يمر اليوم الذكرى الثانية على رحيل الفنان الفوتوغرافي الشاب هاني الجويلي، الذي رحل في 15 أبريل عام 2007 إثر حادث سيارة أليم حينما كان عائدا من الإسكندرية هو وزوجته وصديقه الفنان الأمريكي وزوجته التي لقيت حتفها هي الأخرى بعد الحادث بعدة أيام. نشأ الفنان هاني الجويلي وترعرع في بيئة فنية عريقة، حيث أنه ابن للفنان والناقد الكبير كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد, كما أن أمه هي الفنانة الراحلة فاطمة طلبه، وهذا أتاح له منذ صغره رؤية كبار الفنانين التشكيليين في مصر والتعرف على أعمالهم، وكذلك معرفته الجيدة بالفنانين الرواد التي سمعها من والدة الذي عايش معظمهم كما أنه كان تلميذا للفنان أحمد صبري رائد فن البورتريه في مصر. معيشته في كل هذه الأجواء الفنية، وارتياده المعارض منذ صغره، وإقامته معرضه الأول في الخامسة من عمرة جعله فنانا متفردا، يحمل خبرة فنية كبيرة من حيث التذوق والنقد وممارسة الفن الفوتوغرافي.
ولد الجويلي الصغير في 16ديسمبر 1969 بالقاهرة, وتخرج في كلية الفنون التطبيقية قسم الزخرفة بجامعة حلوان عام 1992, واستطاع أن يحصل على عضوية نقابتين معا وهما: نقابة الفنانين التشكيليين, ونقابة مصممي الفنون التطبيقية.
حياته كانت حافلة بالمعارض، ففي عام 1998 أقام معرضا خاصا بالمعهد الإيطالي الثقافي بالزمالك، كما سافر في بعثة إلى روما للإقامة والتجريب والإبداع لمدة ثمانية عشر شهرا حتى 1999, ولم تفته الفرصة في إقامة معرض بجامعة بروجيا, وآخر بالأكاديمية المصرية بروما.
عاد بعد ذلك إلى بلده محملا بخبرات جديدة اكتسبها من الخارج, ودفعه حماسه إلى إقامة معرض بأتيليه القاهرة في فبراير عام 2000, وبعدها بشهرين في المعهد العالي للفنون التطبيقية بمدينه 6أكتوبر أقام معرض آخر.
من اعمال الجويلي توالت بعدها معارض الفنان التي زينت جدران مركز الجزيرة للفنون عامي 2001, و2005, ومعرض "خيط أحمر رفيع" الذي كان أتيلييه القاهرة عام 2006 والذي عرض فيه لوحاته الفوتوغرافية التي التقطها عن ما شاهدته مصر من تظاهرات عارمة عام 2005, فأخذ يترصد احتشاد آلاف الجنود في مواجهة المتظاهرين ويلتقط كادراته ببراعة, فقد اهتم بإظهار ملامح الأشخاص, ونظرات العابرين المندهشة أو الخائفة، وقبضة الحرس على الحواجز الحديدية، والتجمعات التي تبدو من الأعلى كتلاً منفصلة ومتدافعة.
لم تهدأ عدسة الفنان منذ معرضه الأول فقد كان يشترك في الكثير من المعارض الجماعية من بينها جماعة الفن والمجتمع, وصالون الجمعية الأهلية, صالون الشباب "الرابع, الخامس, السابع, التاسع, الثاني عشر, الثالث عشر, الخامس عشر", صالون الأعمال الصغيرة, المعرض القومي, نور الشكل, نجوم اليوم.
كما اشترك مع بعض الفنانين في إقامة معارض ثنائية مع الفنانة علياء الحريري, وسحر الأمير, ولبنى زكريا, ولم يبخل الفنان في التبرع بريع بعض أعماله في معرض "فناني مصر لصالح شهداء القدس", وابتكر هو وأصدقاءه معرض اليوم الواحد الذي أقامه بصحبة الفنان محمد الجنوبي, ومحمد أبو النبي بقاعة الهناجر. وقبل رحيله بشهر واحد أقام معرض "على حافة الذاكرة" في مدينة حلب بسوريا بمناسبة احتفالياتها كعاصمة للثقافة الإسلامية. شارك ببينالي القاهرة الدولي الثالث للخزف 1996, وبينالي شباب البحر الأبيض وأوروبا تورينو إيطاليا في إبريل عام 1997, و7 فوتوغرافيين من المتوسط أوروبا بيوساسكو إيطاليا في عام 1997, وبينالي خيال الكتاب الدولي الثاني بمكتبة الإسكندرية عام 2005. كما انضم لورشة عمل دولية فوتوغرافية في فيرتشيللى, وتوسكانا بإيطاليا عامي 1997, 1998. من اعمال الجويلي كان يمارس أيضا الكتابة حيث نشر عدة مقالات في النقد وتحليل الفن والمعارض التشكيلية في عدة إصدارات منها دورية الأهرام - أحوال مصرية, وأنتج كتاب "النصوص والفوتوغرافيا -دنيا وعلامات لأشياء أخرى", ومن أهم أعماله مجموعة فوتوغرافيات السمبوزيوم الدولي للنحت بأسوان، وفي المرحلة الأخيرة التي عاشها الفنان كثرت استضافته في الندوات والمؤتمرات, من بينها إدارة المناقشة في ندوة أقيمت على هامش معرض "التصوير الفوتوغرافي ذو الرؤية الذاتية" وذلك في مركز الجزيرة للفنون, كما تحدث في ندوة "المفاهيمية بين الشرق والغرب" بقاعة ممر 35 بمتحف محمد محمود خليل وحرمه عن ضرورة ارتباط الفنان ببيئته. أما معرضه الأخير الذي أقامه في حياته والذي توفي بعد افتتاحه بعدة أيام هو "بني آدم" بقاعة "آرت اللوا ..مساحة الفنون المعاصرة" والذي استمر عرضه بعد وفاته شهرا كاملا. والذي كتب هاني فيه قبل رحيله " " أنا الفوتوغرافي جئت.. أبحث عنك أجدك أحملك معي ونمضي سويا.. على دروب الذاكرة معا نتلاشى لكن كائنا من ورق سيبقى ليحكي أننا كنا هنا هكذا.. الآن.. أيها الساكنون على سطح فوتوغرافياتي.. أين نلتقي.. وكيف تتحدد لحظات اللقاء.. الأسئلة.. معجزة العقل التي تتوهج عبر متون الصور.. أسئلة السكون والحركة.. العتمة والنور.. التلاشي والسطوع.. صورنا هي فعل مقاومة ضد الفناء.. تنبعث مذاقات الحنين والأسى من رحيق البصريات التي تحمل عبق لحظات الزمن المنفلتة.. تتقاطع مصائرنا وتتباعد في مصفوفة نسيجها ألياف الذاكرة ومومياوات العصر الحديث. ". حاز هاني الجويلي في حياته على العديد من الجوائز، منها أربع جوائز في صالون الشباب السنوي, وجائزة الدولة للإبداع الفني الفوتوغرافي عام 1998, كما حصل على شهادة تقدير من الجمعية المصرية للنقاد عن المشاركة في مسابقة نقدية عن فن وحياة الفنانة تحية حليم عام 1994. وفاز أيضا بجائزة الدولة التشجيعية في سن مبكرة. في حفل تأبينه أقامت له قاعة الفنون التشكيلية بنقابة الفنانين التشكيلين معرضا ضم أربعين عملا للفنان، كما أقيم له معرضا على هامش ندوة تحدث بها الناقد سيد هويدي والفنان عادل السيوي والفنان وحيد القلش في مكتبة الإسكندرية، وفي العام الماضي "الذكرى الأولى لهاني الجويلي" أقام مركز سعد زغلول الثقافي معرضا شاملا لأعماله التي صورها في إيطاليا ومصر، وعبر من خلالها عن رؤيته للإنسان والمكان. الفنان الراحل هاني الجويلي في العام الماضي تقدمت أسرة هاني الجويلي بجائزة في التصوير الفوتوغرافي تحمل اسم هاني الجويلي في مسابقة الطلائع بجمعية محبي الفنون الجميلة، وكانت قيمتها 1000 جنية، كما أن أسرته تستعد الآن لوضع كتاب كبير يضم مسيرة هاني الفنية، ومجموعات من صوره الفنية في مراحله المختلفة؛ ليكون سجلا لتاريخه وأعماله تقدم للأجيال، كما يعد حاليا فيلما تسجيليا يضم مختارات من أعمال هاني وسيرته الذاتية مع أعمال والده في فيلم واحد يعده الفنان أحمد يوسف. يقول الناقد كمال الجويلي الأب: ظهرت موهبة هاني الفوتوغرافية وهو في العاشرة من عمره، حين رأى شقيقتيه اللتين يصغرهما بنحو عشر سنوات وهما يصوران بعضهما في المرآة، فتسلل وأحضر كاميراته البدائية الصغيرة، والتقط صورة لإحداهما في المرآة من زاويتين أذهلت الجميع، ومن هنا بدأ تشجيعه وإتاحة الفرص أمامه عاما بعد عام بإهدائه آلات تصوير ثمينة مجهزة تماما بعدسات مختلفة وأجهزة تتيح له طباعة أفلامه بنفسه، وكانت بمثابة معمل خاص مقام له بالمنزل. وحين حصل على الثانوية العامة وجاء التحاقه بكلية الفنون التطبيقية رفض أن يلتحق بقسم التصوير، وفضل أن يدرس في قسم التصميم الداخلي والزخرفة، خوفا على هوايته المحببة من أي تأثير خارجي، وظل يقتني الكتب والمجلات الفنية في التصوير الضوئي ويتابع أحدث ما يستجد في هذا الميدان على مستوى العالم، وهذا ما أتاح له فرصة الفوز في كل المسابقات التي دخلها.
تميزت لوحات هاني الفوتوغرافية بطابع خاص عن فناني جيله, حيث تغلغلت اللقطة الفوتوغرافية داخل نفس الإنسان المصري، بل جذبته نحوها فتمكن المواطن البسيط من الإحساس بأعماله والخوض فيها, وفي خضم رصده الفني للبيئة المصرية، رحل هذا الفنان الرقيق بسرعة كلمح البصر مخلفا رصيدا كبيرا من الأعمال الفنية سيبقى ليشهد على إبداعه. يدون الجويلي في موقعه الخاص المؤثرات التي انعكست عليه فكرياً وفنياً وكأنه كان يتنبأ بموته المفاجئ ونقرأ :
"..... في الحياة تتوالى الصور والمشاهد في شريط لانهائي، على هذا الطريق أقف لأتأمل وأحاور وأجادل هذه المتوالية، أبحث عن ذلك المشهد الفاني في قوام اللحظة أرصد وأسجل شهادتي على الزمن، ثم احتوى هذا الحنين والشجن والتطلع وأعود إلى أوراقي وأداوتي ابحث في مركب أوراقي الحساسة، مياه التقنية الخطيرة فإذا صمد فهو ما تشاهدونه وتتفاعلون به، وما يغيب في المحصول فهو تماما ما يدعوني للعودة مرة أخرى كي اصنع قاربا جديدا كي اكتشف عالما وحلما وأنشودة تبحر بي ثانية إلى لقاء ولحظات قلائل أقف فيها صامتا، أرصد وأترقب تعبيرات الوجوه في مرآة الفن والحياة ....." .