جسّد الروائي مكاوي سعيد في روايته (تغريدة البجعة) الصادرة عن (الدار للنشر والتوزيع) علاقة الجدل بين التناقضات. وأنّ الصراع بين الجمال والقبح ضمّ مجمل هذه التناقضات. وتميزت الرواية بأنّ إعادة تشكيل الواقع روائيا جاء إبداعًا يعتمد علي الإيحاء. كما تحقق (الجدل الفني) من خلال تعدد الرؤي بتعدد الأصوات واستبعاد الأحادية التي تقتل الإبداع. وتعتمد الرواية علي نظام الدوائر، والراوي في قلب هذه الدوائر. فنجد إشارة إلي اسم شخصية أوحدث في الصفحات الأولي ، ولكن الدائرة لاتكتمل إلاّ بعد عدة صفحات. فمثلا نجد أنّ (هند) ماتت في الصفحات الأولي ، بينما هي تنبض بالحياة حتي نهاية الرواية. ورغم أنّ الثنائيات تبدومنفصلة عن بعضها البعض ، فقد جمعها خيط واحد هوالحب. الراوي مدمن التردد علي المقاهي والبارات فتعرّف علي العديد من الأشخاص. وهو في أحيان أقرب إلي الإنسان البوهيمي الفطري وفي أحيان أخري نراه شديد القسوة وفي أحيان ثالثة يكون رومانسيا. ثنائية مصطفي وهند الثنائية الأولي بين الراوي وحبيبة عمره (هند) التي أحبّته بتلقائية الفطرة. أحبّتْ فيه الإنسان والشاعر المحب للبشر. عفويتها ملأتْ روحه بطيفها النوراني. ضرب القدر ضربته القاتلة ، إذْ تموت في لحظة عبثية. سقطتْ عليها دانة من مخلفات حرب أكتوبر73ولكن حبه لها ظلّ نابضًا في وجدانه. بعدها تعرّف علي الفتاة ياسمين. عقله المضطرب وحياته العبثية جسّدا له روح هند في وجه وجسد ياسمين. ولأنّ روح هند ظلتْ ترفرف داخله ، فإنّ رصده لثنائيات الحب جاء متسقًا مع حالته الشعورية. عصام وسامنثا الثنائية الثانية بين عصام وسامنثا السنغافورية. ورغم أنّ الراوي توجّس من هذه العلاقة ، وخشي علي صديقه من هذه السنغافورية التي كرهها ، فقد تغير موقفه منها بعد موتها من الكراهية إلي الحب. إذْ أنها أصرّتْ وهي في مرض الموت علي أنْ تُبريء عصام من أية حقوق لها. وعرضتْ عليه أنْ يقاسمها مالها وفقًا لشريعتها البوذية. وعندما كان الراوي يلفظ أنفاسه الأخيرة رأي وجه سامنثا بجوار وجه أمه. زينب وخوليو الثنائية الثالثة بين زينب وخوليوالمكسيكي. كانتْ زينب عشيقة للراوي ولكنها رفضتْ معاشرته لها عندما أحبّتْ خوليو الموسيقارالشعبي الجوال في رحلة له في مصر. وبعد أنْ عاد إلي وطنه أرسل لها دعوة لزيارة المكسيك تمهيدًا للزواج. حب خوليو لها طهّرها وخلصها من حياة الصعلكة. تذكر الراوي علاقة الحب العميقة التي عاشها الفنان المكسيكي دييجو ريفيرا وزوجته الفنانة فريدا كالو، التي أقعدها المرض وأصبحتْ عاجزة عن الخروج والتواصل مع العالم . فماذا فعل الزوج العاشق؟ رسم علي أسقف الشقة وجدرانها وأعمدتها كل الأشخاص الذين كانت تحبهم زوجته ، والأماكن التي كانت تشتاق إليها : المزارع والسماء والنباتات التي تحبها ، والحياة الطبيعية لسكان المكسيك التي تعشقها إلخ . وعن هذا الفنان المكسيكي (دييجو ريفيرا) كتبتْ عنه د. مرفت عبدالناصرأنه كان يعشق زهرة (الكلا) المصرية الشبيهة بزهرة اللوتس المصرية أيضًا. وأنّ زهرة الكلا كانت البطلة المفضلة في عدد غير قليل من أعماله الموجودة في متحف لوس أنجلوس. ومن بين تلك الأعمال لوحة لامرأة عارية (نراها فقط من الخلف تحتضن سلة هائلة مملوءة بزهورالكلا وفي أرضية اللوحة تختلط حدود الجسد الأنثوي العاري بمعالم وحدود الزهورنفسها كما لوكانت الزهور تخرج من تربة جسدها. لون الجسد العاري الذي صبغته الشمس مع بياض تلك الزهرة ، خلق تناغمًا غريبًا في التضاد. هارمونية الخطوط والألوان لامرأة تحتضن الحياة بل تبدو كأنها والزهرة شيئاً واحداً: الحياة) (دارشرقيات عام 2005 ص 89) فإذا كانت الرواية تخلو من أية أخبارعن زينب بعد سفرها إلي المكسيك ، فإنّ الكاتب قدّم البديل الذي يعتمد علي لغة الفن بالإيحاء بأنّ قصة الحب الحقيقية بين ريفيرا وفريدا ستتجدد بين زينب وخوليو. أحمد وشاهيناز الثنائية الرابعة بين أحمد الحلو وزوجته شاهيناز التي ظلتْ مجرد ظل لزوجها. في البداية تأثرتْ بأفكاره الماركسية إلي درجة الشطط، ولكن عندما قدّم استقالته من العمل في الحكومة (الكافرة) ليبيع البسبوسة وشرائط القرآن ، تنقبّتْ شاهيناز وعملتْ في مدرسة (إسلامية). ثنائية الحب الخامسة بطلها كريم (أحد أطفال الشوارع) الذي أحبّ زميلته وردة التي شوّه وجهها في لحظة غضب ومع ذلك ظلّ يتنفس حبه لها ويبكي كلما تذكرها. داخل دوائرالحب تبرز مارشا الأمريكية التي تستغل صداقتها بالراوي لإنتاج فيلمها التسجيلي عن أطفال الشوارع. ويتساءل الراوي هل هو اهتمام بريء أم لأغراض سياسية؟ وقال لنفسه : هربتُ من أمريكا في الماضي ، وها أنا أخدم أهدافها الآن. مخاوف الراوي من مارشا قدّمها الكاتب بشكل فني عندما رفض (الراوي) تسليم أشرطة الفيلم التي صوّرها لمارشا. محور آخر هو انتقال بعض اليساريين من الماركسية إلي الأصولية الإسلامية. ومحورثالث هو تحول بعض الماركسيين إلي العمل في النشاط الاقتصادي الطفيلي. فإذا كانتْ الأصولية الدينية تُشكل خطرًا علي المجتمع العصري ، فإنّ الاقتصاد الطفيلي حليف الأصولية في هدم التنمية وخنق الحرية. ومحوررابع هو تغلغل الأصولية الدينية في جسد المجتمع المصري. نسج الكاتب شخصية الراوي بلغة الفن. فرغم العبثية في علاقاته بأقرب الناس إليه ، فإنه عندما بلغه خبر وفاة أمه تمني أنْ تعود إلي الحياة (أحملها فوق ظهري وأطوف بها العالم) ويدخل الشقة ليستنشق رائحة أمه ، ولأنّ الراوي يكتب الشعر فكأنه يعيد صياغة ماكتبه الشاعر الكبير عبدالرحيم منصور (ما تفسروش حلمي/ أنا بس باتمني/ ريحة خبيزأمي/ جايه من الجنه) وعندما قرّرالانتحاركتب لأولاد شقيقتيه شهادات استثماربمبالغ كبيرة. وانتشل كريم من حياة التشرد بأنْ اشتري له محلا تجاريا ليبدأ حياة جديدة مستقيمة ومستقرة. انتحار انتحرالراوي بالحبوب المخدرة وليس بواسطة المسدس الذي كان يحمله وأوحي بأنه سيقتل به مارشا الأمريكية. فما هو مصير المسدس؟ قبل الانتحار أعطي المسدس لكريم. فماهوالمغزي؟ هل يريد الكاتب أنْ يقول إنّ كريم هوالأمل؟ وهل الأمل يكمن في السلاح الذي يؤدي إلي القتل؟ ومن هو المستهدف بالقتل؟ أسئلة يطرحها مغزي إعطاء المسدس لكريم. وهذا ما أختلف فيه مع رؤية الكاتب ، إذْ أنّ العنف لايولد إلاّ العنف ، حتي لوكان المبرركما جاء علي لسان الراوي (نحن في حاجة إلي بحور دم نبذلها في مقابل حريتنا الأبدية) (ص 232). إنّ هذه الملاحظة لاتُقلل من أهمية هذا العمل الأدبي البديع ، الذي وعي الكثير من مفردات الشخصية المصرية. وصاغ الكاتب هذا الوعي بلغة الفن ، مثل وعي أطفال الشوارع ببؤسهم وأساليبهم في مقاومة هذا البؤس. كما رصد ظاهرة المرأة المصرية التي تترمل أوتُطلق وتفضل تربية أولادها علي الزواج ، وأنّ الجنس آخر ما تفكر فيه. ومثل وعي الكاتب بقيمة التسامح المصري ، إذْ أنّ سكان الحارة الشعبية التي تربي فيها الراوي ، عندما يرونه مع صديقته الأمريكية ويدخل بها شقته (استقبلته الجارات بود وعاملنها كما يعاملون عروسة المولد) والرسالة هنا أنّ الأميين المصريين يؤمنون بالتعددية ويقُدّسون خصوصية الإنسان. ذكرالراوي أنّ البجعة في أيامها الأخيرة حين تستشرف الموت ، تتجه إلي شاطيء المحيط وتنطلق في رقصتها الأخيرة وتُغرّد تغريدتها الوحيدة الشجية ثم تموت. كذلك فعل الراوي ، فهو أيضًا يستشرف الموت ، بل إنه حدّد لحظة موته. وإنْ كان لم يرقص كما ترقص البجعة ، فإنه استعاض عن ذلك بالوجوه المحببة إليه. وتذهب قراءتي في الربط بين موت البجعة وانتحار الراوي ، إلي أنّ الشعوب التي لاتدافع عن شرعية الحياة بما فيها من بهجة ، مصيرها الفناء. طلعت رضوان البجعة في أيامها الأخيرة تتجه إلي المحيط وتغرد ثم تموت.. هكذا فعل مكاوي سعيد جسّد الروائي مكاوي سعيد في روايته (تغريدة البجعة) الصادرة عن (الدار للنشر والتوزيع) علاقة الجدل بين التناقضات. وأنّ الصراع بين الجمال والقبح ضمّ مجمل هذه التناقضات. وتميزت الرواية بأنّ إعادة تشكيل الواقع روائيا جاء إبداعًا يعتمد علي الإيحاء. كما تحقق (الجدل الفني) من خلال تعدد الرؤي بتعدد الأصوات واستبعاد الأحادية التي تقتل الإبداع. وتعتمد الرواية علي نظام الدوائر، والراوي في قلب هذه الدوائر. فنجد إشارة إلي اسم شخصية أوحدث في الصفحات الأولي ، ولكن الدائرة لاتكتمل إلاّ بعد عدة صفحات. فمثلا نجد أنّ (هند) ماتت في الصفحات الأولي ، بينما هي تنبض بالحياة حتي نهاية الرواية. ورغم أنّ الثنائيات تبدومنفصلة عن بعضها البعض ، فقد جمعها خيط واحد هوالحب. الراوي مدمن التردد علي المقاهي والبارات فتعرّف علي العديد من الأشخاص. وهو في أحيان أقرب إلي الإنسان البوهيمي الفطري وفي أحيان أخري نراه شديد القسوة وفي أحيان ثالثة يكون رومانسيا. ثنائية مصطفي وهند الثنائية الأولي بين الراوي وحبيبة عمره (هند) التي أحبّته بتلقائية الفطرة. أحبّتْ فيه الإنسان والشاعر المحب للبشر. عفويتها ملأتْ روحه بطيفها النوراني. ضرب القدر ضربته القاتلة ، إذْ تموت في لحظة عبثية. سقطتْ عليها دانة من مخلفات حرب أكتوبر73ولكن حبه لها ظلّ نابضًا في وجدانه. بعدها تعرّف علي الفتاة ياسمين. عقله المضطرب وحياته العبثية جسّدا له روح هند في وجه وجسد ياسمين. ولأنّ روح هند ظلتْ ترفرف داخله ، فإنّ رصده لثنائيات الحب جاء متسقًا مع حالته الشعورية. عصام وسامنثا الثنائية الثانية بين عصام وسامنثا السنغافورية. ورغم أنّ الراوي توجّس من هذه العلاقة ، وخشي علي صديقه من هذه السنغافورية التي كرهها ، فقد تغير موقفه منها بعد موتها من الكراهية إلي الحب. إذْ أنها أصرّتْ وهي في مرض الموت علي أنْ تُبريء عصام من أية حقوق لها. وعرضتْ عليه أنْ يقاسمها مالها وفقًا لشريعتها البوذية. وعندما كان الراوي يلفظ أنفاسه الأخيرة رأي وجه سامنثا بجوار وجه أمه. زينب وخوليو الثنائية الثالثة بين زينب وخوليوالمكسيكي. كانتْ زينب عشيقة للراوي ولكنها رفضتْ معاشرته لها عندما أحبّتْ خوليو الموسيقارالشعبي الجوال في رحلة له في مصر. وبعد أنْ عاد إلي وطنه أرسل لها دعوة لزيارة المكسيك تمهيدًا للزواج. حب خوليو لها طهّرها وخلصها من حياة الصعلكة. تذكر الراوي علاقة الحب العميقة التي عاشها الفنان المكسيكي دييجو ريفيرا وزوجته الفنانة فريدا كالو، التي أقعدها المرض وأصبحتْ عاجزة عن الخروج والتواصل مع العالم . فماذا فعل الزوج العاشق؟ رسم علي أسقف الشقة وجدرانها وأعمدتها كل الأشخاص الذين كانت تحبهم زوجته ، والأماكن التي كانت تشتاق إليها : المزارع والسماء والنباتات التي تحبها ، والحياة الطبيعية لسكان المكسيك التي تعشقها إلخ . وعن هذا الفنان المكسيكي (دييجو ريفيرا) كتبتْ عنه د. مرفت عبدالناصرأنه كان يعشق زهرة (الكلا) المصرية الشبيهة بزهرة اللوتس المصرية أيضًا. وأنّ زهرة الكلا كانت البطلة المفضلة في عدد غير قليل من أعماله الموجودة في متحف لوس أنجلوس. ومن بين تلك الأعمال لوحة لامرأة عارية (نراها فقط من الخلف تحتضن سلة هائلة مملوءة بزهورالكلا وفي أرضية اللوحة تختلط حدود الجسد الأنثوي العاري بمعالم وحدود الزهورنفسها كما لوكانت الزهور تخرج من تربة جسدها. لون الجسد العاري الذي صبغته الشمس مع بياض تلك الزهرة ، خلق تناغمًا غريبًا في التضاد. هارمونية الخطوط والألوان لامرأة تحتضن الحياة بل تبدو كأنها والزهرة شيئاً واحداً: الحياة) (دارشرقيات عام 2005 ص 89) فإذا كانت الرواية تخلو من أية أخبارعن زينب بعد سفرها إلي المكسيك ، فإنّ الكاتب قدّم البديل الذي يعتمد علي لغة الفن بالإيحاء بأنّ قصة الحب الحقيقية بين ريفيرا وفريدا ستتجدد بين زينب وخوليو. أحمد وشاهيناز الثنائية الرابعة بين أحمد الحلو وزوجته شاهيناز التي ظلتْ مجرد ظل لزوجها. في البداية تأثرتْ بأفكاره الماركسية إلي درجة الشطط، ولكن عندما قدّم استقالته من العمل في الحكومة (الكافرة) ليبيع البسبوسة وشرائط القرآن ، تنقبّتْ شاهيناز وعملتْ في مدرسة (إسلامية). ثنائية الحب الخامسة بطلها كريم (أحد أطفال الشوارع) الذي أحبّ زميلته وردة التي شوّه وجهها في لحظة غضب ومع ذلك ظلّ يتنفس حبه لها ويبكي كلما تذكرها. داخل دوائرالحب تبرز مارشا الأمريكية التي تستغل صداقتها بالراوي لإنتاج فيلمها التسجيلي عن أطفال الشوارع. ويتساءل الراوي هل هو اهتمام بريء أم لأغراض سياسية؟ وقال لنفسه : هربتُ من أمريكا في الماضي ، وها أنا أخدم أهدافها الآن. مخاوف الراوي من مارشا قدّمها الكاتب بشكل فني عندما رفض (الراوي) تسليم أشرطة الفيلم التي صوّرها لمارشا. محور آخر هو انتقال بعض اليساريين من الماركسية إلي الأصولية الإسلامية. ومحورثالث هو تحول بعض الماركسيين إلي العمل في النشاط الاقتصادي الطفيلي. فإذا كانتْ الأصولية الدينية تُشكل خطرًا علي المجتمع العصري ، فإنّ الاقتصاد الطفيلي حليف الأصولية في هدم التنمية وخنق الحرية. ومحوررابع هو تغلغل الأصولية الدينية في جسد المجتمع المصري. نسج الكاتب شخصية الراوي بلغة الفن. فرغم العبثية في علاقاته بأقرب الناس إليه ، فإنه عندما بلغه خبر وفاة أمه تمني أنْ تعود إلي الحياة (أحملها فوق ظهري وأطوف بها العالم) ويدخل الشقة ليستنشق رائحة أمه ، ولأنّ الراوي يكتب الشعر فكأنه يعيد صياغة ماكتبه الشاعر الكبير عبدالرحيم منصور (ما تفسروش حلمي/ أنا بس باتمني/ ريحة خبيزأمي/ جايه من الجنه) وعندما قرّرالانتحاركتب لأولاد شقيقتيه شهادات استثماربمبالغ كبيرة. وانتشل كريم من حياة التشرد بأنْ اشتري له محلا تجاريا ليبدأ حياة جديدة مستقيمة ومستقرة. انتحار انتحرالراوي بالحبوب المخدرة وليس بواسطة المسدس الذي كان يحمله وأوحي بأنه سيقتل به مارشا الأمريكية. فما هو مصير المسدس؟ قبل الانتحار أعطي المسدس لكريم. فماهوالمغزي؟ هل يريد الكاتب أنْ يقول إنّ كريم هوالأمل؟ وهل الأمل يكمن في السلاح الذي يؤدي إلي القتل؟ ومن هو المستهدف بالقتل؟ أسئلة يطرحها مغزي إعطاء المسدس لكريم. وهذا ما أختلف فيه مع رؤية الكاتب ، إذْ أنّ العنف لايولد إلاّ العنف ، حتي لوكان المبرركما جاء علي لسان الراوي (نحن في حاجة إلي بحور دم نبذلها في مقابل حريتنا الأبدية) (ص 232). إنّ هذه الملاحظة لاتُقلل من أهمية هذا العمل الأدبي البديع ، الذي وعي الكثير من مفردات الشخصية المصرية. وصاغ الكاتب هذا الوعي بلغة الفن ، مثل وعي أطفال الشوارع ببؤسهم وأساليبهم في مقاومة هذا البؤس. كما رصد ظاهرة المرأة المصرية التي تترمل أوتُطلق وتفضل تربية أولادها علي الزواج ، وأنّ الجنس آخر ما تفكر فيه. ومثل وعي الكاتب بقيمة التسامح المصري ، إذْ أنّ سكان الحارة الشعبية التي تربي فيها الراوي ، عندما يرونه مع صديقته الأمريكية ويدخل بها شقته (استقبلته الجارات بود وعاملنها كما يعاملون عروسة المولد) والرسالة هنا أنّ الأميين المصريين يؤمنون بالتعددية ويقُدّسون خصوصية الإنسان. ذكرالراوي أنّ البجعة في أيامها الأخيرة حين تستشرف الموت ، تتجه إلي شاطيء المحيط وتنطلق في رقصتها الأخيرة وتُغرّد تغريدتها الوحيدة الشجية ثم تموت. كذلك فعل الراوي ، فهو أيضًا يستشرف الموت ، بل إنه حدّد لحظة موته. وإنْ كان لم يرقص كما ترقص البجعة ، فإنه استعاض عن ذلك بالوجوه المحببة إليه. وتذهب قراءتي في الربط بين موت البجعة وانتحار الراوي ، إلي أنّ الشعوب التي لاتدافع عن شرعية الحياة بما فيها من بهجة ، مصيرها الفناء.