-اختيار الصحراء بغموضها وسحرها مسرحا لأحداث رواية "كاماراد "وراء انتشارها. -أهوال يوم القيامة جسدها البطل مامادو في مراحل هجرته السرية إلى أوربا كتب: محمد الناصر أكثر ما يلفت الانتباه في عالم الروائي والأكاديمي الجزائري حاج أحمد لقبه ..لاأعني اللقب في حد ذاته..بل جهل صاحبه بمصدر الإسم ..هكذا وجد الروائي " حاج احمد " الرفاق والإعلام ..والجميع ينادونه حاج احمد الزيواني ..وكثيرا ما يختصرون الإسم فيتجاهلون الأصل والأساس " حاج أحمد " ..ويلاحقونه :د. زيواني !!!! ووجدتني مدفوعا في بدء حواري معه أن أسأل : كيف أصبحت " الزيواني " ولاعلاقة للإسم بأحد من أبائك وأجدادك كما سبق وأن أخبرتني؟ فضحك وقال : بداية أود ان أقول أنني شخص صحراوي بسيط بساطة الطين والرمل، ولدتُ ونشأتُ بأحد قصور الصحراء الجزائرية (ولاية أدرار)، تلقيتُ تعليمي الأول بمسقط رأسي، بعدها تدرّجتُ في التعليم النظامي، حتى نلتُ شهادة الدكتوراه في اللسانيات، من جامعة الجزائر المركزية بالعاصمة، اشتغل حاليا كأستاذ محاضر بكلية الآداب واللغات جامعة أدرار. لاأدري كيف بدأ ؟ *استهلالية مهمة للقاريء المصري ..فماذا عن الزيواني ؟ -لقب الزيواني ولد مع ولادة مملكة الزيواني، لا أدري تحديدا كيف بدأ؟.. كل الذي أعرفه، أن الرفاق نادوني به أولا، فارتضيته اسما، وبرّرتُ ذلك في نفسي بقولي: (وهبني الزيوان نصا، فقبلته اسما ولقبا)، كما أني وجدته خفيفا به نغمة موسيقية وإيقاع جرسي رنّان، يكفيني من جرجرة اسمي الثلاثي الطويل.. نجاح غير متوقع * صدرت لك قبل رواية "كاماراد، رواية مملكة الزيوان"، ويبدو أنها لاقت أصداء طيبة، من خلال المقالات الصحفية و النقدية المتاحة حولها على الأنترنت..هل كنت تتوقع هذا الاستقبال الجيد للرواية ؟ -عندما صدرت الطبعة الأولى لمملكة الزيوان، عن طريق دار فيسيرا بالجزائر سنة 2013، لم أتوقّع ذلك القبول الحسن، الذي رافق صدورها، فقد تحدّثت عنها الصحف الجزائرية بوفرة، كما لاقت استحسانا عند النقاد، فكتبت حولها عديد المقالات، التي فكّكت شفراتها ومساراتها.. والحق يذكر، لعلّ فضاء الصحراء البكر، الذي جاءت به، كان من بين المميزات، التي ميّزت هذه التجربة، فبالرغم من شساعة الصحراء الجزائرية، واكتنازها لكشكول متنوّع من المخيال الشعبي، إلا أنها ظلّت نادرة الورود، في مدونة السرد الجزائري، إذا ما استثنينا، تجارب معدودة، كرواية تلك المحبة للحبيب السايح، و المجموعة القصصية حائط رحمونة لعبدالله كروم، ورواية تنزروفت لعبدالقادر ضيف الله، ورواية سرهو لمولود فرتوني، ورواية الخابية لجميلة طلباوي، ومن ثمّة فإن تجربة مملكة الزيوان، جاءت عاكسة لفضاء الصحراء وفنطازيته الساحرة، بعد نفاد الطبعة الجزائرية الأولى، فكّرتُ في ايصال النص للقارئ العربي بالمشرق، بحكم أن طبعة دار فيسيرا، ظلّت قطرية في الجزائر، فاخترتُ دار فضاءات الأردنية لطبع الرواية طبعة ثانية، والتي وجدتُ بها كل الترحيب والنصرة، من طرف صاحبها الرفيق الشاعر والروائي جهاد أبوحشيش. * كيف جاءت فكرة رواية كاماراد؟ -نظرا لكون منطقة الصحراء، و منطقة إقامتي(ولاية أدرار)، تعتبر معبرا استراتيجيا للأفارقة العابرين، فيتوقفون بهذه المحطة، بغرض استكمال الزاد بعد نفاده، لقطع الطريق الشاق والطويل، فقد سمح لي ذلك، أن أرصد هامش وأحلام هؤلاء الأفارقة، بحكم فضولي للأشياء المثيرة، مما جعلني أتقرّب منهم أكثر، فوجدتُ عالمهم وهامشهم مليئا بالمفارقات، الأمر الذي دفعني، لأن أسافر لدولتي ماليوالنيجر، وأتقرّب أكثر من ذهنية المجتمع الإفريقي، فيما يخصّ طقوسه و عاداته.. * يظهر للمتلقي أن العنوان في أصله فرنساوي، (كاماراد) بمعنى الرفيق -عتبات النصوص الإبداعية، لا يحكمها ضابط أو قيد معيّن كالكتب الأخرى، لذلك أتى عنوان (كاماراد) الفرنساوي المعرّب، كمعادل للرفيق، نظرا للحمولة الدلالية القوية للمصطلح، مما يشكّل استفزازا للقارئ، وهو أمر مقصود، ليقع المتلقي تحت طائلة ولوج عالم النص.. الهجرة إلى الشمال *كاماراد، تطرّقت لموضوع يعدّ من قضايا الساعة، ألا وهو الهجرة نحو الشمال ..ماالذي دفعك للخوض في هذه القضية الشائكة ؟ -ثيمة النص المتمثلة في الهجرة السرّية للأفارقة، تعتبر من قضايا الراهن، بحكم أنها تقضّ مضجع دول العبور كالجزائر والمغرب، وتؤرق دول الشمال من الضفة الأخرى للمتوسط، الرواية كفضاء ومسلك معرفي، تحاكي القضايا وتخلخلها وتعالجها، ومن ثمة حاول النص، أن يغوص في جدلية القضية، باحثا عن الأسباب، كالفقر والأوبئة والحروب الأهلية والانقلابات، وانعكاساتها على الهجرة، كما حاولت الرواية، أن تتغلغل في هامش هؤلاء الأفارقة، سواء تعلّق ذلك بتزوير العملة أو عالم المخدرات و الدعارة وغيرها من الهوامش المثيرة في عالم هؤلاء العابرين الغامضين..كما حاول النص أن يطرح بعض الحلول، للحد من هذه المعضلة.. * القارئ للنص، يلاحظ أنك وظّفتَ وسائط الميديا كاملة، كتقنيات سردية في النص – وسائط الميديا، أصبحت لصيقة بإنسان العصر، وبالتالي فإن توظيفها في النص، جاء نتاج هذا الزواج الشرعي لإنسان العصر بها، ففي النص، وظّفتُ الهاتف النقال، والرسائل القصيرة(sms) وكذا الكاميرا، وجهاز داكتيفون، والفيسبوك، وتويتر وغيرها.. أهوال يوم القيامة * أيضا من التقنيات السردية الطريفة في النص، أنك اعتمدتَ أهوال القيامة كفصول في حكاية البطل مامادو -اعتمدتُ في النص على تعدّد الأصوات الناصةوالساردة، ففي داخل النص، هناك حكاية للبطل، يروي فيها رحلته للفردوس، حيث قسّم فصول حكايته، بحسب أهوال القيامة، فمرحلة الفقر في نيامي أعطاها فصل باسم (في القبر)، ومرحلة مجيء فكرة الهجرة وأسماها ب(البعث)، وفترة اقناع والدته ببيع البقرة الوحيدة، و التزوّد من ثمنها في رحلته، أعطاه اسم (النفخ في الصور)، ومرحلة عبوره للصحراء مع المهربين (على الصراط) وهكذا دواليك.. * هل يمكن القول بأن " كاماراد" رواية عابرة للبلدان -من مميزات نص كاماراد، هو تعدّد الفضاء (النيجر – الجزائر – المغرب – إسبانيا، بحيث يتيح هذا التعدّد تنوّعا في فضاء السرد، مما يكسب النص ثراءا، يضفي عليه رونقا ولونا قشيبا في كل محطة من محطاته، تدفع عن القارئ رتابة النص ومجّه.. إنصاف افريقيا * كقاريء.. أرى أن نص "كاماراد" أنصف إفريقيا، التي ظلّت منسية ومغيّبة في الرواية العربية ..هل تتفق معي في هذا ؟ -صحيح ..إفريقيا رغم أنها الجارة المرتبطة في حدودها، مع جغرافيا الوطن العربي، إلا أنها ظلّت منسية ومهمّشة في تخييل الكتّاب العرب، وبالتالي فإن رواية كاماراد، حاولت أن تلتفت لهده الأرض غير المزروعة في مدونة السرد العربي، وتعطيها حقها، فحكم أن الأدب له بعد إنساني، فمن الواجب علينا، أن نلتفت للفقراء والبؤساء بهذه الجغرافيا المنسية، حيث تعرّضت الرواية، لأهم المشكلات، التي يعانيها الإنسان الإفريقي، كالفقر، والأوبئة، والحروب الأهلية، وما يرتبط بها من انقلابات، ولجوء في الملاجئ، وغير ذلك من تراجيديا الجنوب البائس.. الرواية الجزائرية بخير -ما راهن الرواية الجزائرية ؟ يمكن القول أن الرواية الجزائرية بخير، رغم الضجة التي رافقت ظهور القائمة الطويلة للبوكر، وما رافقها من ضجيج، حول أسباب غيابها لسنوات متتالية عن هذه الجائزة، وإن كانت بعض المبررات منطقية، في سبب هذا الابتعاد، غير أننا لا يمكننا إغفال سبب ذلك، لعوالمها المستهلكة والمتكررة، وإن كنا نتوسّم خيرا في بعض الوجوه الجديدة.. ثمة كتّاب شباب يحفرون أسماءهم في الظل، بعيدا عن الضوء، حيث أن السياق التاريخي، يبقى هو الرهان، لجودة بعض النصوص لهؤلاء، وتغيير معادلة الكتابة السردية في الجزائر، التي يحب البعض من الأسماء المكرّسة، البقاء عليها كما هي عليه؛ لكن هذا لن يحصل، لأن الواقع يفرض نفسه على الجميع، وفي النهاية يبقى البقاء للأجود..