انطفأ النور.. تعانق العقربان.. لكنه قبل أن يتلاشي، ضمّني بشدة.. شعرت بأنه يتحول إلي شعاع يذوب في.. لحظة هي العمر.. فيها مشاعر العام الذي يلم عباءته، والأعوام قبله، عاد النور يتلألأ.. لم أجده.. لم يكن هو، ولم أكن أنا.. صرنا جسدًا واحدًا ونبضًا واحدًا.. منذ الآن لن ننفصل أبدًا.. ولن نفترق أبدًا. هذا صوته من الأفق رددتُ عليه بمشاعري:-رغم أننا لن نلتقي أبدًا.. أبدًا.. أنت عام مضي.. صرتَ في لحظة ذكرياتٍ حلوةً.. مشاعر تغمرني.. صرت بطعم الكوكتيل؛ فيه كل الفواكه ولا تميز إحداها.. صرت بلون الطيف تتداخل ألوانه فتشف ولا تحدد مداها.. صرت.. وصرت.. حتي كلمة "صرت" لها طعم حلوغير معناها بين الكلمات.. فلم تحصل علي هذا اللقب إلا بعد معاناتك فينا ومعاناتنا فيك.كلَّ يوم في العام الجديد أستطيع القول "حدث في مثل هذا اليوم"، وهي حيلتي كي أتذكرك.. أستطيع أن أحس بك إحساسا أكثر ودًّا ووعيا، وأن أري بعيونك رؤية أكثر نضجًا ووضوحًا.. وفي داخلي مزيج غريب بين فعل المضي وفعل الحضور، يتولد منهما فعل جديد ليس من أفعال اللغة؛ بل من أفعال القلوب، فعل تستحلب طعمه، وتستنشق عبيره، وتلمس دفئه.عام جديد.. أين القديم إذن حتي أوليه ظهري؟ أوقفْني علي عتبته.. خذ بيدي تلمس طرف أنامله لوكانت له أنملة.. انشر في المكان رائحته لكي أميز فرق القديم من الجديد، لوكان جديدًا! عام مضي.. صحيح غاب.. ذاب في السرمَدِ؛ لكنه أخرج لنا عصيره.. رحيقًا نشرب، وعبيرًا ننتشي، وحُلمًا نضج وماض في تحديد ملامحه..أيها العام الذي يسمونه مضي، لِمَ وافقت أن تنعتَ بهذا الاسم؟!لمَ ترض باسم يبخسك حقَّك، يتجاهلون من خلاله دورك. هل يبغضك من أضفت له خطًّا علي وجهه؟ هل لأنك أضأت لهم ليل رؤوسهم بنورك الفضي؟ هل لأنك أبكيت كثيرين علي أعزائهم؟ وفرقت بين محبين خدعهم الوهم طويلاً؟ فأنت أيضًا منحتهم حيوات جديدة.. وأقمت لهم أفراحًا عديدة، وجمعت بين محبين آخرين، وثبَّتَّ وقفة طفل كانت مرتجّة.. وشددت ساعد فتي كانت ضعيفة، وكم أقمت من بنايات شاهقات، وكم أزهرت من نباتات، أبقيت لنا الأفراح وذاب الحزن في كاسات الأمل وصار ذكريات.أنت لم تأت بجعبة فارغة، ولم تمضِ بلا دور.. الصاخبون فقط من لا يحسُّون بدبيب أقدامك وهو يدق في رؤسهم كالأجراس، يحاولون إسكاته بدقِّهم الطبول كي ترحل عنهم، ويظنون في العام الجديد الخير وهم علي حالهم كسالي.. والأولي بهم الوقوف أمام مرآة أنفسهم في نظرة للتأمل وحساب للنفس.لا أغتر برحيلك الهادئي والتسلل الناعم للقادم بعدك، الجالس فوق مقعدك بعد أن منحته الرقم التالي لك، بل أكاد أسمعك وأنت توصيه: (هذه المرة الألفين وأحد عشر عامًا) التي يسمي فيها شهر يناير، فاجعل بدايتك خيراً للجميع، وأعطِ كل ذي حق حقه، علِّم الناس العدل والمحبة، فالبخل ليس من صفاتك، اجعل نسيمك واحة للجميع، وخيوط قمرك تلوّن أرواحهم، وابعث دفء شمسك ساريا بين المتفائلين.. حتي الذين يودعونني مهلِّلين لا تحقد عليهم من الآن؛ تحسُّبًا للحظة رحيلك.. هي محاولات يائسة للتعجيل بالجديد.. حسنًا! مادمت عزمت علي الرحيل، فنحن نلوّح لك، نم قرير العين بجوار السنين.. نحن علي عهدك ماضون.