تنشط في الآونة الأخيرة بمصر حركة تشكيلية ترمي للتبادل الثقافي بين الحضارات من خلال إقامة المعارض المشتركة بين الفنانين المصريين وفناني الدول الأخرى , ومن أحدث هذه المعارض " معرض ملتقى الفنانين الدوليين ، نحت الفنان د. عبد المنعم حيوان
الذي يضم عشرة فنانين مصريين وعشرة فنانين أمريكيين ، عمل الفنان "نبيل مقار" على تجميعهم , ويقام بقاعة الفنون التشكيلية بدار الأوبرا. محيط : رهام محمود الفنانون المصريون العارضون كانت لهم بصمة جلية بحركة الفن التشكيلي المصري وهم: صلاح طاهر- د.عبد المنعم الحيوان- مكرم حنين- مصطفي مشعل- صبري ناشد- د.إبراهيم غزالة- عمر النجدي- شكري ناشد- حسن عبد الفتاح- ازميرالدا حداد, أما الفنانين الأمريكيين المشاركين فهم: ميرجا كليميت- دان كاري- بفرلي السون- ذكي فنديكوجلو- مارتيا دانتونيو- اى وين وكراتز- نانسي ليندن- نبيل مقار- جيميس فيليبس- روبرت وايت سميث. تنوعت الاتجاهات الفنية في هذا المعرض وشملت المدرسة الواقعية, والرومانسية, والتعبيرية, والتكعيبية, والتجريدية, والتعبيرية الرمزية, كما يضم المعرض أعمالا نحتية, ولوحات تصوير, والتصوير الفوتوغرافي, وتعددت الخامات المستخدمة في المعرض, فمنها ألوان الزيت, والجواش, والألوان المائية, كما يوجد لوحات لفنان أمريكي بالقلم الرصاص. يضم المعرض حوالي خمسة وأربعون عملا فنيا ومن بين العارضين الفنان د. عبد المنعم الحيوان رئيس قسم النحت بكلية الفنون الجميلة سابقا, اشترك في المعرض بثلاثة أعمال نحتية, جميعها بخامة البوليستر, ففي عمل بعنوان "فتاة وحمامتان" مزج بين المدرسة التكعيبية والموتيفات الشعبية "عناصر ورموز من الفن الشعبي" مثل استخدامه "للكرسي والحمامة" ولمحة من البيئة المصرية, فصور الفنان فتاة جالسة على مقعد عريض "دكة" أسفلها حمامتان يتحركان في أرجاء المنزل, مظهرا في التكوين بشكل عام الإيقاع الزخرفي, كما أهتم الفنان بموضوع الأمومة, فمن بين أعماله المعروضة تمثال بعنوان "الأمومة", وهو يمثل أمرأة جالسة بمسطح عريض تحتضن بزراعيها طفلها الجالس في حجرها, فالفنان يعطي لمسة صرحية لمنحوتاته, تجعل أعماله أكثر ثراءا, وفي العمل الأخير قدم الفنان تكوين تجريدي جمع بين اتجاهين "الاتجاه العضوي والهندسي" فنرى الجزء السفلي من العمل عبارة عن أجزاء مستطيلة طولية, تذكرنا بأعمدة المباني المستطيلة, تتجمع مع بعضها لتحمل شكلا مستوحى من الأشكال العضوية.
اما الفنان إبراهيم غزالة أستاذ بكلية فنون جميلة المنيا قسم التصوير, قدم لوحتين تنتميان للمدرسة الواقعية, فصور مشاهد من الحياة اليومية باليمن, ورسم مجموعة من المباني المشيدة على منطقة جبلية, من أعمال إبراهيم غزالة وفي لوحة أخرى صور حي شعبي من اليمن محاط بالمساكن, واستخدم الفنان اللون الموف الرومانسي في السماء, واللون البني الهاديء بكثرة في المساكن, والباستل هي تلك الخامة التي أستخدمها بإحساس مرهف, اختار غزال هذين العملين من مجموعة لوحات تم عرضها سابقا باليمن, ويقول الفنان أن فكرة العمل بالتعاون بين فنانين مصريين وفنانين من دول أخرى هي بمثابة تبادل ثقافي مشترك, لربما تنجح الأفكار الفنية فيما تفسده السياسة. اهتم الفنان مصطفى مشعل بالفن المعاصر والإنسان والأحداث الجارية, التي أعطته الشحنة لرسم أشخاصه, اشترك الفنان بلوحتين في المعرض يمثلان بورتيريهان , وعبر عن الخوف والقلق في حالة من الجو السحري الذي ينقل غرابة الواقع بإسلوب تجريد تعبيري, مع الاحتفاظ بالعناصر الأكاديمية, وأخذت أعماله طابعا دراميا, كما أستخدم الفنان خامة الباستيل في لوحاته. يقول الفنان: أن الحركة في العمل الفني لها زمن نسبي, والأشكال في تناغمها ومضاعافتها تعطينا إحساس لزمن يطول أو يقصر, وأن إستدعاء الزمن من العقل الباطن يحضر اشكالا جمالية مختلطة ورمزية. عرض الفنان نبيل مقار لوحتان بالمعرض, وهو فنان مصري هاجر إلى أمريكا منذ أربعين عاما, لكن تفكيره ووجدانه لم ينفصلا عن مصر, استطاع الفنان مقار أن يكون مجموعة الفنانين الدوليين, ويقول إن هذا المعرض أنشيء للتفاهم والسلام والإنسانية, ليجمع بين الشعوب عن طريق الفن, وإنه فرصة لكي نبرهن للفنانين الأمريكان أن الفن المصري متقدم منذ آلاف السنين, وإنه فن قوي صامد لا يندثر. أما الفنان مكرم حنين قدم لوحتين بالمعرض, صور بإحداهما أمرأة رافعة يديها ترتدي ثوبا أحمر, ملامح وجهها تشبه المرأة الفرعونية, تطير فوقها حمامة رمز للسلام, وتنقسم الخلفية إلى مساحات هندسية ملونة بدرجات اللون الأزرق في أعلى اللوحة, وباللونين الأصفر والأحمر أسفلها, ألوانه زاهية تميزت بالنقاء والصفاء. يقول الفنان مكرم حنين المستشار الفني للأهرام... نعم يحتاج العالم الآن اكثر من أي زمن إلى إنتفاضة من اجل السلام بين الشعوب ..انتفاضة للحق والخير والجمال واستعادة المحبة المفقودة بين البشر وقبول الآخر واعلاء القيم الإنسانية والبعد عن النعرات الطائفية والعصبيات المدمرة, لهذا يحتاج الجميع إلى إبداعات الفنان, بل إلى الآلاف من الفنانين للدفع بهذه القيم إلى وجدان البشر, فالفن لغة عالمية تتخطى الحدود الجغرافية الواهية وتنفذ عن طريق العيون الى الذاكرة والمشاعر التى يبثها الفنان تحدث حوارا رائعا بينه وبين الآخرين, ووسائل الفنان البسيطة مثل: الخط, واللون, والمساحة, والكتلة, والفراغ, لا يمكن أن يتعاظم فعلها في المتلقي إلا عندما يحملها الفنان مشاعره وتأملاته ورؤيته واسلوبه الخاص وعمق موهبته الفطرية. ومن بين الفنانين الأمريكيين العارضين, قدم فنانا لوحة كولاج "قصاقيص الورق المجمعة في لوحة" تصور أشخاص أمريكان تحولوا إلى فراعنة يرتدوا الثياب وغطاء الرأس الفرعوني, ووجد بالعمل أوراق من العملات الأجنبية, لوحة للفنان مكرم حنين وكتابات باللغة اللاتينية كأنها تمثل الكتابات التي ظهرت مع أعمال الفراعنة, كما وضع فقرة كتابية بالغة الأنجليزية تعني لنحزو حزو المصري وكرر هذه الكلمات في أماكن مختلفة بالعمل, وهذا العمل يعتبر دليلا على تأثر الأمريكان بالفن المصري. وفي لوحات الفوتوغرافيا صور فنان مجموعة فتيات ترتدين الزي الأوزباكستاني, استخدم الفنان الوسائل الحديثة والتقنيات المختلفة للتصوير الضوئي, ليظهر اعماله بضوء عال جدا يجذب عين المشاهد من بعد, وفي لوحة أخرى لنفس الفنان صور مبنى يحمل نفس الإحساس السابق بالتقنية والإضاءة العالية. كما قدم فنانا ثلاثة لوحات رومانسية, تصور إحداهم رجل وإمرأة يتناجيان وسط مساحة شاسعة من الورود, وفي لوحة أخرى نفس الرجل والمرأة بمفردهما في مساحة واسعة من العشب, فوقهما السماء الصافية التي صورها الفنان بألوان هادئة ورومانسية. وعرض فنانا دراسة مفصلة لشجرة رسمت بالقلم الرصاص, تظهر التفاصيل الدقيقة, والنتوءات البارزة من الشجرة. ويعتبر هذا المعرض المصري الأمريكي في دورته الثانية من أهم المعارض التي جمعت بين فنانين مصريين وأمريكان في روح تعاون وتبادل ثقافي مشترك.