فلكيا.. مولد المولد النبوي الشريف 2025 في مصر و3 أيام إجازة رسمية للموظفين (تفاصيل)    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 25 يوليو 2025    سعر المانجو والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    ما هي عقوبة مزاولة نشاط تمويل المشروعات الصغيرة بدون ترخيص؟.. القانون يجيب    وكيل النواب السابق: المستأجر الأصلي خط أحمر.. وقانون الإيجار القديم لم ينصف المواطن    بلومبرج: وزراء بريطانيون يضغطون على ستارمر لتسريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية    أسامة كمال: ضحينا بثرواتنا و100 ألف شهيد.. ومن تخلوا عن القضية الفلسطينية يدَعون البطولة    داليا عبدالرحيم تنعى أسامة رسلان متحدث «الأوقاف» في وفاة نجل شقيقته    الخارجية الأمريكية توافق على مبيعات عسكرية لمصر ب4.67 مليار دولار (محدث)    طارق فهمي: أكثر من 32 حركة احتجاج في تل أبيب ترفض الواقع الإسرائيلي    ماذا قال مندوب مصر بالأمم المتحدة في جلسة مجلس الأمن بشأن الوضع في الشرق الأوسط؟    «كان سهل منمشهوش».. تعليق مثير من خالد بيبو بشأن تصرف الأهلي مع وسام أبو علي    «العمر مجرد رقم».. نجم الزمالك السابق يوجه رسالة ل عبد الله السعيد    مبارتان وديتان للزمالك عقب نهاية معسكر العاصمة الإدارية    في ختام معسكر الإسكندرية.. مودرن سبورت يتعادل وديًا مع زد بدون أهداف    سام مرسي يودع إيبسويتش تاون برسالة مؤثرة    جريمة قتل في مصرف زراعي.. تفاصيل نهاية سائق دمياط وشهود عيان: الجاني خلص عليه وقالنا رميته في البحر    اللينك المعتمد لنتيجة الثانوية الأزهرية 2025 برقم الجلوس فور تفعيله على البوابة الرسمية    ادى لوفاة طفل وإصابة 4 آخرين.. النيابة تتسلم نتيجة تحليل المخدرات للمتهمة في واقعة «جيت سكي» الساحل الشمالي    "كنت فرحان ب94%".. صدمة طالب بالفيوم بعد اختفاء درجاته في يوم واحد    نقلة نوعية في الأداء الأمني.. حركة تنقلات وترقيات الشرطة وزارة الداخلية 2025    إصابة 6 أفراد في مشاجرتين بالعريش والشيخ زويد    الداخلية تكشف ملابسات ظهور شخص بحالة عدم اتزان بسبب المخدرات بالقليوبية    بدأت بفحوصات بسيطة وتطورت ل«الموضوع محتاج صبر».. ملامح من أزمة أنغام الصحية    إليسا تشعل أجواء جدة ب«أجمل إحساس» و«عايشة حالة حب» (صور)    «ربنا يراضيه».. فيديو لرجل مرور يساعد المارة ويبتسم للسائقين يثير تفاعلا    الثقافة المصرية تضيء مسارح جرش.. ووزير الثقافة يشيد بروح سيناء (صور)    وصلة بين جيلين.. حمدي أبو العلا ومصطفى إبراهيم في ندوة المهرجان القومي للمسرح    «دعاء يوم الجمعة» للرزق وتفريج الهم وتيسير الحال.. كلمات تشرح القلب وتريح البال    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    لتخفيف حرقان البول في الصيف.. 6 مشروبات طبيعية لتحسين صحة المثانة    برعاية رئيس مجلس الوزراء |حوار مع الشباب بالحقائق والأرقام    حقيقة رسوب 71% من طلال أولى طب بقنا و80% بأسنان في جامعة جنوب الوادي    أخبار كفر الشيخ اليوم.. مدرس يهدي طالبتين من أوائل الجمهورية بالثانوية سبيكة ذهبية عيار 24    «500 ألف كيس طحين».. حاجة ملحة لسكان غزة أسبوعيًا في ظل عدم انكسار المجاعة    بوفون ينتصر في معركته مع باريس سان جيرمان    وزير الطيران المدني يشارك في فعاليات مؤتمر "CIAT 2025" بكوريا الجنوبية    أسباب تأخر إعلان الحد الأدنى للمرحلة الأولى لتنسيق الجامعات 2025    دار الإفتاء: السبت غرة شهر صفر لعام 1447 هجريًّا    إعلام عبري: إصابة 8 جنود إسرائيليين بجروح خطيرة في قطاع غزة    انطلاق مؤتمر جماهيري حاشد بقنا لدعم مرشحة الجبهة الوطنية وفاء رشاد في انتخابات الشيوخ    الصيادلة: سحب جميع حقن RH المغشوشة من الأسواق والمتوافر حاليا سليم وآمن بنسبة 100%    تطورات صفقة انتقال حامد حمدان للزمالك .. سر وعد جون إدوارد للاعب الفلسطيني (خاص)    جمال الكشكى: دعوة الوطنية للانتخابات تعكس استقرار الدولة وجدية مؤسساتها    خالد الجندي: مساعدة الناس عبادة.. والدنيا ثمَن للآخرة    هل يحاسب الإنسان على المحتوى المنشور على السوشيال ميديا؟ أمين الفتوى يجيب    "تناغم بين البرتقالي والأبيض".. منة فضالي بإطلالة صيفية جريئة على اليخت    منة عرفة تتألق بعدة إطلالات جريئة في المالديف    "الصحة" تتخذ خطوات للحد من التكدس في المستشفيات    جولة مفاجئة لوكيل صحة المنوفية.. ماذا وجد فى مستشفى حميات أشمون؟    جلسة خاصة لفيريرا مع لاعبي الزمالك قبل المران    شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    غدًا.. "شردي" ضيفًا على معرض بورسعيد الثامن للكتاب    أمين الفتوى: لا يجوز التصرف في اللقطة المحرّمة.. وتسليمها للجهات المختصة واجب شرعي    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    وزير الأوقاف: فيديوهات وبوسترات لأئمة المساجد والواعظات لمواجهة الشائعات والأفكار غير السوية بالمجتمع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اسأل نفسك .. هل أحتاج ما أشتريه ؟
نشر في محيط يوم 07 - 01 - 2008


اسأل نفسك .. هل أحتاج ما أشتريه؟

احذر قبل الوقوع في إدمان الشراء
محيط – هاني ضوَّه
ظاهرة قديمة حديثة تسود العالم، سواء الشعوب المتقدمة أو النامية، وهي حمّى الاستهلاك، ونتساءل كم مرة ابتعت شيئا ثم بعد عودتك للمنزل وجدت أنك بغير حاجة حقيقية إليه؟ ، كثير من السلع نشتريها فقط لتظهرنا ضمن طبقة من الطبقات الراقية التي تعتاد على شراء هذا الصنف تحديدا ، هل فكرت يوما في أن وسائل الإعلام التي تتابعها كالتليفزيون أو الصحف لها يد كبيرة في هذا النهم الاستهلاكي؟، فالعولمة وما حملته على الشعوب النامية من أفكار وصور ذهنية جديدة كانت من أكبر المروجين لهذا التلاهف على الشراء، حينما يكون التسوق والشراء هدفا في ذاته .
يرجع علماء الإجتماع النزعة الإستهلاكية المتعاظمة لنهاية القرن التاسع عشر، حيث تفاخر الإقطاعيون الأوائل بثوب باذخ أو بالجواهر، هذا فضلاً عن استهلاكهم للكثير من منتجات الترفيه القادمة من اليونان وشرق البحر المتوسط والصين، حتى مع استنكار النقاد لذوقهم الهابط. كذلك أظهروا ولعاً ببعض السلع والمنتجات في ذلك الوقت كالسكر والحلويات التي عرفوها خلال الحروب الصليبية، واهتموا بالأشياء المنزلية المزخرفة، وكانت التجارة تتم بمقايضة السلع ببعضها حتى القرن التاسع عشر.
ولعله من الغريب أن بعض السلع التي لا تعتبر ترفيهيه الآن كان من أكثر السلع رواجاً عند طبقات الأغنياء قديماً، ولنضرب مثالاً بالملح، فقد كان المادة الأكثر شراء في أغلب الحضارات الزراعية، وهذا ما جعل تجار الملح في الصين من أغني التجار، وربما يرجع سبب غلاء الملح في ذلك الوقت أنه كان يستخدم في المقام الأول لحفظ اللحم، ما سمح باستهلاك المزيد منه. كذلك لم تكن المشروبات كالشاي والقهوة متاحة، وكانت المواد الأساسية هي الحطب والزيت والرز والملح في الصين، وكان الياباني إذا ما أراد إن يكون ناجحا، فيجب أن يحب الله ويمتلك عربة.
ظهرت نزعة الغرب الاستهلاكية مع بدايات القرن الثامن عشر، وكان شراء الخزامى إحدى بدع القرن السابع عشر، وبدأ أصحاب المتاجر يبيعون بعض المواد مخفضة السعر لجلب الزبائن وابتكروا وسائل تحايل خاصة، فهناك صورة من العام 1747 تظهر بائعاً يرتدي زي سيدة راقية لجذب الانتباه إلى حلية مبتذلة معروضة للبيع، وقد كان لسفر أهل الريف إلي الحضر والمدن أثره في إنتقال النزعه الإستهلاكية إليهم، كنوع من التقليد للأغنياء في المدينة، فكان تقليد أزياء الطبقات الراقية يتم بسهولة بنماذج أرخص. وحازت الساعات وأدوات ومبيعات العطور انتشارا وكانت المواد المنزلية تأتي في الدرجة الثانية كما شكلت مجلات الأطفال مادة استهلاكية جيدة، ونظمت السيركات في أواخر القرن السابع عشر.
وفي القرن الثامن عشر انتشر الصابون والقهوة وتبغ الغليون وأحمر الشفاه والأزرار المزخرفة والقبعات الخاصة والسكر كمادة جماهيرية. وأفرزت النزعة الاستهلاكية ظاهرة السرقة، خاصة الملابس. وترافقت مع حب المنازل القديمة والانتباه إلى الروائح ومزيلاتها لاحقا، والتضايق من الدخان داخل البيوت فظهرت الغلايات والمواقد، وتمّ الاهتمام بالمظلات المستعارة من النظام الصيني وانتشر الاهتمام بالأثاث والشبابيك الزجاجية.
وكان لتقليد الطبقات العادية الفقيرة لنزعة الأغنياء الإستهلاكية أثرها في زيادة تلك النزعة مرة أخري عند الأغنياء فكان السفر إلى المدن ورغبة المدنيين في تمييز أنفسهم عن الريفيين، والنمو السكاني كانت عوامل أضافية.
مع مرور السنوات وانفتاح البلدان والتحرر انتشرت الدرّاجات التي غدت مرتبطة بالحب وظهور بدعة التواعد العاطفي والوجبات الخفيفة ثم السيارة والدمى والكرات والمعدات الرياضية والروايات البسيطة وقصص الويسترن والتسلية. وفي عام 1930 كان الصابون مادة البقالة الثانية بعد الخبز في أميركا وأصبح الجنس وسيلة لملء وقت الفراغ وعزز الفراغ الاستهلاكوي قبول "الاتجاه البدعي" وأصبح الشعار: اشتر الآن وادفع فيما بعد، وزاد الطلب على الإعلان ووظفت الأنوثة كأداة إعلانية، وانطلقت هدايا عيد الميلاد وأصبحت العطلات تُخترع لأسباب تجارية لكن بمضمون عائلي وأعيد النظر في تقييم الفضيلة والرذية.

قبل أوربا الغربية والولايات المتحدة كانت هناك إشارات قوية للاهتمامات الاستهلاكية سبقت العصر الحديث، في مجتمعات مختلفة كثيرة، مما اعتبره أصحاب هذه الاهتمامات نوعًا من النزوع الإنساني الطبيعي متى كانت الظروف الاقتصادية تسمح به.
اهتم الفراعنة بالتسوق والشراء
في مصر الفرعونية، تشهد آثارها الماثلة بترف نخبتها من فراعنة وكهنة كانت عوالمهم تموج بالذهب والعطور والقصور والمعابد ومقتنيات المرمر والخشب المجلوب من وراء البحار، وهذا كله مما يمكننا ترجمته إلى معنى السلع الترفية أو الاستهلاكية في المفهوم الحديث.
ويشير الدكتور سليمان العسكري رئيس تحرير مجلة " العربي " الكويتية أنه يمكن أن نعثر على شذرات من هذه النزعة الاستهلاكية في الحضارات القريبة من الحضارة الفرعونية، إلا أن بيتر ن. ستيرنز أستاذ التاريخ بجامعة جورج ميسون يذهب إلى القول بأنه لم تكن هناك إمكانات استهلاكية واسعة بوجه خاص في الحضارات الزراعية قبل عام 800 قبل الميلاد، لأن الناس الأثرياء وجدوا في أثينا القديمة والصين الهانية "نسبة لأسرة هان الحاكمة في الصين".
فقد تباهى بيركليس الأثيني بوفرة السلع، التي جلبتها التجارة حول منطقة البحر المتوسط، وكانت العطور والمجوهرات متيسرة، وخلال عصر الإمبراطورية الرومانية كان الناس يستمتعون بلبس الثياب الفضفاضة المصنوعة من الحرير المستورد من الصين.
ولم يكن هذا الترف مما يمكن أن يدل بشكل صارخ على صعود الجذور الأولى للنزعة الاستهلاكية، فهذه الجذور تمددت واشتدت عندما استقر غبار انهيار الإمبراطوريات الكلاسيكية في روما، والصين الهانية، كما تطورت مستويات التجارة الإفريقية الأوربية الآسيوية بوجه خاص من خلال التجار المسلمين، وأصبح نبلاء أوربا وبعض رجال الأعمال الأثرياء فرصة أكبر لإظهار عادات أوحت بالنزعة الاستهلاكية بشكل أكثر تبلورًا .
وكان كثير من النبلاء يستهلكون المنتجات الترفية القادمة من اليونان وشرق البحر الأبيض المتوسط، ويظهرون ولعًا بالحرير المستورد من الصين، ودخل المحاربون العرب على حد تعبير ستيرنز في تحول مماثل نحو المنافع الاستهلاكية الأكثر وفرة في القرن العاشر، كما فعل النبلاء الإقطاعيون الأوربيون في القرن الثالث عشر . وكان القاسم المشترك هو الاهتمام المتنامي باللباس الفاخر، والولع بالواردات المستجدة، مثل الحلويات الشرقية التي عرفها النبلاء الإقطاعيون الأوربيون خلال الحروب الصليبية .
كان ذلك على مستوى الأثرياء من الشرق والغرب، أما الفقراء، فلم تنعدم لديهم هذه النزعة الاستهلاكية، ولكنها تمثلت في نطاقات محدودة ومتواضعة، لكن بالطبع ينطبق عليها منطق السلع الاستهلاكية، بمعني أنها ليست من الاحتياجات الأساسية ويمكن الاستغناء عنها، وتمثلت تلك النزعة في أشياء كثيرة منها أنهم كانوا يسافرون بعيدًا عن قراهم إلى البلدات ليشبعوا نزعتهم الاستهلاكية المتواضعة بمقايضة ما يمتلكونه من مواد غذائية ببعض الألبسة والأدوات التي لم تكن لازمة تمامًا لبيئاتهم البسيطة. وفي أوربا كانت المهرجانات القروية مناسبات جماعية تظهر فيها الأزياء الملونة . ولم يبتعد الأفارقة عن مثل تلك الاحتفالات الراقصة باذخة الألوان. أما الصين فقد كانت أكثر بذخًا في ألوانها واحتفالاتها.
محاولات دفاعية
مع انتشار تلك النزعة الاستهلاكية الشرهه برزت بالاتجاه الآخر حركات دينية مضادة مثل "الميثودية" بقيادة ت"شارلز وجون ويزلي" لإحياء الكنيسة الإنكليزية، وحركة التقوى الألمانية التي حرضت على دراسة الكتاب المقدس والخبرة الشخصية. كذلك النازية كانت حركة مضادة للاستهلاكية لأنها تسرق الاهتمام من الدولة والقائد، وكانت رواية توماس مان "مانبدينبروكز" نقدية بشكل مبكر تجاه "الغندرة" والتخنث.
كما أعتبر بعض النقاد الخنافس "الهييبز" حركة ثقافية معارضة للاستهلاك، وفي أواخر القرن العشرين أصبح الفلاح الفرنسي بطلاً حين يهاجم مطعم مكدونالدز وشهدت أوروبا نزعات مضادة للأمركة، فالكاتب الفرنسي جورج دوهامل إعتبر الأمركة مهددة للحضارة الفرنسية بالكسوف وصارت مناهضة الأميركان هواية قومية فرنسية ووُصفت السيطرة الأميركية الثقافية بالكولونيالية.
حتي الأمريكيون أيضاً أبدوا قلقاً من النزعة الاستهلاكية فهوجم الأفارقة الذين يرتدون الأزياء الصارخة، وحورب الإفراط الكحولي، والنشاط الجنسي المكشوف والعنف الإعلامي وأصبحت السمنة علامة كسل، إلا أن قلقهم كان أقل من القلق الأوروبي ويعود السبب إلى غياب التسلسل الهرمي الاجتماعي التقليدي وعدم وجود نزعات يسارية ولا سامية كما في أوروبا.
بقيت النزعة الاستهلاكية في روسيا معقدة وريفية الطابع ومتدينة، وزادتها الثورة البلشفية تعقيدا وقيودا. ففي الثلاثينات ظهرت قصور الاستجمام على البحر للقادة السوفيات وكان لزيارة خروشوف إلى أميركا سنة 1959 أثر صاعق برؤيته عجائب الاستهلاك الأميركية. في الثمانينات تحولت النزعة الاستهلاكية في روسيا إلى "هوية" بديلة لدى الشباب لكنها تضمنت على العموم تعقيداً تاريخياً أصيلاً.
حتى الياباني لم ينج
أما الصين فقد قاومت التأثيرات الاستهلاكية ولم تنشأ المخازن الكبرى إلا في أواخر القرن العشرين، وكان توظيف النساء فيها ملفتا بشكل سلبي. وساعدها النظام الشيوعي في الحد من تلك النزعة، فلم تنتشر المطاعم حتى الثمانينات.
أما اليابان فقد هامت بحمى الاستهلاك، رغم تعارضها مع الثقافة التقليدية اليابانية، مع أن أفلام رعاة البقر الأميركية تتصادم مع ثقافة الساموري، وبدا عجيباً أن تؤسس اليابان ديزني لاند في طوكيو في 1988، وأن يصبح عيد الميلاد عيداً شعبياً يمزج القومي بالعالمي. فاليابان صارت قائداً استهلاكياً لذاتها، صحيح أنها لم تبن مدينة سينمائية على غرار هوليود كما بنت ديزني لاند، لكن أفلام الكرتون اليابانية تغزو العالم.
تطور النزعة الإستهلاكية
لقد تطورت النزعة الاستهلاكية الحديثة مع تطور الحياة ووسائل الإتصال، وكذلك تطور النزعة الطبيعية للإنسان نحو الاستهلاك، كذلك تطور أماكن ووسائل العرض والإعلان عن السلع، فنجد أن الفضائيات قد ساعدت كثيراً في هذا الأمر، ولنبدأ بالإعلانات.
في السنوات الأخيرة تطورت وسائل وأساليب الإعلانات التي اقتحمت بيوت الكثير منا حتى باتت تهدد بإسقاط ما تبقى من بعض القيم والتقاليد والأرصدة البنكية، والإعلان هو نشاط تسويقي لا غنى عنه في العالم فهو يتسم بالمنافسة الشديدة حيث المنتجون والموزعون يتفننون في طرق تسويق السلع وحذب المستهلك إليها وتزينها في أعينهم بحيث لا تدع له فرصه ليتردد عند شراء تلك السلعة.
لذلك يرجح البعض أن الإعلانات التجارية هي المسئولة عن زيادة الاستهلاك الترفي في المجتمع، ويضع مصممي الإعلانات عند تصميم إعلان لبيع سلعة أو خدمة في اعتبارهم أن هناك ومستويات عديدة من الأهداف أولها إيجاد علاقة بين المشاهد والإعلان كأن يحفظ المشاهد الإعلان أو أن يجعله نغمة لتليفونه المحمول وهكذا، ثانيا نجاح الإعلان في التسويق الجيد للسلعة أو الخدمة وهو الأهم بالنسبة للمعلن وكذلك تصميم إعلان قادر علي البقاء والمنافسة فهناك إعلانات تستمر لفترات طويلة وتخلق ألفة بينها وبين الجمهور.
التسوق عبر التلفزيون:
هذا النوع الجديد من التسوق له أثره الكبير على العادات الشراءية للمستهلكين، فعلى شاشة التليفزيون لا تشاهد المنتجات التي تود أنت شراؤها، بل تشاهد المنتجات التي يرغبون هم في بيعها، وعرضهم لتلك السلع والتفنن في إبراز محاسنها ومنافعها يزين في عين وعقل المشاهد أهمية هذا المنتج، خاصة وأن أغلب تلك المنتجات هي منتجات ترفيهية ترتبط أكثر بالطبقات الغنية نسبياً. كذلك طول فترة الإعلان تؤثر كثيراً في اقتناع المشاهد بالمنتج.
التسوق عبر الإنترنت:
التسوق عبر الإنترنت هو التطبيق المباشر للتجارة الإلكترونية، فقد تعددت مواقع التسوق الإلكتروني على شبكة الإنترنت لتفي باحتياجات الزوار طبقا لاحتياجاتهم المتنوعة. بعض المواقع تبيع السيارات الجديدة والمستعملة وبعضها تبيع أجهزة الكمبيوتر وملحقاتها والبعض الآخر يبيع الملابس والمجوهرات والعطور كما توجد أيضا بعض المواقع المجمعة مثل "موقع نايل كوميرس" الذي يعتبر بمثابة سوق تجاري كبير يبيع منتجات متنوعة للعديد من الشركات حيث يعتبر "مول" كبير يضم العديد من المحلات.
ثقافة المولات الشرائية
اسأل نفسك .. هل أنا بحاجة إليه؟
لا تترك المولات الحديثة "الأسواق التجارية" سلعة واحدة يحتاجها المستهلك أو لا يحتاجها إلا وتضعها على أرفف العرض الخاصة بها، كما لا تتوانى تلك المولات عن متابعة كل ما تنتجه آلات العولمة الشيطانية واستيراده وعرضه أمام المستهلك التعيس الذي تزداد شراهته الشرائية يوماً بعد يوم التي تتحول إلى نمط حياة يومي وسلوك عادي مثله مثل الذهاب إلى العمل أو حتى زيارة الأقارب والأصدقاء.
خلقت هذه النوعية من المولات الثقافة الخاصة بها؛ فلم تقف المسألة فقط عند مجرد شرائنا لسلعة ما، قد نحتاجها وقد لا نحتاجها، لكنها تجاوزت ذلك إلى إعادة تطبيع البشر ثقافياً واجتماعياً. فالمول ليس مكاناً عابراً نذهب إليه ونشترى السلعة ونعود أدراجنا مرة أخرى إلى منازلنا بدون أن نتأثر به وبدون أنه يؤثر فينا، فهناك العديد من المظاهر المختلفة التي ترتبط بثقافة المول، طرحتها تلك المولات، ونشرتها في كافة أنحاء العالم، بحيث أصبحت ثقافة مقبولة ومتعارفا عليها.
لا تغلق المولات الباب أمام أي زائر أو مشتر، وهو الأمر الذي يتيح لأبناء الفئات الفقيرة زيارة هذه المولات ولو على سبيل التعرف والتلمس. وهو الأمر الذي يعمق الفروق الاجتماعية ويزيد من حدة الأحقاد والصراعات الاجتماعية ويفتح الباب واسعاً أمام المزيد من تلك التفاوتات المضرة ببنية المجتمع وأمنه الاجتماعي، فالمولات إحدى تجليات العولمة الكاسحة، التي تستنسخ لنا أجيالاً مقلدة، وتدفع بالبنى الاجتماعية لحدود غير مأمونة من التصادم والصراع.
العولمة وثقافة الإستهلاك
ليس التلفزيون والإنترنت والمولات هم المتهم الوحيد فمنذ ظهور العولمة سنة 1990م وهي تهدف إلى نشر ثقافة الاستهلاك وتصدير ثقافة السوق, وشل إرادة الإنتاج, وقتل الإبداع في الدول الفقيرة، وعمَدت إلى أن يتحقق ذلك جنباً إلى جنب مع إجبار هذه الشعوب على إنتاج ما لا تحتاج, واستهلاك ما لا تنتج.
ومن أجل تهيئة عقول شعوب العالم لقبول الفكر الاستهلاكي بسرعة وبغير إهدار للوقت, عمد منظّرو العولمة إلى السيطرة على وسائل الإعلام, وتطويرها بُغيةَ غزو عقول الشعوب, وخلق العقلية الاستهلاكية النهمة وتهيئتها لقبول ثقافة العولمة الاستهلاكية بسرعة وبغير إهدار للوقت. ولعل الكم الهائل من الإعلانات التجارية التي تصدعنا بها وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة في كل حين يؤكد لك هذا البعد، ويؤكد لك أن هذا أحد الأسباب التي ساعدت إلى حد كبير على خلق العقلية الاستهلاكية في مجتمعاتنا.
أين الحل ؟!!!
لعلنا نجد الحل في الماضي، ولنعود سوياً إلي ما قبل الآن 1300سنة تقريباً، وبالتحديد إلى في عصر التابعي المعروف والقاضي والشاعر المشهور أبو الأسود الدؤلي عندما اشتري حصاناً في ليلة ولكن يكن في حاجة إليه، بل اشتراه رفاهية. في تلك الليلة استيقظ أبو الأسود على صوت غريب, ولما بحث عن السبب وسأل أهله قالوا له: "إنه صوت الحصان يقضم شعيره طوال الليل".
فقال أبو الأسود الدؤلي مقولته الحكيمة التي في الحل: "والله لا أترك في مالي من أنام وهو يمحقه ويتلفه، والله لا أترك في مالي إلا ما يزيده وينميه"، وفي الصباح باع الحصان، واشترى بقيمته أرضا للزراعة وطبعاً كان يحتاجها.
العادات تنمى من الصغر
كذلك يكمن الحل في تنشئة الأطفال تنشئة إستهلاكية سليمة، فالأبناء الصغار يشاهدون آباءهم ينفقون بطريقة مبالغ فيها في الأسواق، وربما بشكل لا يتناسب مع الدخل الشهري أو السنوي للأسرة، ويشترون ما يفوق حاجاتهم حيث يخرج الآباء محملين بالسلع وأغلبها غير ضرورية. هذا المشهد يشير إلى افتقاد القدوة فيما يتعلق بوجود ثقافة استهلاكية إيجابية، كما أن هذا المشهد يعطي رسالة سلبية للأبناء الصغار، وكأن الآباء يدربونهم على أن يكونوا في المستقبل على غرارهم مدمنين للشراء ومبذرين.
هنا نتحدث عن حب التقليد فالصغار يحبون تقليد الوالدين، والعديد من الدراسات تؤكد أن 89% من الأطفال ينزعون إلى تقليد الكبار، بمعنى أن الطفل في المستقبل سيقلد التصرفات نفسها التي كان يرى والديه يقومان بها، ومنها ما يتعلق بالسلوكيات الاستهلاكية التي تحدثنا عنها. بل أن العديد من الدراسات التي تناولت النزعة الاستهلاكية لدى الأفراد تكاد تقترب من القول إن الأبناء يرثون في كثير من الأحيان القيم الاستهلاكية من آبائهم. بمعنى أننا يجب أن نتوقع أن أبناء الآباء غير المنضبطين استهلاكيا سينشأون على الشاكلة نفسها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.