الأستاذ ماجد عطية ليس فقط أحد كبار المحررين الاقتصاديين المخضرمين الذين جعلوا الاقتصاد بأرقامه الجافة مادة صحفية نابضة بالحياة والمعاني والدلالات. هو ايضا احد كبار المثقفين الذين حملوا هموم الوطن، ودافعوا عن استقلاله، كما حملوا هموم المواطن، ودافعوا عن حريته وحقوقه المشروعة. ولم يكن هذا الدفاع.. مجانيا.. بل كانت له فاتورة ثقيلة.. فدفع ثمن مواقفه الوطنية والديمقراطية سنوات طويلة امضاها في غياهب السجون والمعتقلات التي تنتمي الي العصور الوسطي، حيث لا محاكمة عادلة ولا حرمة لحقوق الانسان، بل ولا حتي حرمة للجسد في ظل التعذيب والاساءة وامتهان الكرامة الانسانية. وفي هذه المعتقلات التعيسة لم يكن هناك فارق بين معتقل مسلم وآخر قبطي فالكل سواسية في تلقي العقاب والأذي.. كما لم يكن هناك فارق بين سجان مسلم وسجان مسيحي فالاثنان سواسية في الايذاء لخلق الله. بل ان احد السجانين المسيحيين كان اكثر فظاظة علي المعتقلين الذين يكتشف انهم اقباط! وفي سياق هذه التجربة النضالية الطويلة لا يجئ اهتمام الاستاذ ماجد عطية بحقوق الاقباط من منطلق طائفي وانما يأتي من منطلق ديمقراطي. فالرجل من المدافعين عن العلمانية التي تنادي باعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله عن طريق الفصل بين الدين والدولة. وهذه العلمانية التي يتبناها ماجد عطية قرين لإيمانه بالمواطنة كمبدأ أعلي حيث المواطنون يجب ان يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن الدين او الجنس او اللون او العرق. وهذه المواطنة تكتسب في مصر بشكل خاص مذاقا خاصا حيث المصريون جميعا اقباط، معظمهم اقباط مسلمون واقليتهم اقباط ومسيحيون. انه باختصار احد ابناء مدرسة الوطنية المصرية العظيمة التي بلغت ذروتها في ثورة 1919 وضمت بين ضفافها المسلمين والاقباط دون تمييز. مضافا اليها الدفاع عن العدالة الاجتماعية باعتبارها الضلع الثالث الذي يكمل المثلث بضلعيه الاخرين، نعني القضية الوطنية والمسألة الديمقراطية. بهذه الروح.. اتذكر يوما في ستينيات القرن الماضي قابلته في شارع سليمان باشا "طلعت حرب" وسألني عن احوالي. وعندما عرف اني بلا عمل اخذني من يدي الي جريدة "وطني" القبطية التي كان يرأس تحريرها في ذلك الوقت، وقال لي: ابدأ عملك الان هنا. وعندما حاولت ان انبهه الي انني لست قبطيا.. قال لي ان هذه مسألة غير مهمة.. يكفي اننا مصريون! بل انه اصر علي كتابة اسمي الثلاثي علي المقالات التي نشرتها بجريدة "وطني" التي ربما كانت الصحيفة الوحيدة التي نشرت اسمي الموجود في البطاقة الشخصية "محمد" سعد هجرس. واذا كان لهذه الذكريات من معني، فان هذا المعني هو ان النسيج المصري الوطني كان دائما هو الحقيقة الاساسية الجامعة وان "الامة" كانت دائما فوق "الملة". وان سماحة مصر - التي يغلبنا الحنين اليها الان - كانت اقوي من النعرات الطائفية المتعصبة البغيضة والمريضة والمتخلفة. وان استعادة مصر لهذه القيم النبيلة والسامية هو الشرط الاساسي لعبورها عصور الانحطاط والظلام الي رحاب النهضة. ومن هذا المنطلق الوطني والديمقراطي - وليس من أي باب طائفي - يأتي انشغال الاستاذ ماجد عطية بالقضايا التي تمس المواطنة.. ووحدة الوطن. لذلك نجده عندما يثور ويغضب لما حدث في الاقصر من لعب بالنار الطائفية، فاننا نري انه يصب غضبه "من اجل مصر" بمسلميها واقباطها. ولهذا.. فانني اترك مساحة مقالي الاسبوعي له.. مع كل المحبة والعرفان والامتنان.