صناع الوعي والمعرفة والكلمة في مجتمعنا يتحملون مسئولية عظيمة وكبيرة، فهم معنيون راهنا ومستقبلاً بصناعة المعرفة التي تؤكد خيار التعايش السلمي، وتعمق أواصر التفاهم بين مختلف أبناء الوطن. التعايش يعني أننا نتحدث عن قيمتين أساسيتين وهما: قيمة الاختلاف وقيمة المساواة، فينبغي أن نعترف بحقنا جميعاً في الاختلاف.. وهذا الاعتراف ينبغي ألا يقود إلي الانقسام وبناء مجتمعات اجتماعية منعزلة عن بعضها، كما أنه لا ينبغي ألا يقود إلي التعدي علي الحقوق. فالتعايش هو حصيلة بناء علاقة ايجابية بين حق الاختلاف وضرورة المساواة.. وأي خلل في هذه المعادلة.. يضر بحقيقة التعايش في أي مجتمع ووطن. ومفهوم التعايش بطبيعته ومضمونه، لا يلغي التنافس أو الاختلاف بين طوائف المجتمع، وإنما يحدد وسائله، ويضبط مسئوليته.. فالتعايش لا يساوي السكون والرتابة.. وإنما يثبت الوسائل الايجابية والسلمية لعملية الاختلاف.. ويرفض الوسائل العنيفة بكل مستوياتها وخاصة الفتن بين طوائف الوطن. مفهوم التعايش يرفض أن تتحول عناوين الاختلاف والتباين لوسيلة لامتهان كرامة المختلف.. أو التعدي علي حقوقه الخاصة والعامة وعقيدته. لذلك يقول الحق تبارك وتعالي في محكم كتابه (ولا يجرمنكم شنئان قوم علي ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوي) المائدة 8.. لذلك فإن خلق معادلة متوازنة وحيوية بين مفهومي (الاختلاف والمساواة) هو أساس التعايش وجوهره النوعي. وإذا تحققت هذه المعادلة تحقق مفهوم التعايش في الفضاء الاجتماعي والوطني.. وبدون هذه القيم والحقائق لا يتحقق مفهوم التعايش في أي مجتمع. ووفق هذه الرؤية فإن التعايش لا يعني أن يتنازل أحد عن ثوابته ومقدساته، وإنما يعني الالتزام بكل مقتضيات الاحترام والعدالة لقناعات الطرف الآخر، بصرف النظر عن موقفك الحقيقي أو العقائدي منها. وهذه ليست شعارات وكلمات تكاذب أونفاق.. كما يحلو للبعض أن يطلق عليها.. بل هي جهد إنساني متواصل.. لمنع تأثير العوامل السلبية.. التي توتر العلاقات بين المختلفين.. فالتعايش لا يقتضي الانشقاق أو التفلت من الثوابت أو الأصول لدي الأطراف، وإنما يقتضي الإصرار علي خيار التفاهم وتوسيع المشترك وإدارة نقاط التباين وموضوعات الاختلاف بعقلية حضارية، توفر للجميع حق التعبير عن قناعتها ووجهة نظرها بعيداً عن الإساءة إلي الطرف أو الأطراف الأخري. وعليه فإننا نعتقد وبعمق أن خيار التعايش بين مختلف طوائف المجتمع والوطن الواحد، هو من الضرورات الدينية والاخلاقية والوطنية لأنه السبيل لضمان حقوق الجميع، كما أنه الإمكانية الوحيدة وفق كل الظروف والمعطيات لحفظ وصيانة الأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي والوطني. لهذا فإن خطابات التحريض والتشدد والغلو ضد المختلف في الدائرة الدينية والوطنية والاجتماعية لا تبني تعايشا ولا تحافظ علي الاستقرار السياسي والاجتماعي.. ويجب الوقوف بحزم ضد كل مقولات التعصب والغلو والتشدد ضد المختلف.. وهذا يتطلب منا جميعاً مواطنين ومؤسسات رسمية وأهلية، العمل علي صياغة مشروع وطني يستهدف تعزيز قيمة المواطنة. لهذا فإننا مع كل مبادرة تعزز قيمة التفاهم بين الأشخاص والطوائف.. ومع كل خطوة تساهم في تدوير الزوايا الحادة بين مختلف الفرقاء.