كتب الخبير بشئون الشرق الاوسط فولكر بيرثنز قبل وصول القوات الامريكية الي بغداد في مارس 2003 ان اخطار هذه الحرب "غير الشرعية" " كبيرة لكنها ستتعاظم اذا ما فشلت الولاياتالمتحدة في تهدئة اوضاع عراق ما بعد الحرب" وما من احد يدرك اكثر من ادارة بوش صدق هذه التنبؤات التي تصور نتائج الفشل الامريكي. اتخذت ادارة بوش من هذه الاوضاع المريعة حجتها الاقوي "للاستمرار في مهمتها" بينما اعتبر اخرون هذه الخطوة هي "اكبر كارثة استراتيجية في تاريخ الولاياتالمتحدةالامريكية "بحسب كلمات الجنرال الامريكي المتقاعد وليام اودوم. اذا اعتبرنا هذا القول صحيحا فكيف ستبدو هذه الكارثة؟ ان حجم الكارثة هو علي الاقل يوازي حجم الطموحات التي رافقت الحرب في المقام الاول وهي بان "العراق سيصبح نموذجاً لاعادة تشكيل الشرق الاوسط برمته" ان تراجع الولاياتالمتحدة من المنطقة وبالذات سحب القوات هو بلا شك شرط مسبق ومقياس لنشوء نظام شرق اوسطي جديد معتمد علي نفسه اما اذا كان الانسحاب مخزيا وموسوما بالفشل، فالمنطقة لن ترجع الي وضعها السابق فحسب بل ان العراق بدلاً من ان يصبح منارا لها سيكون المنبع الرئيسي لكل الظواهر السيئة التي كان يفترض بالاحتلال ان يقضي عليها. ان كان الشرق الاوسط يعتبر سابقا غابة فانه سيصبح حينئذ اكثر شراسة وهمجية وذلك لاحتوائه علي عوامل قوية تساعد علي التدهور والانحطاط وتزيد من زعزعة الاستقرار فيه والتي تفضي الي استعمال طرق اكثر وحشية تتمثل باعمال القمع الداخلية والحماقات والمجازفات الخارجية في سبيل محافظة الانظمة القائمة علي بقائها وهذا سيزيد العداء ضد الولاياتالمتحدة في المنطقة. ان انسحاباً "جيداً" سيقلل من مشاعر العداء هذه بينما انسحاب "سيئ" سيفجر ويؤجج مشاعر العداء الناشطة. وهذا لان العرب يجدون في الحرب علي العراق استمراراً لتاريخ طويل من التدخل الغربي العنيف في شئونهم والي ان يعود العراق الي ما كان عليه قبل تداعيات فشل الحرب فان مثال المقاومة الناجحة المعادية للامريكان فيه ستشجع مناطق اخري للاقتداء بها وبشكل خاص فلسطين. كان عراق صدام النموذج المثالي لطغيان القادة العرب باستعماله الطائفية المتمثلة بحكم الاقلية كجزء اساسي في تكوينها. فاذا فشلت الولاياتالمتحدة في العراق سيصبح عندها نموذج يجر المنطقة العربية للفوضي مجسدا اكبر قوتين مساعدتين علي تهاوي الشرق الاوسط الاولي هي الطائفية (بصورة اساسية السنة ضد الشيعة) او العرقية (بصورة أساسية الكرد ضد العرب والترك والإيرانيين) والتي تمثل الاحقاد في اشكالها الحديثة وتعكس الاساليب الاستبدادية القديمة، والاخر هو قيادة الفكر الاسلامي العالمي المتطرف، حيث اظهرت الانتخابات سيطرة هذا الفكر علي طرفي النزاع السياسي الطائفي اذ ان الإسلام المتعصب سينتج حتما سلالة ذات طابع ديني متعصب، والعراق حتي الان هو المغناطيس الأقوي للجهاديين والتكفيريين ويكاد يصبح كالنموذج الأفغاني بتصديره الجهاديين وقد اتضح ذلك فعلا من انفجارات الاردن الانتحارية. بينما ستكون القوة الاعظم في العالم في طريقها للانسحاب، سوف تُجر الدول العربية الي هذه الدوامة العراقية، مع تركيا وإيران في صراع لاحتلال موقع الولاياتالمتحدة لكنهم بدورهم سيفشلون فشلا ذريعا. سيطرت انظمة المنطقة في الماضي بطريقة ما علي التدخل في شئون بعضها البعض ومارسوا مثل هذه السيطرة علي مناطق وساحات نفوذهم، فيها اما اليوم فهم سيتنافسون مع قوي غير حكومية طائفية وعرقية واسلامية والتي تمثل تحديا متزايدا بالنسبة لهم. وفي حقيقة الامر ان دول الاقليم كلها تمتلك عوامل النزاع الطائفي الذي يمتلكها العراق وبالاخص سوريا فبعيدا عن سيطرتها علي بعض مناطق العراق فانها تكاد تشبه عراقاً يلفظ انفاسه الاخيرة كدولة موحدة . في خضم هذه الفوضي التي لايمكن ان تدرك تنبؤاتها هناك شيء واحد علي الاقل يبدو واضحا وهو ان ايران ستكون المستفيد الاول من الفشل الامريكي في العراق بحصولها علي تأييد الاغلبية الشيعية مما سيصعد اسهمها السياسية في العراق علي حساب أمريكا. ان بعض الملالي يحضرون منذ فترة انفسهم لاعادة تشكيل خططهم مع رئيسهم الجديد محمود احمدي نجاد والتي يبدو انها وصلت الي مرحلة نشيطة وناضجة حيث يعتقد هو ومن حوله ان الولاياتالمتحدةالأمريكية هي العائق الوحيد بوجه الهيمنة الايرانية علي الاقليم وان اخفاقها في العراق سيوصلها الي مرحلة "افول نجمها". بالنسبة لايران فالعوامل الاثنية الطائفية الدينية هي بمثابة اسلحة فعالة وان نقاط ضعفها (الكرد) اقل اهمية من ان تقارن بتأثيرها المتطور علي المنطقة العربية وهذه هي الحقيقة التي حذر منها الملك الأردني عبد الله من "هلال شيعي" يمتد من العراق عبورا بسوريا (طالما بقي نظامها العلوي المدعوم من ايران) وصولا الي جنوب لبنان، وقد تطرق بعض الساسة الاردنيين للحديث عن بناء"جدار سني" يمتد عبر العراق لابقاء الخطر بعيدا. بالاضافة الي ان ايران غير العربية هي الراعي الاساسي للاصولية الاسلامية في العالم العربي وتمثل فلسطين احد اكثر ميادين نفوذها نجاحا.حيث تحاول ان تصبغ النضال الفلسطيني بالطابع الاسلامي لن تجد ل "حماس" شيئا يخدم طموحاتها افضل من التاثير الذي سيجلبه فشل الولاياتالأمريكية في العراق والتي تقترب اليوم من الهيمنة علي الاراضي المحتلة كقوة مسيطرة سياسيا تكاد تتفوق علي الحركة الوطنية العلمانية "فتح" . ولكن الشيء الذي سيجعل من ايران واسرائيل اخطر وحوش غابة الشرق الاوسط هو رغبة ايران الملحة في الحصول علي الاسلحة النووية والذي سيحصل علي دعم الراي العام العربي حيث سيجدونه نوعاً من التعويض عن اثبات الذات حيث لايجرؤ اي قائد عربي ان يصرح به في مواجهة اسلوب السياسة الغربية والنفاق الغربي الذي يسمح لاسرائيل ان تنفرد بامتلاك اسلحة نووية في المنطقة. من جهة اخري فلم يستثمر احد توقعات حرب العراق كما فعلت اسرائيل حيت فكرت بأن النجاح الامريكي في العراق سوف يعزز من دورها الاستراتيجي في حين ان الفشل سيجعلها تضيق الخناق علي الفلسطينيين ويجعلها اكثراستعدادا لاستخدام الحل العسكري ضد ايران. فاذا ما استخدمت الولاياتالمتحدة العنف والتعنت ضد ايران كما فعلت مع العراق فستكون التداعيات السلبية لمثل هذه المغامرة الجديدة تفوق سابقتها، لانه ليس هناك من شك بان رد فعل ايران مع حلفائها الشيعة والإسلاميين الذين دعمتهم سيكون العامل المدمر للمنطقة والذي طالما هددت به.