيل، وهي القائمة التي حصلت في معظم استطلاعات الرأي علي نتائج تضمن لها فوزاً كاسحاً في هذه الانتخابات. وحتي إذا ظل أرييل شارون علي قيد الحياة، فمن المؤكد أن حالته الصحية هذه لن تسمح له بخوض الحملة الانتخابية. وقبل أن يتواري رئيس الوزراء الإسرائيلي عن الساحة السياسية قام بعملين في غاية الأهمية، أولهما الانسحاب من قطاع غزة، والذي ساهم كثيراً في تلميع صورته علي الصعيد الدولي، وثانيهما تأسيسه لحزب ''كاديما''، والذي كان سيترتب عليه إضعاف حزبه السابق ''الليكود''. وهكذا فقد كان ينتظر أن تشهد الساحة السياسية في إسرائيل أجواء ساخنة. وبالرغم من أن النتائج بدت محسومة سلفاً، فإن أجواء عدم اليقين كانت هي السائدة. وثمة تساؤلات تطرح نفسها علي الساحة السياسية الإسرائيلية منها: ماذا عسي حزب ''كاديما'' أن يفعل في غياب مؤسسه آرييل شارون؟ لقد استفاد الحزب، الذي أنشئ أواخر شهر نوفمبر المنصرم، من شعبية رئيس الوزراء الإسرائيلي داخل الدولة العبرية بالرغم من كونه حزباً يفتقر إلي جذور تاريخية وبرنامج سياسي. وفي حال فوز هذا الحزب في الانتخابات القادمة، حتي وإنْ غاب شارون عن الساحة السياسية، فإنه سيواصل سيره علي الطريق الذي رسمه له مؤسسه، ما يعني تقديم تنازلات للفلسطينيين وفق ميزان القوي الدولي، ولكن من دون مفاوضات. وفي هذا السياق، فمن غير المستبعد أن يتم انسحاب جزئي أحادي الجانب من الضفة الغربية، وتفكيك بعض المستوطنات المبنية وراء الجدار الفاصل. وبالمقابل يتوقع أن يستمر الاستيطان في الجزء الآخر من الضفة الغربية علي غرار الجدار، كما يتوقع أن تظل القدس كلها تحت النفوذ الإسرائيلي. وبالتالي فلن يكون السلام شاملاً، وذلك خلافاً لما تنص عليه ''خريطة الطريق''. والأرجح أن تعود أعمال العنف من جديد نتيجة انتكاسة الآمال وعودة أجواء الإحباط من جديد علي الساحة الفلسطينية. أما الحزبان الرئيسيان الآخران اللذان سيتنافسان في الانتخابات الإسرائيلية القادمة فهما حزب ''العمل'' بزعامة عمير بيريتس وحزب ''الليكود'' بزعامة نتانياهو. وفي حال فوز هذا الأخير فلن تكون ثمة ''تنازلات'' جديدة تمنح للفلسطينيين، وإنما قد تحل محلها سياسة القوة التي من المحتمل أن تنجم عنها أعمال العنف. أما في حال فوز زعيم حزب ''العمل'' عمير بيريتس في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، فإنه سيذهب إلي أبعد مما كان يريده شارون، حيث يتوقع أن يقبل في أعقاب المفاوضات مع الفلسطينيين بإنشاء دولة فلسطينية علي كامل الضفة الغربية مع القدس عاصمة للدولة الجديدة، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات التي يتم التوافق عليها، وهو ما يعني سلاماً حقيقياً. وعليه فإن الانتخابات الإسرائيلية المقبلة تعد رهاناً استراتيجياً كبيراً. بيد أن النظام الانتخابي الإسرائيلي، الذي يقوم علي أساس نظام القائمة النسبية، قد يفضي إلي نتيجة لا تمنح فوزاً واضحا لأحد، مما يعني أن ثمة حظوظا ضعيفة- ولكن قائمة وموجودة- لرؤية السلام يتحقق في حال فوز حزب ''العمل''. ولكن هذه الفرضية للأسف ليست الأوفر حظا للحدوث، ذلك أن معظم الإسرائيليين اليوم مقتنعون بفكرة الانفصال عن الفلسطينيين، ولكن بشروطهم ومن دون الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني. أما في حال عمت الفوضي الأراضي الفلسطينية، أو في حال فازت حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' في انتخابات الخامس والعشرين من يناير، فمما لا شك فيه أن نتانياهو- الزعيم الحالي لحزب ''الليكود''- سيكون المستفيد الأكبر وستتقوي حظوظه للفوز في الانتخابات. وإذا لم تشهد الأوضاع الأمنية تدهوراً كبيراً، فإن حظوظ بيريتس ستتعزز وتتقوي. وعليه فإن مستقبل الانتخابات الإسرائيلية يتوقف بشكل كبير علي الأوضاع السياسية الفلسطينية. ويبقي التساؤل قائماً حول إرث شارون، فقد كان الرجل وراء حرب لبنان، و''الزيارة- الاستفزاز'' إلي باحة الحرم القدسي التي فجرت الانتفاضة الثانية، وإعادة احتلال الأراضي الفلسطينية. ولكنه كان في الوقت نفسه رجل الانسحاب من قطاع غزة، إذ لم يسبق لرئيس وزراء إسرائيلي قبله أن أقدم علي تفكيك المستوطنات في الأراضي الفلسطينية. ولكن هل ذلك كاف لوصفه برجل السلام، وهو الوصف الذي كان الرئيس الأمريكي جورج بوش أول من أطلقه عليه، والذي من دون شك ليس أفضل تقييم لمثل هذه المسائل؟ وما هو صحيح من وجهة نظر الإسرائيليين ليس كذلك من وجهة نظر الفلسطينيين. وبالتالي فالأمر هنا أيضا يتعلق بالأحادية الجانبية، ولكن هذه المرة بخصوص التعريفات. وفي جميع الأحوال، فقد كان شارون رجل ''حركة نحو السلام''، ولكن دون مفاوضات سواء مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أو مع الرئيس محمود عباس. ولن يكون بوسعنا أبدا معرفة إلي أي حد كان سيذهب أرييل شارون لو أنه فاز في انتخابات مارس المقبل. المرجح أنه كان سيذهب بعيداً، ولكن الأرجح أنه لم يكن ليذهب إلي حد التطبيق الكامل ل''خريطة الطريق'' التي كانت تحدد نهاية 2005 موعداً لإنشاء دولة فلسطينية، تقوم عموماً علي حدود 1967.