أبناء جيلي خاصة من سكان القاهرة يعرفون أن نظامي الشرطة المدرسية والحكم الذاتي كانا يطبقان في مدارسنا في أواخر الستينيات وطوال السبعينيات وحتي اول الثمانينيات، بل كانت هناك مدارس أكثر انضباطا كانت تطبق نظاماً أمنياً مصغراً من التلاميذ الأقوياء يعرف باسم "جماعة النظام" وكان من المتبع أن تتولي الشرطة المدرسية حماية منشآت المدرسة،فتمنع التلاميذ مثلا أثناء "الفسحة " من تخريب صنابير المياه أو إتلاف الزرع في حديقة المدرسة، وقت أن كان في المدارس حدائق وليس حجرات مغلقة ومهجورة، ومنع قذف الطوب حماية لزجاج الفصول، في الوقت الذي كانت فيه الشرطة المدرسية تقوم بمنع المشاجرات بين التلاميذ ومنع القفز من فوق أسوار المدرسة سواء من التلاميذ أثناء اليوم الدراسي أودخول غرباء إلي المدرسة، وهكذا. وكانت هناك مدارس تطبق نظام الكشافة الداخلي.. بمعني ان يرابط فصل من فصول المدرسة داخلها طوال اليوم الدراسي وبعد مغادرة التلاميذ، ومن هنا كان هناك أمن وأمان داخل مدارسنا، بل كانت هناك هيبة شديدة لناظر المدرسة، وكان هناك أحترام غير عادي لمدرسي المدارس في المرحلتين الابتدائية والإعدادية. أما في المرحلة الثانوية فكان مطبق خلال السبعينيات، قبل وبعد حرب أكتوبر، نظام الثانوية العسكرية، وكنا نذهب إلي المدرسة الثانوية باللبس العسكري، كما كنا نعيش حياة شبه عسكرية في المدارس، وكان الانضباط علي أشده ويفوق بمراحل الشرطة المدرسية وجماعة النظام وحتي نظام الكشافة في أصعب تطبيقاته. من هنا تربت أجيال عديدة علي احترام المدرسة والمدرسين، وحتي بعد إلغاء الثانوية العسكرية بعد تطبيق معاهدة السلام مع إسرائيل، ومن قبله الشرطة المدرسية والحكم الذاتي، ولم يكن هناك الانفلات التعليمي الموجود حاليا، أو بالأحري المهازل الأخلاقية التي نجدها في بعض مدارسنا، لا فرق في ذلك بين مدرسة موجودة في القاهرة أو في الإسكندرية أو في الدقهلية أو حتي سوهاج. فلم يعد الأمر مقصورا علي زيادة العنف المدرسي سواء بين التلاميذ أنفسهم أو بين المدرسين وأولياء الأمور، بل إن الاغتصاب أصبح داخل بعض المدارس للأسف الشديد. فلم يكن مستغربا في السنوات الماضية أن يقوم مدرس بضرب تلميذ ضربا مبرحا أو حتي يكسر له ذراعا أو يسبب له عاهة مستديمة، رغم تجريم الضرب في المدارس، بل أصبحت هناك ظاهرة مؤخرا أن يقوم طالب بضرب مدرس، أو يقوم والد أحد التلاميذ بضرب مدرس في الطابور لأنه قام بضرب ابنه في الفصل، أو تقتحم والدة تلميذ مدرسة وتضرب تلميذا آخر لأنه تشاجر مع ابنها،بل وتقوم تلك الأم بضرب مدرسين حاولوا منعها من ذلك وطردها من المدرسة. بل مؤخرا بدأنا نسمع عن مشاجرات بين الطلاب خارج أسوار المدارس وتستعمل فيها الأسلحة البيضاء بكافة أنواعها، بل إن بعض الطلبة معتادي الرسوب كثيرا ما يدخلون فصولهم ومهم سلاحهم الأبيض من باب الوجاهة التعليمية، بل هناك مدرسون يخافون من بطش هؤلاء الطلبة. أما الجديد هذا العام، هو حدوث تطور نوعي في العنف المدرسي، فأصبحت هناك عصابات طلابية منظمة تمارس البلطجة المدرسية وتتعارك فيما بينها مثلما مايحدث بين أنصار المرشحين المأجورين في انتخابات مجلس الشعب، بل والأحدث في منظومة التعليم التي تتطور يوما بعد يوم إلي الأسوأ، هو انتشار الاغتصاب في بعض المدارس. فقد شهد شهر نوفمبر الماضي العديد من حالات الاغتصاب "المدرسي" المتنوعة، أهمها قضية طالب مدرسة مصر الجديدة، والذي اتهم ثلاثة من زملائه باغتصابه في حجرة مهجورة بالمدرسة،مخصصة لمدرسي اللغة العربية. وقال والد الطالب في تحقيقات النيابة: ابني تعرض لهتك عرضه وزملاؤه أجبروه علي خلع ملابسه والانبطاح أرضاً، وحاولوا اغتصابه إلا أن سنهم الصغيرة حالت دون وقوع ذلك، وقد زار وزير التربية والتعليم.. الدكتور أحمد زكي بدر المدرسة بعد اكتشاف الواقعة وأطاح بمدير المدرسة ونقل بعض المدرسين، ووقَّع عقوبات مغلظة علي البعض الآخر. وفي الأسبوع الثاني من الشهر نفسه - نوفمبر - سيطرت حالة من القلق والخوف والغضب علي أولياء أمور طلاب مدرسة الفردوس الابتدائية بالمنصورة بعد تعرض طالب بالصف الثاني للاغتصاب علي يد شاب مجهول داخل المدرسة، أثناء اليوم الدراسي. ونظم عدد من أولياء الأمور وقتئذ وقفة احتجاجية أمام مدرسة الفردوس الابتدائية بالمنصورة، احتجاجا علي قيام ماسح أحذية باقتحام المدرسة واغتصاب تلميذ بالصف الثاني الابتدائي. الغريب أن المباحث مازالت تبحث عن الشاب ولم تتوصل له بعد لعدم وجود محل سكن له إلا في مقالب القمامة. وفي منتصف شهر نوفمبر الماضي، وفي حلوان أمر قاضي المعارضات بمحكمة التبين و15 مايو بتجديد حبس مدرس متهم بالتعدي الجنسي علي تلميذ بالمدرسة الابتدائية بحلوان "15" يوماً علي ذمة القضية. ووجهت له النيابة تهمة هتك عرض المجني عليه. كما أمرت النيابة بتوقيع الكشف الطبي علي المجني عليه لبيان ما إذا كان قد تعرض لسمة اعتداء جنسي، وأخذ عينة من دماء المدرس المتهم علي مصلحة الطب الشرعي لسحب ومضاهاتها بالدماء الموجود علي ملابس التلميذ المجني عليه. الجدير بالذكر أن مباحث 15 مايو قد تلقت بلاغاً من والد التلميذ أكد فيه تعرض نجله للاعتداء علي يد مدرس بالمدرسة عدة مرات وتهديده بوجود صور له اثناء تعديه عليه جنسيا!. وفي بداية شهر نوفمبر قرر محافظ الدقهلية سمير سلام وقف مدرس يدعي كمال.. بإحدي المدارس التابعة لإدارة شربين التعليمية عن العمل لمدة ثلاثة شهور لحين انتهاء التحقيقات معه في كل من النيابتين العامة والإدارية في واقعة اتهامه بالتحرش بتلميذة بالمدرسة. وكان المواطن "إيهاب.ل.ا" ولي أمر إحدي التلميذات بالصف الرابع الابتدائي بمدرسة "الشهيد وجيه خطاب" الابتدائية التابعة لإدارة شربين التعليمية بالمحافظة، قد تقدم بشكوي متهما فيها المدرس بالتحرش بابنته داخل المدرسة. وبالطبع ليست وزارة التربية والتعليم ممثلة في نظار ومديري المدارس والمفتشين وحتي الإداريين، هم فقط المسئولون مسئولية مباشرة عن حالة الانفلات الأخلاقي في بعض المدارس.