علي هذا النحو من تغييب العقل، تسببت ندوة "العلاجات الشعبية" التي تبنتها وزارة الصحة عام 1996، بمستشفي الصحة النفسية، المشهورة بالأمراض العقلية بالعباسية ، في إجازة الدجل والشعوذة بترخيص حكومي، تحت مسمي العلاج بالقرآن، فعاث المشعوذون ب"عفاريتهم" من المردة والجان في محافظات المحروسة تسطيحا للأفئدة والابصار، وأصبحت استضافة أنصارهم في الفضائيات مادة رخيصة لجلب الإعلانات، بعدها انتقل هذا الوباء ،وشيئا فشيئا عبر الإعلام الي الدول العربية، التي استغاث بعض امرائها بالدجالين في مصر، لعلاج ما اعتبروه الحل الوحيد لإبراء من يهمهم أمره، من مرض نفسي أو صرع، او حتي فشل في النجاح او الإنجاب او حتي الزواج أو الحصول علي وظيفة مرموقة، بدعوي أنه "معمول له عمل" أو "مسحورله" !! رغم عدم إنكاري لشيء ، يتعلق بالسحر وما شابه قد أتي به القرآن، غير أن تحفظ كاتب السطور يأتي من ربط فشلنا في التقدم في أي شيء، أو في الوصول إلي ما وصل اليه غيرنا أو حصل عليه، أقول ربطه بالسحر والأعمال" وليس بعجز إرادتنا، التي جعلتنا نستدعي الوسيط" المعالج"، بدعوي إخراج عفاريت الفشل في الدراسة وتأخير سن الزواج والإنجاب، وانتشار حالات الطلاق، دون السعي لطرد شياطين الجهل فينا, ومردة الكره والحقد بيننا ، ووساوس تخريب البلاد وتدمير المنشآت، وتعطيل التنمية، من عقول المصريين والشعوب العربية. لا يليق أو يصح في القرن الحادي والعشرين، أن يعود عدد من الفضائيات في ظل التنافس علي جذب المشاهدين، إلي هذا السفه الإعلامي، بعرض حلقات عن إخراج الجن من الأبدان وإطفاء الحرائق التي أشعلتها عفاريته، بعرض مزاعم خوارق مدعي العلاج بالقرآن، بما يكرس للجهل وإن كنا لم نبرأ منه بعد ، ويجذر للتخلف وتعطيل التنمية التي مازلنا نحبو باتجاهها، لنصبح وكأننا كنا نحرث في البحر في ثورتينا 25 يناير و30 يونيه بحثا عن التغييروالتنمية الحقيقية والديمقراطية وحرية التعبير ومصر مختلفة جديدة بالعلم ، فإذا بهم يريدونها محلك سر،وهو ما سجله كاتب السطور وحذر منه في كتابه " عفاريت يعالجون المرضي" قبل نحو ثمانية عشر عاما دون جدوي !! في تقديري، انه ليس هناك من حل، سوي حل واحد دون سواه، وهو أن تصحح حكومة 2014 اخطاء نظيراتها في 1996 وما بعدها، بأن يرسل عصام الأمير رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون إلي غرفة صناعة الإعلام، كما فعل بشأن المسلسلات التركية، مطالبا القنوات الفضائية، بعدم بث وعرض هذه البرامج المشعوذة، بفتح الواو أو كسرها، لخطورتها علي عقل المشاهد، ودفعه للارتكان للجهل في علاج مشاكله الصحية والنفسية والاجتماعية، ودعوته للتسليم بأن تسخير الجان بوساطة "مشعوذ" هو أقصر طريق نحو تنمية الإرادات والموارد وحب مصر، بينما الحقيقة هي اختفاء معالم التنمية عند أقرب "يوترن" !! This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.