خلال العقد الحالى من القرن الحادى والعشرين ، كان و لا بد أن نسأل ، عندما ظهر الدليل واضحاً فى التسعينيات من القرن العشرين حول التفاوت الفاضح بين الفقراء و الأغنياء فى العالم ، لماذا تقاعس كل من صندوق النقد الدولى و البنك الدولى – التى أوكل إليها أمر محاربة الفقر – فى التصدى لهذا الداء الذى يضر بالفقراء ؟ ! . الإجابة عن هذا السئوال نناقشها بشىء من خلال ، ما يعرف " بإجماع واشنطن " الذى وضعت اطرة وتفاصيلة قلاع العولمة فى الولاياتالمتحدةالأمريكية و على وجة التحديد فى العاصمة واشنطن فى صندوق النقد الدولى و البنك الدولى . فمن النتائج المباشرة لتنفيذ خطط وبرامج " إجماع واشنطن " أن تراجع النمو الإقتصادى فى البلاد النامية من 3% بين عامى 1960- 1980 ليصل خلال الفترة من 1980- 2000 ، الى أقل من 1.5% . وتشهد الإقتصاديات الأفريقية انكماش يصل الى أقل من 0.8% سنوياً ، فى حين ضرب الركود أمريكا اللاتينيه فالشكل السائد للعولمة يعتمد على تفسير مفرد للنظام العالمى المعاصر ، وعملية التنمية . فيما يسمى " بإجماع واشنطن " – أشهر مرجعيات العولمة – هو نفسة أحد منتجات القاطرة الفكرية الأسياسية لتلك المعايير ، و التوحيد و التناغم المفترض كوكبياً ، و لا أدل على ذلك من كلمة " اجماع " كثيراً ما تستخدم لوصف منتج ، أى بناء أو نموذج ، تم التوصل الية دون وجود فرصة لمناقشتة بجدية ، أو الأشتراك فى إنشائة ، وعادة ما يفرض دون السماح بالأسئلة أو طرحها ، بالرغم من أنة يتعلق بالقواعد و الآليات و الهياكل و العمليات التى نشأ منها . غير أن تلك البنى و النماذج تؤثر ، وتحدد النتائج الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية ، بما فيها توزيع ثمار التقدم الإجتماعى و الإقتصادى ، و كرامة الأفراد و الشعوب على أمتداد سطح المعمورة . إن آليات "الهيمنة الفكرية الكوكبية " ، ومنطقها الداخلى تكاد لا ترى ، و عادة ما لا ينتبة لها ، لذلك تقبل محتويات الرسائل التى تبثها بدون نقد ، فى وجود تعطش و حماسة من المؤمنين الجدد بها ، أو انتهازية الرفاق اليساريين الذين لا يثيرون الأسئلة و يتحركون كالقطيع فى إتجاة الريح ، و عندما ترى" الهيمنة الفكرية الكوكبية " على حقيقتها ، وتفهم ، رد الفعل المعتاد هو أن ينظر إلى استعراضها للقوة هذا على أنة حقيقة من حقائق الحياة التى لا يمكن مقاومتها أو تحديها بفاعلية ، و الثمن المتوقع سياسيا و إقتصادياًَ و إجتماعياً ، وحتى على المستوى الشخصى لمحاولة القيام بذلك. إن " الهيمنة الفكرية الكوكبية " يجب أن تحظى بإهتمام خاص من الدول النامية أفراد و جماعات ، وكذلك بإهتمام ما يسمى بالإقتصاديات التى تمر بمرحلة التحول ، حيث إنها كلها تحاول أن تواجه و تتعامل مع تحديات و عمليات العولمة . فتبعيتهم الفكرية تعنى ميلهم للأعتماد الكلى على حفنة من المصادر " المتماثلة فكراً " فى الشمال فى البيانات ، والتحليل ، والتفسير ، و السياسة ، ووصف العلاج ، بما فى ذلك ما يتعلق منها بالتنمية فى بلدانها نفسها ، وهو ما يعتبر عاملاً أساسياً فى الإسهام فى تآكل سيادتها ، وفى إضعاف قدرتها على الإستجابة النقدية ، و بشكل يتسم بالدراية الكافية لتحديات العولمة – على المستويين المحلى و الدولى – أو الدفاع عن أو تنمية مصالحهم الخاصة ، وفى صيرورتهم – بالرغم من المقاومة و التردد فى أحيان كثيرة – مجرد تابعين . وكان من تأثير " الهيمنة الفكرية الكوكبية " تهميش ، بل ، وإلغاء شرعية قطاعات كاملة من أجندة التنمية السابقة – وهى بحق جوانب أساسية فيها ، فأسهمت فى تهميش و تحييد أهتمامات الدول النامية الأساسية على الصعيد العالمى ، وتم ذلك فى جانب منة بحرمانها من الحجج و المقدمات الأساسية التى كانت تدعم أجندتها فى التنمية ، والإحتياجات القومية و الدولية ، فهى أشياء لا تتوافق الآن مع عقيدة " الفرص المتكافئة فى الإستثمار " السائدة ، والتى لم تلق تحدياً على الإطلاق حتى الآن . فبإضعاف الدفاعات الفكرية ، وبالتالى السياسية للجنوب ، و بتحويل الأنتباة عن الهياكل الكوكبية ، بالتركيز بشكل شبة كامل على المشاكل الداخلية للجنوب ، وصراعاتة ، ومواطن الضعف الحقيقى أو المتوهمة ( مثل الفساد و اللاشفافية ) ، تجعل الهيمنة الفكرية الكوكبية ، الدول النامية وحكوماتها ألين قياده ، و أقل قدرة على المقاومة أو أتخاذ مبادرات مستقلة فى الشئون القومية ، و أقل بالطبع على المستوى الدولى .