مصر سيدة البحار منذ أيام البطالمة جار عليها الزمن ولم يعد لها عبارات تجوب البحر الأحمر، وتنقل حجاج القرعة أو المعتمرين محدودي الدخل! لقد مضي زمن شركة السلام للنقل البحري التي أسسها م. ممدوح إسماعيل والتي كانت تنقل الراكب بتذكرة لا تزيد قيمتها علي ثلاثمائة جنيه، وانتهت الأسطورة إثر غرق العبارة (السلام 98) عام 2005 والتي راح ضحيتها ما يزيد علي ألف من أبناء مصر الأبرياء واستغل الإعلام الفضائي الحادث المأساوي وأوسع صاحب الشركة التي تمتلك ثماني وعشرين عبارة سباباً وتجريحاً ووصفوه ب (دراكولا) النقل البحري المحتكر الوحشي رغم أنه مالك وليس قبطاناً. الحملة الإعلامية الشعواء تسببت في عزوف المستثمرين عن الاستثمار في مجال النقل البحري فالأمر لا يسلم وحوادث الغرق واردة تماماً مثل حوادث البحر والجو.. كل البشر وكل الدول متقدمة كانت أم نامية.. مؤمنة كانت أم ملحدة تعتقد في الأقدار فما بال إعلاميي الفضائيات يعترضون علي قدر الله، وما بال هذا الشعب المتدين منذ فجر التاريخ يرفض قبول حدث الغرق.. نزيف الاسفلت مستمر وحوادث القطارات والطائرات لا تنتهي وضحايا العمارات المغشوشة والزلازل والبراكين والإرهاب والديكتاتورية طابور طويل وممتد علي امتداد العالم شرقه وغربه وقاصيه ودانيه ها هو البحر الأحمر خاو علي عروشه وها هي مواني السويس وسفاجا والغردقة تنعق فيها البوم والغربان ولا يجد أبناء المهن والطوائف الذين كانوا مرتبطين بعبارات شركة السلام وخدمة ركابها لقمة العيش لينضموا إلي قافلة البطالة!!. ها هي منتجات دمياط من الموبيليات زائعة الصيت وخضراوات وفواكه النيل الخصيب ودلتاه والعاملين البسطاء بالخليج والمعتمرين الغلابة وحجاج القرعة والسائحين العرب لا يجدون وسيلة بحرية تنقلهم من مصر إلي المملكة السعودية أو جيرانها والعكس. ألا يعلم إعلاميو الفضائيات الذين خربوا سوق النقل البحري وجلسوا علي تله!! وضربوا البورصة بالشائعات التي يطلقونها والبرامج غير المسئولة التي لا تستهدف سوي جلب أموال الإعلانات أن مصر فقدت سوقاً واعداً لتصريف منتجاتها، وباتت دول الخليج تعتمد علي المنتجات السورية، والتركية وغيرها بعد هجومهم الضاري علي شركة (السلام) الوطنية للنقل البحري?! ألا يعلم إعلاميو الفضائيات أن تذكرة السفر بالطائرة والتي يتحمل قيمتها المعتمر الفلاح البسيط الذي باع بقرته تجاوزت قيمتها الخمسة آلاف جنيه فيما وصلت قيمة تذكرة الطيران للحاج 8 آلاف جنيه!!. أتساءل لصالح من الإجهاز علي الصروح الوطنية لمجرد حدوث خطأ فردي، أو قصور من إحدي الإدارات وأحد الموظفين وما سري علي شركة السلام قد يسري علي مؤسسة صحفية أخطأ أحد محرريها أو بنك أهدر موظفوه التعليمات واللوائح أو مصنع خرج عن حدود الالتزام بالمواصفات.. العقوبة لابد أن تكون مناسبة للخطأ حتي لا نفرغ مصر من القلاع والصروح والمؤسسات العملاقة ثم يأتي علينا زمن نشحذ فيه العبارات من دولة شقيقة وتصبح مصر الرائدة في مجال البحار أقل من صغريات الدول تاريخاً، ومكانة ثم نبكي علي اللبن المسكوب وقت لا يجدي البكاء!!. كان يتعين علي عشاق الفضائح وهواة استغلال المصائب أن يطالبوا بمحاسبة إدارات الصيانة والرقابة البحرية بدلاً من إطلاق العنان لأنفسهم كي ينتقدوا صاحب العبارة حتي طفش الرجل إلي لندن احتراماً لنفسه ولتاريخه وأخذ معه العبارات لتعمل بمواني أوروبا بينما البحر الأحمر، وموانينا بلا عبارات علي الإطلاق فإلي السادة الفضائيين والسيدات الفضائيات الذين انتقدوا أحكام القضاء وتاجروا بالمأساة وأهاجوا الرأي العام وتحدثوا كما لو كانوا علماء في البحار هل لديكم فكر أو خطة لإصلاح ما أفسدتموه وكيف تستعيد مصر الريادة البحرية التي فقدتها علي أيديكم الكريمة?!.