أشرنا في الكلمة السابقة إلي أن "أجندة" المعارضة التي لها الأولوية في هذه الدورة تضم ثلاثة موضوعات رئيسية هي: أولا: الحريات والقوانين سيئة السمعة، بدء من قانون الطواريء حتي التعديل الدستوري الذي يحول دون منح الرئيس سلطات تفتات علي الحرية.. وثانيا: الفساد وكشفه وتعريفه بكل قوة وصرامة وذكر المسئولين عنه بالاسم وضرورة توقيع اقصي العقوبات الناجزة والفورية عليهم. ثالثا: السياسة المالية التي في بعض الحالات تصل الي "بيع مصر" لمن يدفع الثمن من المستثمرين. واليوم نبدأ في توضيح ماذا نريد بمعارضة تدعو للحرية ولا تهدأ أو تستكين حتي ترفع هذه القوانين التي شلت الحرية بقدر ما اطلقت سلطات الامن. ولقد يبدو ان مقاومة الفساد، وتقصي السياسة المالية أشد أهمية من الحرية، ومن هنا نعود الي ما اثرناه في كتاب مطلبنا الأول هو الحرية فقد قلنا لماذا يكون مطلبنا الأول هو الحرية وليس مثلا تطبيق الشريعة، أو ان تكون كلمة الله هي العليا؟ لقد اجبنا علي هذا التساؤل. لان الحرب هي التي تمكنا من ان ندعو لما نؤمن به - كائنا ما كان.. وبدون هذه الحرية لن نستطيع الدعوة وقد نضطر الي العمل السري ومخاطره ومحدوديته. كما اننا لو ظفرنا بالسلطة وبدأنا في تطبيق ما نؤمن به فإن الحرية هي التي ستكشف الاخطاء التي لابد واننا سنقع فيها، لأننا بشر وكل بني آدم خطاءون.. فإذا لم تكن الحرية موجودة، فإن الاخطاء سترتكب وستبني عليها قرارات خاطئة لتعود هذه القرارات الخاطئة فتنتج اثرها السييء وهلم جرا.. إذن الأولوية يجب ان تكون للحرية.. وأقول ان أول واجب علي الإخوان ان يفهموا الحرية الفهم الصحيح، الفهم الذي يجدونه بأنفسهم في القرآن وفي الصحيح الثابت من عمل الرسول - وما أقل ما وصلنا عنه - أما ان يعودوا في منهج القرآن الي تفسير المفسرين، واما ان يأتونا بأحاديث الفقهاء، ولا تعودوا الي السياسة الشرعية لابن تيمية، ولا الأحكام السلطانية للماوردي ولا تقرءوا أي تفسير من تفاسير القرآن لستم قصرا ولا عاجزين واذا كنتم وانتم الدعاة تعجزون فماذا يفعل عامة الناس؟. ان الفهم الاسلامي للحرية، وبوجه خاص - حرية الفكر والاعتقاد - يتفق تماما مع مباديء الاعلان العالمي للحقوق الانسان بل لعلي ازعم ان الاسلام يفوقه، فحرية العقيدة مفتوحة في الاسلام علي مصراعيها، وتعددية الاديان مقررة لا علي انها ضرورة ولكن علي انها اساس من الأسس التي يقوم عليها المجتمع، ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة، فمن ذا يفرض مشيئته علي مشيئة الله فلا تدعوا ما جاء به الفقهاء من قيود وسدود يضلكم عن طبيعة الاشياء، وارادة الله. والنص الصريح للقرآن. وتأخذكم مرة اخري الي عهود الاستبداد والانغلاق والتعصب.. واعلموا ايها الاخوة ان حرية التعبير جزأ لا يتجزأ من حرية التفكير لأنها تجسيم لحرية التفكير. فأنا اذا آمنت بما أراه خيرا للبلاد وللشعب فمن حقي ان اجهر به واعمل له وهذا هو ما يسمونه حرية التعبير وهو يأخذ شكلا منهجيا في حرية تكوين الهيئات الشعبية علي اطلاقها ما دامت تدعو لما تؤمن بالطرق المشروعة - أي بالحكمة والموعظة الحسنة - وبالكلمة وبالنشر الخ.. كما انه يضم حرية الصحافة لان الصحافة في حقيقتها هي اداة لتوصيل الآراء للناس، ومن الناس الي المسئولين وفي نظري ان الصحافة أهم من مجلس الشعب لأن الصحافة لا تحكمها لائحة لرئيس المجلس. ولأنها مفتوحة، لا للنواب فحسب ولكن لعامة الناس، ففي حرية الصحافة يمكن لأي صاحب رأي ان يصدر مجلة ليعبر عن طريقها عن رأيه، ويفترض ان لا يقيد هذا الحق قيد، ولماذا وهي صورة من صور الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أمر به القرآن مراراً وتكرارا، ولم يقتصر الحديث علي الامر، بل نص علي تغيير المنكر عمليا، واعطي هذا لكل واحد بدءاً من التغيير باليد الي التغيير بالقلب، الذي يمكن ان يشمل صورا لم تدر بخلد الاسلاف كالمقاطعة. أمامنا إذن هذه القوانين الملعونة التي هي وصمة في وجه كل نظام ودعوة مفتوحة لكل الاحرار للعمل فلا تقنعوا بسوي الالغاء، ولا معني للالغاء اذا أرادوا وضع قانون آخر مثله.. أو حتي أقل تقييدا لقد آن للمسئولين ان يعلموا ان الشعب هو السيد وعنه تصدر السلطات كلها وليسوا هم الا اجراء عليهم ان يحققوا ارادته والا فانهم لا يستحقون اجورهم ولا ألقابهم، ولا المزايا "المتلتلة" التي يتمتعون بها. لا تقتصر الحرية علي إلغاء القوانين المقيدة كائنة ما كانت ولا علي تقرير بحرية الصحافة ولكن يجب ايضا ان تضم حرية المعارضة السياسية في شكل تنظيم أحزاب حقيقية تنبع من إيمان الناس وإرادة الشعب وليست من ارادة لجنة الاحزاب التي يجب ان تأخذ مكانها في ركام المخلفات وكوم زبالة التاريخ. ونحن نرفض ان تعطي الحكومة أحزابا يفترض انها للمعارضة معونات و"بقشيش" علي حساب المالية ولا معني أن يأخذ حزب مثل حزب الامة "يا سلام" خمسمائة ألف جنيه وتم المراد من رب العباد أليست هذه سخرية واستهتاراً وتبذيراً في موارد البلاد؟ والتنظيم النقابي من أهم وسائل حرية التعبير فالنقابات انما تقوم لتدفع استغلال اصحاب الأعمال، وهي القوة الحقيقية في أيديهم، ولولاها لتغول رأس مال ولجعل حياة العمال جحيما حتي ترتفع الارباح من الملايين الي المليارات فأي قيد علي تكوين النقابات يكون حرمانا لعامة الشعب من التي تحميه وجعلهم فريسة سهلة الاداة للاستغلال. وللحركة النقابية سجل طويل من الاستتباع والالحاق بالنظام الحاكم أخذ شكلا رسميا ومقررا عندما جعلت العضوية في الاتحاد الاشتراكي شرطا لازما للترشيح للقيادة النقابية وعندما جعل رئيس الاتحاد وزيرا للعمل وهذه كلها وسائل مصنوعة لاصطناع القيادات النقابية العليا حتي تحكم قواعدها وتجعلهم اشبه بالقطيع الذي يسير تحت عصا الراعي، لقد آن الأوان لتحرير الحركة النقابي، ولأن تحترم مصر تعهداتها الدولية، ولو مرة واحدة، لأنها مصدقة علي اتفاقية الحرية النقابية 87 لسنة 48 التي اصدرتها منظمة العمل الدولية والتي تقرر حرية التنظيم النقابي، ولم تخجل الدولة من ان تصدق باليمين وتلغي بالشمال.. فهذا هو دأبها. تذكروا أيها الاخوة ان السلطة قد جن جنونها، عندما انتخب الاستاذ أحمد سيف الاسلام حسن البنا أمينا لنقابة المحامين سنة 93 فأصدرت القانون 100 لسنة 93 "وهو احد القوانين السيئة السمعة" الذي فرض وصاية حكومية علي النقابات المهنية ووضع لها مجالس ادارة وشل عملها لمدة عشر سنوات. فلما ظنت انها قد فرضت نفوذها ودست اعوانها سمحت باجراء الانتخابات فأعيد مرة ثانية انتخاب الاستاذ احمد سيف الاسلامي امينا عاما للنقابة، فلم تستطع ان تفعل شيئا، وهو مثال لتعامل السلطة مع الهيئات الشعبية انها تجمدها أو تشلها بما تصدره من لوائح أو قرارات أو قوانين ولكن الاصرار الشعبي يجعل مسعاها يفشل ولكن بعد ان كسبت بضعة أعوام ضيعتها علي هذه الهيئات، فإذا كان لها انتصار فهو قصير الأجل. قضية الحريات اذن لا تقتصر علي إلغاء قانون الطواريء وما يتبعه من قوانين سيئة السمعة، ولكن بحيث تكفل بصراحة حرية التعبير، أي حرية الصحافة وحرية تكوين الاحزاب وحرية منظمات المجتمع المدني وحرية تكوين ادارة النقابات وعليكم ان لا تقنعوا بهذا بل يمكن ان تسيروا خطوة لتعديل المادة 108 والمادة 175 التي تعطي الرئيس سلطة اصدار قرارات لها صفة القانون. برواز مع الموضوع ====== أريد ان اعرف من الجريدة التي تصل بها شنآن العداوة لأن تقول: "الجماعة المحظورة قانونا والتي تسمي الإخوان المسلمين" بأي قانون حظرت هيئة الإخوان المسلمين؟.. في المرة الاولي سنة 1948 حلت بقرار عسكري من رئيس احدي وزارات الاقلية، ثم اعيدت مع أول انتخابات عامة نزيهة سنة 1951 بحكم قضائي، وحلت سنة 54 بقرار من مجلس قيادة الثورة الذي اعطي قراراته صفة السيادة!. ولكنها اعيدت وزار عبدالناصر الأستاذ الهضيبي في بيته واعتذر له فلم تحظر الهيئة بقانون يعرض علي مجلس أمة أو شعب. وانما صدرت بقرارات سلطوية ليست لها صفة القانون أو الشرعية. أقول عيب علي مجلة كان رئيسها يوما احسان عبدالقدوس ان تقول ما قالته.