لا تفكير في تغيير المناهج. الحل هو إعادة العصا للمدارس حتي لا يصبح المدرس ملطشة للتلاميذ، هكذا تكلم وزير التربية والتعليم. كأن العصا اختفت أصلا!. كأنها لم تكن سببا فيما وصل إليه حال التعليم الذي أوصل الوزير بدوره إلي منصبه!. لسان حاله كممثل للحكومة يقول للتلاميذ مش كفاية بنعلمكم بالمجان؟. عقاب الطفل بالعصا يؤدي إلي أمر من اثنين، إما أن يشب جبانا خانعا يلبي أي أمر ولو فيه إهانة و مذلة، أو يشب فيمارس الضرب الذي ذاقه ضد الآخرين وأولهم أولاده وزوجته التي لم تحسن تربيتهم أو فشل هو في تربيتها!. في الحالتين يشب الطفل فيحيا إلي مماته كارها للعلم والتعلم بأنواعه، ويظل العمل الذي يطبق فيه ما تعلمه واجبا ثقيلا يؤديه كارها حتي لو كان فيه تحسن أحواله. المنهج الحالي الذي يعتز به الوزير هو إجبار الطالب علي تأدية فترة الدراسة ليحصل علي شهادة تخرج من السجن بشرط حسن السير والسلوك، عندئذ تعد الحكومة - أو كانت- بأن تعطيه أجرا علي وظيفة وهمية - لأنه لم يتعلم شيئا له قيمة- يأكل منها عيشا حتي لا ينحرف!. إنه الدستور غير المكتوب الذي فرضته حركة يوليو، تعليم ووظيفة لأولادك مقابل أن تخرس أو تهتف بحمد الله علي ما أنت فيه، فأمريكا بجلالة قدرها لا تعلم شعبها بالمجان لذلك قلنا لها أن تشرب من البحر أو تذهب إلي الجحيم. طبعا أصبحت مدارسنا بلا فناء أو حديقة، بلا معامل أو ملاعب أو حجرة موسيقي أو رسم أو مسارح. لكن ظلت عليها لافتة مدرسة، فكل هذا لا يدخل في نطاق التعليم الثوري، ولا علاقة له بالعلوم و المعارف و اسأل الأخوان المسلمين أصدقاء الصاغ كمال الدين حسين أول وزير تعليم بعد طه حسين، وبعدين عايزين كل ده بلوشي؟ ضمن الوظائف التي توزعها الحكومة وظيفة مدرس، فكيف يمكن لهذا المدرس أن يحبب تلامذته في العلم والمعرفة عن طريق العصا؟، قالك ما هي دي بقي التربية التي هي رفيقة التعليم. الضرب يجبر المسجون علي تنظيف المراحيض فيتعلم كيف ينظفها في أسرع وقت، و لا يعلمه شيئا أكثر من هذا، اللهم أن يعلم نفسه أن يغش إذا استطاع سبيلا ليتحايل علي الأوامر، تماما كما يفعل تلاميذنا. هذا هو المنهج الذي لا يريد الوزير تغييره، ولا بد أنه قد تعلم عن طريق منهج الحفظ والتلقين بالعصا، واللي تعرفه أحسن من اللي ماتعرفوش. التعليم يجعل المرء يحب المعرفة ليبحث عنها بنفسه طيلة عمره فيصبح مؤهلا أن يكتشف ويخترع ويبدع ليضيف إلي العلم الذي تعلمه. أو علي الأقل يجيد استخدام تطبيقاته في عمل ما، وهذا هو المنهج الذي لا يريد الوزير أن يتعلمه التلاميذ أو المدرسون!. يصبح المدرس محترما عندما يبهر التلميذ بعلمه لا أن يرغمه علي التعلم بالعصا، فالحيوانات تتعلم أو بمعني أدق تروض عن طريق ضربها بالعصا. لا معني لحفظ المعلومات في عصر الشبكة العنكبوتية التي تمدنا بالمعلومات عن أي شيء في لحظات، أما دور المدرس فهو أن يكون قدوة لتلاميذه يحبب لهم ربط المعلومات ببعض لا رصها تحت بعض، المدرس يصبح محترما عندما لا يمد يده ليأخذ نقودا من تلميذه، وضبط الفصل الدراسي ليس مهمته وإنما مهمة الموظفين بإدارة المدرسة، ولا يتم الضبط والربط بالعصا وإنما بتفعيل القوانين التي تراعي حقوق وواجبات التلميذ لأنه سيصادف هذا عندما يكبر، فلا يخالف النظام ولا يقبل أن يضربه الشاويش في قسم الشرطة. يصبح المدرس محترما عندما يكون قدوة، ليس لأنه يعرف أكثر من تلاميذه، بل علي العكس يظهر تواضعه لأنه يعرف القليل من بحر العلم كملايين الناس ولذلك يجتهد كل يوم ليعرف أكثر. غاية التعليم هي تعليم التلاميذ الشغف بالمعرفة في حد ذاتها، أن يسألوا دائما وأن يبحثوا بأنفسهم وأن يفكروا وأن يجدوا في هذا متعة يطلبونها كأنها نوع من اللعب والرياضة والهوايات التي يجب أن يمارسوها أيضا في مدرستهم. دور المعلم التربوي إعطاء النموذج بمظهره وسلوكه وألفاظه وبشاشته وثقته بنفسه وتقديم النصائح كمقترحات لا أوامر وتشجيع الطالب علي الثقة في نفسه وتأكيد ذاته والتعبير عنها. المدرسة تعلم النظام إذا كانت هي نفسها منظمة، وتعطي العلم إذا كان من يقومون به ممن حصلوا علما بالفعل! لتصبح المكان الذي يهرب الطلاب إليه لا أن يهربوا منه. بالطبع عيوب أولياء الأمور تنعكس في تربيتهم لأولادهم، لكن منظومة التعليم هي المسئولة عن تصحيح الأوضاع وذلك بتغيير مناهجها السقيمة الفاشلة، وعن طريق كوادر جديدة من المدرسين، يضع لهم المناهج خبراء من المثقفين والمفكرين لا ممن نسميهم بخبراء التعليم الذين تلقوا تعليمهم في مدارس وجامعات الصاغ كمال الدين حسين وكانوا سببا فيما نحن فيه، التربية علم والتعليم علم، فلا عيب أن نطلع علي أحدث المناهج والنظم لخلق جيل جديد من المدرسين يتعلمونها أولا حتي يصبحوا أكفاء لهذه المناهج، وكما دعا الرئيس مبارك في أول عهده إلي مؤتمر للاقتصاد المصري، يجب الدعوة إلي مؤتمر للتعليم لا يضم رجاله وحدهم، والقضاء علي الدروس الخصوصية يكون بزيادة راتب المعلم المثقف ويمكن توفيرها من رسوم يدفعها أولياء الأمور بدلا من أن يأخذها المدرس من يد تلاميذه. المدرسة يجب أن تكون مجتمعا صغيرا يشعر فيه الطلبة بأنه أسرتهم الثانية داخل الأسرة الأكبر وهي الوطن، وأول ما يدرسه فيها قوانين حقوق الإنسان والمواطنة والمرأة والطفل وحرية الرأي والاعتقاد والتسامح ونبذ العنف والتعصب والعنصرية، لا كنصوص في كتاب المطالعة ولكن كجو عام وسلوك يومي يسود كل نشاطات المدرسة. كلنا شركاء في هذا الهم، هم عدم التربية وعدم التعليم. أما إذا كان ولا بد من العصا، فالسؤال هو: العصا لمن؟! الإجابة متروكة لفطنة القارئ!.