يعبر جسد زعيم الأمة سواء كان ملكاً، رئيساً أم رئيس وزراء ليس فقط جسد شخص، وإنما الجسد العام. إذ ترمز شخصيته إلي أنسنة الكيان السياسي والاجتماعي. ولهذا السبب فإنه عندما يهدد خطر الموت جسد رأس الدولة، تصاب الأمة بأسرها بالذعر. وهي هنا لا تهتم للشخص الذي يقودها، وإنما تخشي علي مصيرها. وعلماء الأنثربولوجيا الذين يعرفون هذه الظاهرة يعرفون كيف يلاحظون آليات مختلفة، تعمل لتهدئة واستقرار المجتمع المذعور. ولكن في حالة شارون، يعاني المجتمع الإسرائيلي من مشكلة أخري. فنحن لا نعيش وضعاً اعتياديا، روتينياً. نحن ما زلنا نعيش حالة طوارئ، وفي ذروة صراع أمني وسياسي. وصواريخ القسام مازالت تسقط داخل حدود الخط الأخضر، كما لا يزال الشبان الفلسطينيون علي استعداد للتضحية بأرواحهم في عمليات إرهابية انتحارية من أجل تحرير فلسطينالمحتلة. فأين يمكن أن يحدث تغيير جوهري؟ في المستوي السياسي. في مستقبل علاقاتنا مع الفلسطينيين. وأرييل شارون ما كان ليحدث "الطوفان الكبير"، وما كان ليشكل حزباً جديداً لو لم يكن يريد تنفيذ سياسة معينة، أساسها استمرار الانسحاب في أراضي الضفة الغربية، والانفصال عن الكثير من الأراضي الواقعة شرقي الجدار الفاصل وتفكيك العشرات من المستوطنات وإعادة عدة عشرات من اليهود إلي البلاد، إلي داخل الخط الأخضر. فالدعم لهذه السياسة والإيمان بأنه فقط القادر علي تنفيذها هو ما دفع إسرائيليين كثيرين إلي تأييد شارون وحزبه الجديد، تأييداً كان يفترض أن يمنحه حوالي ثلث المقاعد في الكنيست السابعة عشرة. وهذه السياسة التي كتبت بوضوح في برنامج كديما، تحظي بتأييد أغلبية الجمهور الإسرائيلي، بما في ذلك أولئك الذين لم يكونوا ينوون التصويت للحزب الجديد، وهم ناخبو حزب العمل، شينوي وميرتس وسواهم. والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو هل ان غياب شارون عن الساحة السياسية قضي علي هذه السياسة؟ وهل ان بنية ترويكا الأحزاب، المكونة من ثلاثة أحزاب متساوية الحجم تقريبا، أو حتي أن تكون كديما هي الأكبر من دون شارون. يمكن أن تواصل عملية الانسحاب من المناطق وإنهاء الاحتلال، الذي سبق لشارون أن وصفه بأنه "سيئ لإسرائيل"؟ من السابق لأوانه اليوم الإجابة عن هذا السؤال. وسوف تمر أيام عديدة، لن تكون كثيرة بالتأكيد، إلي أن تتبلور الخريطة السياسية وتستقر بشكل نهائي. غير أن الجواب عن هذا السؤال ينبغي أن يشكل تحدياً كبيراً للمجتمع الإسرائيلي في الشهور القريبة. لأن البديل لاستمرار هذه السياسة (أو لما هو أفضل منها، أقصد تسوية متفقاً عليها مع الفلسطينيين) هو سنوات أخري طويلة من سفك دماء الطرفين، واستمرار الاحتلال الذي نتيجته إفساد المجتمع الإسرائيلي وتشويه طابعه وصورته، وانتهاج سلم أولويات بائس يبقي الكثير من المشاكل من دون حل أو علاج، في مجتمع منقسم ومشتت. وشارون الذي طوال سنوات جلب أضراراً كبيرة علي المجتمع الإسرائيلي، عدل في النهاية ميزانه التاريخي، منذ تبني في العامين الأخيرين سياسة جديدة. وسوف يكون كارثياً علي إسرائيل إن بدأ خلفاء شارون الطريق من جديد. فالمطلوب هو الاستمرار من النقطة التي وصل إليها.