كنت أراه كالبجعة في أيامها الأخيرة حين تستشرف الموت فتتجه إلى شاطيء المحيط وتنطلق في رقصتها الأخيرة وتغرد تغريدتها الوحيدة الشجية ثم تموت .. تتناول رواية "تغريدة البجعة" مجتمع وسط البلد القاهري بمميزاته الفريدة التي تصهر كل من فيه في قالب واحد له سماته العامة. الحلم في تغريدة البجعة - وفق مجلة "ديوان العرب" -هو الأمل في وطن مفقود، هذا الوطن تجسد في صورة حبيبة من زمن الشباب عند مصطفى، أو حبيبة تجسدت فيها معاني الكون الصوفي كقطب تحوم الروح حوله عند عصام، أو كرفيقة نضال عند أحمد الحلو، وقد يكون الوطن حبيباً يحتوي الروح الهائمة الباحثة عن الحب لتسكن على شاطئه عند زينب. تغوص الرواية ، وفق الناقدة انتصار عبدالمنعم ، في مشاكل الوطن فتشعر بالنار تحرق جسدك المحاصر في مسرح بني سويف وترى نفسك في واحد من تلك الصناديق الخشبية وقد تيبس جسدك، وتشعر أنك سجين وتلهبك سياط سجانك في أبي غريب وتلفحك شمس جوانتنامو. وتمشي مع المتظاهرين تسب وتلعن أمريكا، وتجد نفسك محاصراً في جنوب لبنان وتحت القصف في غزة. بالإضافة إلي ذلك ترصد الرواية ظاهرة تسطيح الفكر الديني ليركز على تدين المظهر الذي امتد لتغيير أسماء الشوارع، فشارع خوفو أصبح أسمه خاتم المرسلين والعمل في مؤسسات المجتمع لا يجوز لأنه مجتمع جاهلية وظهور صرعة الفتاوى الغريبة من رجال الدين نجوم الفضائيات وتواري أصوات عبد الباسط ومحمد رفعت وظهور أصوات لا يميزها شيء غير أنها مستوردة . يمثل المقهى - وفق يسري عبد الله بجريدة "الحياة" اللندنية - البؤرة المركزية التي تتفرع منها الحكايات والأماكن .. أمكنة متعددة وثقافات مختلفة لنصبح أمام وعي يتجاوز الواقع المحلي ليرصد واقعاً أشمل، وأشد شراسة في الآن نفسه، واقع تشكله آليات السوق الراهنة، والرأسمالية الغازية: "الوقت بعد منتصف الليل بقليل. والمقهى على وشك الإغلاق، ثمة رواد قلائل لا يشغلون أكثر من منضدتين، يلعبون بروح ثأرية غير مبالين بالبرد والصقيع. كنت أحتمي بوجودهم ضد كآبة الجرسون وعصبيته وهو ينظر الى ساعته بمعدل ثابت كل خمس دقائق، ثم يهز رأسه بعصبية وغيظ". تطرح الرواية السؤال الملتبس هل كانت حرب أكتوبر استرداداً للكرامة وميلاداً جديداً لأمة أم إيذان برحيل الحب/الوطن وتواري المعنى؟ ومن شخصيات الرواية: ياسمين التي رآها مصطفى تجسيداً لحبيبته الراحلة رغم كل الاختلافات بينهما، ومصطفى راوي الأحداث، وعصام الفنان الحساس الذي يعشق بكل روحه وكيانه في نظرة صوفية خالصة لمن يحب ، وأحمد الحلو اليساري المتحول للفكر الوهابي الذي جعل من نفسه متحدثاً باسم الإله ليحكم على كل المجتمع بأفراده ومؤسساته بما يمليه عليه فكره الذي ينتمي لأربعة عشر قرناً مضت، وغيرها من الشخصيات.