أعرب الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة " إيسيسكو" أن العالم الإسلامي يجتاز اليوم مرحلة ً محفوفة بالتحديات والمخاطر تستدعي تضافر الجهود لتقوية التضامن الإسلامي على جميع المستويات. لمواجهة التحديات والمخاطر التي تهدف إلى إضعاف الكيان الإسلاميّ الكبير، وإعاقة مسيرة التنمية في مختلف المجالات، وتحول دون المضيّ قدمًا لتحقيق النهوض الحضاري الذي ينقل الأمة الإسلامية من حالة الضعف والعجز، إلى حالةٍ متقدمةٍ من القوة والقدرة، بعون الله وتوفيقه. وقال في كلمة له ألقاها اليوم في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإسلامي الثامن لوزراء الثقافة في المدينةالمنورة : « إذا كان للعمل الإسلامي المشترك مسارات متعددة يسلكها عبر قنوات كثيرة، فإن المسارَ الثقافيَّ يتجه نحو تجديد البناء الحضاري للأمة، من خلال آليات عملية تعتمد الوسائل التنفيذية التي من شأن الأخذ بها والعمل على استغلالها على نحو أفضل، أن يؤديا إلى النهوض الثقافي الذي هو الشرط الموضوعيُّ للنهضة الشاملة في جوانبها السياسية والاقتصادية والإنمائية والاجتماعية والتربوية والتقانية والإعلامية». وأضاف قائلا ً في افتتاح المؤتمر الذي يضم وزراء الثقافة في الدول السبع والخمسين الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، ويعقد برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، إن الثقافة في مفهومها الشمولي وفي مدلولها الواسع العام، ليست ترفًا يُستغنى عنه، وليست هي من الكماليات التي لا ضرورة لها في كل الأحوال، ولكن الثقافة في عمقها ومحتواها وأبعادها، هي من الحاجات الملحة ومن الضرورات المؤكدة التي تتطلبها التنمية الشاملة المستدامة لبناء الإنسان ونماء الأوطان. وأوضح أن العمل الإسلامي الثقافي المشترك أداة للتقدم على شتى المستويات، ووسيلة للارتقاء بالإنسان ولازدهار الحياة ولإنماء المجتمع، في هذه المرحلة الدقيقة التي يتوجّب علينا استثمار كل الإمكانات المتاحة للنهوض بالعالم الإسلامي نهوضًا شاملا ً، ولتقوية التضامن الإسلامي، وللحفاظ على الخصوصيات الروحية والثقافية والحضارية، ولحماية المصالح العليا لأمتنا المجيدة في أجيالها الحالية والمقبلة. وأشار إلى أنه في هذا الإطار المتكامل، تدخل جهود المتابعة والتنفيذ التي تقوم بها الإيسيسكو للاستراتيجيتين المكملتين، وهما : (استراتيجية العمل الثقافي الإسلامي خارج العالم الإسلامي)، و(استراتيجية تطوير تقانات المعلومات والاتصال في العالم الإسلامي)، اللتان ترسمان معالم الطريق أمام الدول الأعضاء كافة، وأمام المجتمعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي، للنهوض بالعمل الثقافي في مفهومه العام. وهو ما سيتضمنه تقريرا المدير العام حول هذا الموضوع اللذان سيقدمان إلى المؤتمر. وقال المدير العام للإيسيسكو موضحًا الأهداف التي يسعى المؤتمر لتحقيقها : « ينعقد هذا المؤتمر تحت شعار (من أجل تعزيز الحقوق الثقافية في العالم الإسلامي لخدمة الحوار والسلام)، الذي يعبر بدقة ٍ عن اهتمامات الإيسيسكو باعتبارها الضميرَ الثقافيَّ للعالم الإسلامي. ولقد جاء اختيار هذا الشعار منسجمًا ومتوافقًا مع القرارات والتوصيات التي صدرت عن الدورة السابعة للمؤتمر المنعقدة في العاصمة الجزائرية في سنة 2011، التي اعتُمدت فيها وثيقة (الأدوار الثقافية للمجتمع المدني من أجل تعزيز الحوار والسلم)، التي تعدُّ في واقع الأمر، إحدى الوثائق التي تتخذ من (الاستراتيجية الثقافية للعالم الإسلامي) مرجعًا رئيسًا لها. وفي هذا الإطار تدخل الخطوط العريضة لوثيقة (الحقوق الثقافية في العالم الإسلامي : الواقع وسبل التطوير) المعروضة على المؤتمر، التي ستكون أرضية ً للمشروع الذي سيعتمده المؤتمر عن (الإعلان الإسلامي حول الحقوق الثقافية)». وأكد أنَّ هذا الربط المنهجيَّ بين الحقوق الثقافية وبين تعزيز الحوار والسلام، ينبثق من الفهم الموضوعيّ والإدراك الواعي للعلاقة التقابلية المتبادلة بين منظومة حقوق الإنسان، ومنها الحقّ في الثقافة، والحقّ في الإبداع، والحقّ في الحفاظ على الخصوصيات الثقافية والحضارية التي تعبّر عن التنوّع الثقافي الخلاق، وبين قيم الحوار وثقافة السلام في مدلولاتهما الواسعة وامتداداتهما البعيدة. واستطرد قائلا ً : « استنادًا إلى هذه الوثائق المرجعية التأسيسية، وسعيًا إلى تعزيز ثقافة الحوار والسلام عالميًا من خلال الرؤية الإسلامية، حرصنا على أن يتضمن جدول أعمال هذا المؤتمر مناقشة َ مشروع الخطة التنفيذية ل (مبادرة خادم الحرمين الشريفين للحوار بين أتباع الأديان والثقافات : المنجزات والآفاق المستقبلية) التي أشاد بها المؤتمر العام الحادي عشر للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المنعقد في الرياض خلال شهر ديسمبر من سنة 2012م. واعتمدت الخطة التنفيذية لهذه المبادرة في الاجتماع التنسيقي لرؤساء وفود الدول الأعضاء في الإيسيسكو المشاركة في المؤتمر العام لليونسكو المنعقد في شهر أكتوبر الماضي في باريس». وقال إننا بذلك نفتح أمام هذه المبادرة الرائدة آفاقًا واسعة لتحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة المتوخاة منها، والتي تصبّ جميعُها في اتجاه تفعيل الحوار ليكون سبيلا ً إلى التفاهم والتعايش بين الأمم والشعوب، ووسيلة ً لإقرار الأمن واستتباب السلم، وبديلا ً عن الصراع بين الثقافات والصدام بين الحضارات اللذين تنتج عنهما الأزمات التي تهدد استقرار المجتمعات الإنسانية. وذكر أنَّ الموضوع الذي ستبحثه المائدة المستديرة الوزارية حول (تعزيز الحقوق الثقافية في العالم الإسلامي لخدمة الحوار والسلام)، يأتي في طليعة اهتمامات الإيسيسكو، لاعتبارات متعددة؛ منها العناية المباشرة بتعزيز الحوار بين الثقافات والتحالف بين الحضارات، من خلال استراتيجيات الإيسيسكو ومبادراتها وبرامجها ومشروعاتها التي تعبر عن رؤية الحضارة الإسلامية إلى هذا الحوار الإنساني الراقي، ومنها أن العالم اليوم هو أحوج ما يكون إلى التمكين لثقافة الحوار والتفاهم للوقوف في وجه موجات الكراهية والعنصرية والتطرف والإرهاب، وصولا ً إلى السلام العالمي الذي هو حلم الإنسانية الجميل. وأكد الحرص على بلورة مفهوم إسلامي مستنير للحقوق الثقافية، وعلى عقد العزم للعمل من خلال المبادرات العملية، لتعزيزها والتمكين لها في العالم الإسلامي، مشيرًا إلى أن هذا هو الأمر سيعمل المؤتمر على بلورته في الإعلان الذي سيصدر عنه ليعتمد قرارات مناسبة تخدم الهدف الرئيس، وهو تعزيز الحقوق الثقافية في العالم الإسلامي حتى تكون داعمة ً للحوار وبانية ً للسلام.