أحدث الارتفاع في العائدات البترولية بالوطن العربي وخاصة الخليج طفرة هائلة في القدرات الشرائية للمواطنين.. لكن هذه الطفرة لم يواكبها تطور في مفهوم التسوق لدي شعوبنا العربية حيث أصبحت عوامل أخري تؤثر في قرارنا الشرائي. ومن أهم الأنماط التسويقية التي ظهرت خلال العقدين الآخرين بوتيرة متسارعة مراكز التسوق الشهيرة باسم "مول" المأخوذة من "mall) والتي يقصد بها مبني واحد كبير مكيف مركزياً له سقف واحد ويحوي عدداً من المحلات المستقلة التي تبيع بضائع مختلفة ومتنوعة. وهذا النظام مجرد صورة منقولة بكل تفاصيلها من الغرب لدرجة أنك تجد بعض الأسواق في الدول العربية مطابقة تماماً لنظيرتها في الولاياتالمتحدة من حيث تصميم المبني وسلالم الصعود والممرات وطريقة إبراز البضائع. كمائن الإغراء ولأن تلك الأسواق مصممة بطريقة أنيقة وفيها جاذبية للزبائن فإنها صارت تحمل إغراءات بالشراء لسلع ربما لا يكون المستهلكون بحاجة إليها ومن هنا يلاحظ ان بعض الناس يحملون كميات كبيرة من البضائع كلما ذهبوا للسوق وقد يركنونها في المنزل وربما لا يستخدمونها لأنهم وقعوا في فخ الإغراء الذي تحمله تلك الأسواق وهذا يوضح تغير النمط الاستهلاكي العربي بسبب ضياع فقه ترتيب الأولويات فاختلاط ما هو أساسي بالكماليات. ومن أبرز التغيرات التي طرأت علي ثقافة التسوق عندنا هي أن العائلة كلها صارت تذهب مع بعضها للتسوق ولم يعد الرجل وحده هو الذي يذهب ويشتري للعائلة كافة مستلزماتها ثم يعود حتي يتجنب الرجل عدم رضا عائلته عن اختياراته التسويقية. ومع إعطاء حرية الاختيار للأطفال الذين صاروا يقررون الألعاب والألوان والحاجات التي يرغبونها وكذلك الزوجة صارت لها حرية أوسع في قرار تحديد السلعة المناسبة لها ولزوجها سواء أكانت هي التي تدفع القيمة من مالها أو أن الزوج أو الأب أو الأخ الذي يرافقها هو الذي يتولي عملية السداد وبالتالي أصبحت عملية التسوق خارجة علي المنطق. لقد تحولت الأسواق من كونها مجرد مكان للبيع إلي مكان للترفيه أيضاً وهذا يعني أن الشخص أو الأشخاص يقضون فيها وقتاً أطول إما بسبب تعدد المحلات أو بسبب إعطاء الأطفال الوقت للاستمتاع بالألعاب. ففي دولة مثل الأردن كان عدد مراكز التسوق قليلاً جداً في مطلع القرن الجديد وظل ارتيادها حكراً علي أبناء الطبقة الغنية من الأردنيين وإلي عهد قريب ظلت ثقافة "المول" ثقافة استهلاكية واقتصادية غريبة علي معظم الأردنيين أما اليوم فإن قائمة المولات تزداد ومرتادو المولات من كافة الشرائح والأعمار يزدادون أيضاً الفقراء وميسورو الحال والأغنياء والطبقة الوسطي الشباب والفتيات والأطفال والبالغين.. مكان واحد يجمع الجميع. ثقافة التسوق من مكان واحد حلت مكان ثقافة التسوق والترفيه التقليدية في الأسواق الاعتيادية والحدائق والمناطق المفتوحة ويري خبراء اقتصاديون أردنيون ان هذا النمط من الاستهلاك والتسوق أصبح جزءاً من حياة الأردنيين وحياة العالم بأكمله ويرون ان المولات تضفي تقاليد استهلاكية جديدة لم تكن موجودة أو متعارفاً عليها مسبقاً مثل العروض التجارية والسحوبات والخصومات. وساهمت مما لا شك فيه مراكز التسوق "المولات" في تحول المجتمع العربي إلي مجتمع استهلاكي خاصة دول الخليج التي تشهد طفرة في الاستثمارات في عدة مجالات التي صاحبها ظهور أسواق ومجمعات تجارية ضخمة. وقد يكون انتشار مراكز التسوق في الدول غير البترولية واضح لكن معظم الرواد في هذه الدول يكونون من الطبقة الثرية والتي تتميز بأن لديها نزعة قوية لتقليد الغرب في فكرة الخروج "للشوبنج" حتي ولو كانت الأسرة لا ينقصها شيء. والمشكلة ان ثمة أجيالاً ترتبط بحياة المولات من استهلاك وإغراءات مطاعم الوجبات السريعة والماركات العالمية وثقافة الاختلاط بين الجنسين. ووفقاً لبيانات صادرة عن المجلس العالمي لمراكز التسوق فإن دول مجلس التعاون الخليجي الست ستنفق ما يزيد علي 18 مليار دولار حتي عام 2009 في إنشاء مراكز تجارية وأسواق متخصصة لجذب السائحين من كل أنحاء العالم. التسوق بالترفيه!! وقدر المستثمر السعودي فهمي العمران في تصريح صحفي نشرته صحفية اليوم السعودية الشهر الماضي حجم المراكز التجارية الكبري والمغلقة المتكاملة الخدمات في السعودية بأكثر من 500 مركز وصلت الاستثمارات فيها إلي أكثر من 35 مليار ريال. وعزا تزايد انتشار مراكز التسوق السعودية في الفترة الأخيرة إلي نمو ثقافة التسوق بالترفيه حيث توفر هذه المراكز احتياجات المستهلك متوقعاً ان تصل مساحة هذه المراكز في عام 2010 إلي أكثر من 35.16 مليون متر مربع. وأشار إلي أن عدد السكان الكبير في السعودية والمقدر حالياً بنحو 28 مليون نسمة يلعب دوراً هاماً في جعل السعودية سوقاً واعداً للمستثمرين فضلاً عن انتعاشها محلياً بفضل تطور مفهوم التسوق وتنامي حجم انفاق الفرد وارتفاع الطلب. لكن هذا الإسراف في تطوير هذه المراكز يعني أن المواطن العربي سيقع ضحية التنافس فيما بينها بشتي أساليب الدعاية التي تقدم إغراءات كبيرة لشراء سلع قد لا نكون في حاجة لها وستسهم في خلق أنماط استهلاكية جديدة غالباً ستكون ذات طابع غربي.