في بيت الأمة أقيمت الندوة الثانية من ندوات مركز سعد زغلول الثقافي في موسمه السابع "أوراق شتوية" وذلك بندوة تحت عنوان "أثر التفككية على وحدة الفنون". محيط رهام محمود استضافت الندوة المفكر الكبير الدكتور عبد الغفار مكاوي, والدكتور محسن عطية, وقد أدار الندوة الناقد الفنان سيد هويدي المشرف على مركز سعد زغلول. بدأ الفنان سيد هويدي بالحديث عن موضوع الندوة ووحدة الفنون باعتبارها العمارة والرسم والتصوير والنحت والموسيقى بشكل عام, فهي تقوم بعمل نسيج حياتي يؤثر في كل نواحي الحياة, وأن وحدة الفنون تتعرض الآن لهجمة شرسة جدا من خلال سطوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة بتأثير الصورة على الطاقات الإبداعية. تحدث هويدي عن أهمية الصورة وعلاقتها بالأدب الذي فسرة كتاب "قصيدة وصورة" للكاتب الكبير د. عبد الغفار مكاوي, حيث تحدث بالندوة عن العلاقة الحميمة بين الفنون المختلفة كالرسم أو التصوير أو الشعر, وتتبع العلاقة بينهما بمقدمة كبيرة بدأت من الإغريق والرومان وأنتهت بعصرنا الحالي, واستشهد بالعبارة المشهورة أن الرسم شعر صامت, والشعر رسم ناطق التى جائت عن لسان الشاعر اليوناني القديم "سيموندس" والتي لها خاصية مشتركة وهي المحاكاة, فالشاعر فنان وهو محاكي ورسام. كما أشار د. مكاوي إلى أن العبارة الأهم والتي أثرت في تاريخ الفن هي عبارة الشاعر الروماني هوراس عندما قال: كما يكون الرسم يكون الشعر أي أن الشاعر ايضا يرسم ولكن بالكلمة لا بالريشة, ولكن مكاوي أكد أن في عصر النهضة جاء من يقول العكس حيث تولى النقد الفني إناس كثيرون يقولون أن الشعراء العظام هم أيضا رسامون عظام كشكسبير, وهوميروز, وجبران خليل جبران فهؤلاء جمعوا بين الرسم والشعر, ولكن هناك من أعترض على هذا وقالوا أنها مبالغة, لأن هذا يؤدي إلى ألفاظ غامضة مثل الإلهام وهو الإيحاء, فالقصة قصة, والدراما دراما, والرسم رسم, فقد جاء الأديب والفيلسوف والكاتب المسرحي الالماني ليسنج في أواخر القرن الثامن عشر وقال: أن هناك حدودا فاصلة, فالرسم مكاني والشعر زماني, فإذا حاول الشعراء رسم الأماكن فسيفشلوا, والعكس. أيدة في الرأي "إلفن بادت" الذي جاء في العصر الحديث وأكد أن الفنون بينهما حواجز لا يصح أن تخلط, واستطرد مكاوي أن في القرن العشرين حدث تفاعل كبير جدا بين الفنون وبخاصة أن هناك مئات من الشعراء تأملوا لوحاتا وصورا واعمال نحتية معمارية, واستلهموا منها مئات القصائد, وذكر د. عبد الغفار أنه وقع في يدة كتاب للناقد الالماني "كرانس" وعنوانه "قصائد على صور" دعم إيمانه بأن من الشعراء والكتاب من هم شعراء ورسامون في آن واحد كمايكل أنجلو رسام وشاعر, وصلاح جاهين, وأحمد مرسي, كما وجد أن هناك محاولات عند الشعراء في التصوير والرسم, وكذلك من الشعراء من ينظر إلى الصورة وبعد ذلك يستوحيها إما بإنطباعاته عنها أو تأملاته الكونية أو الفلسفية, فلوحة الموناليزا تحدث عنها اثنى عشر شاعرا كلا منهم برؤيته الخاصة, أما الشاعر أحمد زكي أبو شادي كان رائدا في ترسيخ قصيدة الصورة في الشعر العربي كقصيدة "الصحراء والماء" وصف فيها البدو والخيمة. وفي نهاية حديث د. عبد الغفار مكاوي أكد أن هناك علاقة حميمة بين التصوير والشعر في وحدة تجمع الفنون جميعا وهي محاكاة الحياة, ثم قرأ مجموعة من القصائد الصغيرة لبعض الشعراء في وصف عناصر الصورة. ثم أضاف هويدي أن في الربع الأول من القرن العشرين كان لمدرسة الباوهاوس الالمانية "انشأت بالمانيا في سنة 1920" إسهام مؤثر وهام جدا فيما يتعلق بوحدة الفنون, حيث كانت هي هدفها الرئيسي, وقد الفنان سيد هويدي بعدها الدكتور محسن عطية الذي تحدث عن الأخطار التي تواجة وحدة الفنون اليوم. بدأ د. محسن عطية بالحديث قائلا: إن موضوع وحدة الفنون قضية مهمة فيوجد كتاب عنوانة "وحدة الفن الإسلامي" وكتب كثيرة تكلمت عن علاقة الفن التشكيلي بالشعر من خلال لوحات شرحت عن طريق الشعر من ضمنها الدكتور "عبد الغفار", لكن القضية الملحة الآن هي القضية العكس, وهي أن الفنون يراد بها أن تفك! وبالذات أكثر في معارض ما بعد الحداثة, فمعارض الفن التشكيلي المنتشرة الآن والموجودة في صالونات الشباب, وبينالي القاهرة والإسكندرية الدولي وما قبلها ومنذ عشر سنوات كانت المشكلة الخاصة بالفن المعروض بالنسبة للجمهور هو أنه به تداخل زائد لدرجة أن الناس قالوا لماذا لا يذهب للسينما؟ هذا على سبيل المثال. فمثلا فن "الأنيستليشن" وظيفة تشبة وظيفة العاملين بالديكور وخاصة المحلات والعرض للبضائع والعرض المسرحي, وقد أوضح د. عطية أن الأنيستليشن معناها التجهيز في الفراغ, هدا يحدث بالمسرح؟ وأضاف أن من يقومون بالعرض التمثيلي الشخصي في المعارض لماذا لا يذهبون للمختصين بالتمثيل؟ المشكلة الآن أن هذا المعروض ينتسب إلى الفن التشكيلي أم أنه هو فن تشكيلي؟ وهو يتساءل كيف سنقوم بهذا الفن التشكيلي؟ ومن يقوم بالعرض التمثيلي يذهب إلي أين؟ وأجاب إن هؤلاء الخريجين بكليات الفنون يذهبون للإشتراك في المعارض التمثيلية, ويشتركون في التجهيز في الفراغ, لذلك حدثت فجوة. لهذا يرى د. عطية ضرورة إعادة تصنيف هذا الفن هل ينتمي للفنون التشكيلية؟ أم إن القائمين بالعروض التمثيلية يذهبون إلى التمثيل, فهو يؤكد أن المشكلة تحتاج إلى إعادة بحثها فلسفيا, وذكر أنه منذ وقت قريب كان في بينالي طشقند, وأثيرت هذه المسألة هناك, حيث كان المحكمون من بينهم فرنسيين يبحثون عن إجابة لعدة تساؤلات, هل هذا فن تشكيلي ينتمي ألينا أم أنه ينتمي إلى السنيما؟ ولو كان فيديو؟ وهكذا فهو يقترح أن المشكلة تحتاج إلى أن يعاد النظر أليها مرة أخرى. وحدثت مداخلات عديدة بين الجمهور والمتحدثين طرحت خلالها تساؤلات حول مدرسة الباوهاوس, وتوجهات ما بعد الحداثة. وأختتم الفنان سيد هويدي الندوة بقوله إن الصورة الإعلامية صورة وسيطة, بينما الصورة التي تتعلق بالفن والإبداع صورة متجسدة, وينبغي أن تتوافر الموضوعية في تناول الأشياء.