تحدثت الصحف أمس عن 3 تلاميذ فى مدرسة ثانوية بمحافظة بنى سويف طعنوا زميلا لهم بمطواة لخلاف حول معاكسة فتاة. كما طعن عدد آخر من التلاميذ فى المحافظة ذاتها زميلا لهم بمطواة بسبب رشه المياه على حقيبة أحدهم. وفى القاهرة حرر ولى أمر طالب بمدرسة مصر الجديدة الإعدادية محضرا بقسم الشرطة اتهم فيه ثلاثة من تلاميذ المدرسة بهتك عرض ابنه فى بدروم المدرسة. وفى قنا اختلف اثنان من تلاميذ مدرسة إعدادية حول مكان الجلوس فى الصف فطعن أحدهما الآخر بآلة حادة فى رقبته. وتعارك ثلاثة من تلاميذ المدرسة الثانوية التجارية بمنطقة الهرم فتبادلا الرشق بالحجارة والضرب بالعصى فى فناء المدرسة. وفى أشمون بمحافظة المنوفية قامت مدرسة بخنق إحدى تلميذات المرحلة الابتدائية لأنها لم تحضر معها دفتر الاقتصاد المنزلى. وأمام مدرسة الأورمان الإعداية، انهال خمسة من التلاميذ بالضرب على أحد الإداريين، اعتقادا منهم بأن الرجل تسبب فى فصل أحدهم. هذه بعض حصيلة أسبوع واحد من العنف داخل المدارس المصرية. وقد شاءت المقادير أن تنشر صحيفة «الوفد» فى عددها الصادر فى نهاية الأسبوع تقريرا كان عنوانه كالتالى: المدارس تحولت إلى ساحات قتال بين التلاميذ والمدرسين والمديرين وأولياء الأمور. فى التقرير الذى أعدته الزميلة أمانى زايد معلومات منسوبة إلى المركز القومى لحقوق الإنسان، أشارت إلى أنه فى الشهر الأول من الفصل الدراسى الحالى تعرض 13 تلميذا للطعن بالمطاوى وانتحر ستة. وتعرض 32 آخرون للإهانة والضرب على أيدى المدرسين. كما تعرض 15 مدرسا للضرب على أيدى أولياء الأمور. مما ذكره التقرير أيضا أن ظاهرة العنف منتشرة فى أغلب المدارس، وأن 67٪ من حوادث العنف تقع فى المدارس الحكومية، التى يلتحق بها أبناء صغار العاملين والفقراء الذين يتكدسون فى الفصول، ولا تمكنهم ظروفهم المادية من الانخراط فى المدارس الخاصة. وتعد محافظة الغربية فى مقدمة المحافظات التى استخدمت الأسلحة البيضاء فى مدارسها، تليها محافظة بورسعيد والقليوبية. كل الشواهد تدل على أننا لسنا بصدد حوادث عنف فى بعض المدارس، بقدر ما إننا أمام ظاهرة عامة لا يعرف حجمها بالضبط، لكنها تنمو وتتطلب دراسة جادة وعلاجا حازما وسريعا إنقاذا للحاضر والمستقبل أيضا، ذلك أن أطفال اليوم هم جيل الغد، وإذا كان زرعنا فاسدا أو شائكا اليوم فإننا لن نستطيع أن نتفاءل بالحصاد المر الذى نجنيه غدا. ومن المدهش أن صحفنا تنشر أخبار تلك الحوادث يوما بعد يوم، دون أن يحرك ذلك شيئا من الاهتمام بها. فى تحليل الظاهرة نستطيع أن نجد عوامل عدة أسهمت فى إفرازها بعضها يتعلق بأوضاع التعليم ذاته، والبعض الآخر يتعلق بأوضاع البلد بشكل عام. فى الشق المتعلق بأوضاع التعليم لا أحد ينكر أن ثمة تدهورا شديدا فى هذا المرفق الحيوى، سواء فى أوضاع المدارس وأنشطتها وقدرتها على الاستيعاب، أو فى أوضاع المدرسين، فقد أصبحت المدارس طاردة للتلاميذ، بسبب ضعف امكاناتها وانصراف التلاميذ عنها واعتمادهم على الدروس الخصوصية، وزاد الطين بلة أن المدارس أوقفت أنشطتها التكميلية الرياضة خصوصا التى كانت تمتص طاقات التلاميذ وتصرفها على نحو إيجابى، فاتجهوا إلى تصريف طاقاتهم فى اتجاهات أخرى. فى الوقت ذاته، فإن المدرس فقد هيبته، ولم يعد ذلك المثل الأعلى الذى يتولى التوجيه والتربية وانه منذ أصبح بحاجة إلى الدروس الخصوصية وإلى ما يتقاضاه من أولياء الأمور لقاء ذلك، فإنه تخلّى تلقائيا عن مكانته الرفيعة وتراجعت قيمته فى نظر التلاميذ وأولياء الأمور، وأسهم ذلك فى اجتراء الآخرين عليه. فيما يخص الأوضاع العامة لا تفوتنا ملاحظة أن القمع هو أسلوب السلطة فى تعاملها مع المجتمع. وحين يحدث ذلك فإن هيبة القانون تتراجع على الفور. وسلوك الشرطة هو الأوضح فى هذا الصدد. إذ لا تزال ماثلة فى الأذهان قصة الشاب خالد سعيد الذى اتهمت الشرطة بقتله فى الإسكندرية. وقصة الضابط الذى ذهب لإلقاء القبض على مواطن فى العمرانية بالجيزة، وحدث اشتباك بينهما انتهى بأن قام الضابط بإلقاء المواطن من الطابق الرابع.. إلى غير ذلك من الحوادث التى أصبحت شائعة فى بر مصر. ولا ينسى فى هذا الصدد سلوك الشرطة وميليشيات البلطجية التابعة لها فى تعاملها الفظ مع المظاهرات التى تخرج إلى الشوارع.. إلخ. إضافة إلى دروس القمع اليومية التى تلقنها السلطة للمجتمع، هناك عنصر آخر له أهميته يتمثل فى أن ضغوط الحياة المعيشية دفعت الآباء والأمهات إلى قضاء أغلب الأوقات خارج البيت سعيا وراء لقمة العيش، الأمر الذى غيّب دورهم فى رعاية الأبناء وتوجيههم، ومن ثم أصبح الأبناء يربون فى الشارع وعلى أفلام العنف التى تبثها قنوات التليفزيون. إذا أضفنا إلى ما سبق الضغوط الاقتصادية الشديدة الوطأة التى يتحملها الناس، وعذاباتهم فى المواصلات مع بقية مرافق الدولة، خصوصا ما يتعلق منها بالخدمات، فإن الحصيلة النهائية ستكون تبرما وضيقا فى الصدور يعد العنف إفرازا طبيعيا لهما. لست أشك فى أن أهل الاختصاص لهم رأيهم الأصوب فى التحليل والعلاج، ولكن يبدو أن ترهل السلطة وعدم جديتها، إضافة إلى انشغالها بأمن النظام عن أمن المجتمع. ذلك كله أغلق باب التفكير فى الموضوع، من ثم تركت الظاهرة تنمو وتستشرى لندفع الثمن باهظا من المستقبل.