- كحيلة أنجز كشوفات عن الأندلس والأقباط والغجر والوباء الأسود - تلامذة كحيلة : حمل لنا الكتب من مكتبته .. وشد من أزرنا - ذكرى رؤوف عباس المؤرخ الفذ لا تغيب عن التكريم - مواقف لا تنسى مع حركة كفاية وفساد الجامعة ومحافل التاريخ عبادة : الدوغري يتعب في بلدنا للأسف الدكتور عبادة كحيلة نهر العطاء المتدفق الذي فاض على كل تلامذته ، والذي يصنع المعروف ثم يمضي ولا يتذكره، بل ويندهش حين يقول أحدهم أنه أحد أبرز القامات في مجال التاريخ الإسلامي ، وموسوعة متحركة في فروع المعرفة كلها ، فهو جغرافي ومؤرخ وأديب فذ بحق.. هكذا وصفه محبوه في عيد ميلاده الحادي والسبعين .. وقد استعاد المشاركون بتكريم الدكتور عبادة كحيلة في بيت السناري مساء أمس مشاهد اصطفافه إلى جانب المصريين الشرفاء على سلالم نقابة الصحفيين للمطالبة بإلغاء المادة 76 التي تتيح توريث الحكم لجمال مبارك وقد شاهده الصحفي البارز كارم يحيى يواجه جحافل الأمن المركزي بمفرده وبرغم وهن صحته في حين فر المحيطون به هربا من البطش، ولم يتم إنقاذه إلا بصعوبة بالغة! وكذلك تذكر المشاركون انضمام كحيلة لمظاهرات حركة "كفاية" والتي يعد من المؤسسين لها، إلى جانب الجبهة العربية للمقاومة الفلسطينية ومجموعة "9 مارس" لاستقلال الجامعات، وقد فعل كل ذلك بتواضع جم يتجاهل مركزه الأكاديمي وانشغالاته وأعراض تقدم العمر . تسلم كحيلة خلال الحفل درع تكريم مكتبة الإسكندرية ، وكتاب الله مهدى من جامعة بني سويف. وبين ما ذكره الدكتور محمود اسماعيل أستاذ التاريخ الإسلامي ، مدير اللقاء ، أن الدكتور عبادة كحيلة بدأ حياته الوظيفية كمحرر بالمجلات الثقافية وتدرج في السلك الأكاديمي حتى حصل على أستاذية التاريخ الإسلامي بجامعة القاهرة، وكان يستحق لو كنا على نظام التعليم القديم أن يكون "شيخ عامود" في مجاله. ولا ينسى الدكتور محمود بداية تعارفه بالدكتور كحيلة من خلال بحث قدمه إليه، وفوجيء بأستاذه يعود إليه في اليوم التالي وقد قرأه كلمة بكلمة ووضع ملاحظاته عليها ، بل حين رفض مجرد الشكر مصدرا عبارته الشهيرة "هذا واجبي" . كما لا ينسى المؤرخ حين كان بصحبة الدكتور كحيلة على مأدبة إفطار وقد أثيرت سيرة اليهود فأعطى الدكتور عبادة محاضرة جعلت أساتذة التاريخ المتخصصين في هذا المجال ينصتون إليه لساعات . من جانبه، استعاد الدكتور أيمن فؤاد أستاذ التاريخ الإسلامي وخبير المخطوطات، المؤثرات التي صاغت وجدان الدكتور كحيلة، وكان بينها المؤرخ والجغرافي الفذ الدكتور جمال حمدان، وعدد كبير من المصادر الأصلية الأندلسية والغربية ، فكان كحيلة بين الرواد الذين نقلوا ترجمات أورسيس للعربية بعد عبدالرحمن بدوي الذي كتب "تاريخ العالم" ، كما استفاد من ترجمة بن جلجل الكاتب الأندلسي الكبير في رسالته للأطباء والحكماء. وقد تعرف بن خلدون ، رائد الاجتماع الأندلسي على تلك المآثر في خزائن المماليك حين جاء لمصر وعاش فيها ربع القرن الأخير من حياته وهنا أعاد صياغة رسالته "العبر في تاريخ العرب" بسبعة أجزاء مستعينا بالمصادر الغربية الجديدة التي شاهدها بمصر. وقد استطاع الدكتور كحيلة أن يقدم قراءة معاصرة في العهدة العمرية أثبت فيها نصوصا لم تكن مثبتة ودعا لرفع شبهات كثيرة حولها لا تتفق وسماحة الإسلام ومنها أمر عمري بتزيي المسيحيين بأزياء مخالفة للمسلمين، وهذا لم يحدث. كما كان كحيلة من المبادرين بخوض مجال تاريخي مجهول عن الغجر وخاصة غجر المنطقة العربية والذين أثروا كثيرا بحركة الأدب . أما التخصص الأصيل لكحيلة عن الأندلسيات فلم يكن نمطيا بل لعله سار على درب العلامة الراحل محمد عبدالله عنان الذي كان يزور مكتبات قرطبة ويراجع المخطوطات هناك للتوثق من كل ما جرى هناك في القرون البعيدة ، كما استطاع كحيلة وضع كتاب هام عن الوباء الأسود الذي اجتاح الشرق الأوسط بالقرن الخامس عشر وقضى على ثلث سكانه وهي حوادث لم يتعرض لها سوى قليل من المستشرقين الغربيين رغم أهميتها . يتابع الدكتور أيمن فؤاد : استطاع كحيلة أن يحقق مواضع أطلس التاريخ الإسلامي للدكتور حسين مؤنس المؤرخ الراحل الشهير، وذلك بالتعاون مع رفيق حياته الدكتور رؤوف عباس . من جانبهما ، تحدث كل من الدكتور محمد علي إبراهيم أستاذ التاريخ المساعد بجامعة بني سويف والدكتور عمرو لطف عن الجوانب الإنسانية في حياة كحيلة، ومن ذلك مواقفه مع الدكتور محمد علي حين اختاره بين الطلبة لاستكمال الدراسات العليا وتشجيعه بل حين لقبه ب"ابني البكري" ، وكان يمتاز كأستاذ جامعي بالمعرفة الغزيرة وعدم المحاضرة من أوراق ويمتاز أيضا بتقبل الرأي الآخر ، كما كان يسعد بتحمل مشقة إحضار الكتب والمراجع من مكتبته الشخصية للباحثين بالقسم ، ويفكر معهم في مداخل جديدة لأبحاثهم تجعل كل من يشاهدها ينبهر. أما الدكتور عمرو فكان كحيلة يصفه بالمؤرخ الواعد ودأب على مساعدته في أبحاثه. وتذكر في كلمته كيف تنبأ الدكتور كحيلة بثورة يناير في كتابه الهام "أوراق من الزمن الصعب" وهو زمن مبارك . يتحدث الدكتور عبادة كحيلة عن حياته فيقول : أنا إنسان بسيط وأؤمن بأن أقرب خط بين نقطتين هو الخط المستقيم ، خاصة على مستوى العلاقات البشرية، وهذا ما جر علي مشاكل عديدة عبر سنوات عمري ؛ فالحياة صعبة حين تكون "دوغري وصريح" ، وأتذكر هذه الأيام رفيق حياتي الدكتور رؤوف عباس وأشعر بافتقاده ، أما تلامذتي ومنهم الدكتور محمود اسماعيل وأيمن فؤاد فأتعلم منهم أحيانا ، وهذا دأب العمالقة الكبار في الفكر المصري ، فقد كان العقاد سابقا للشيخ شاكر في العمر ويتردد عليه لسؤاله فيما عن له في التراث، وكان شاكر أقدر منه فيه. وفي عبارات قصيرة علق كحيلة على فساد الجامعة الذي سعى وعدد من رفاقه لإصلاحه بقوله : الأقزام لا تتجاوز سمعتهم حدود جامعاتهم" في إشارة للصيت الذي يحظى به تلميذه الدكتور أيمن فؤاد رغم تنكر الجامعة المصرية له ، لكن الله عوضه بتكريمات عربية رفيعة . تخلل الحفل قصيدة من إحدى الطالبات بالدراسات العليا مهداة لأستاذها، وشهادات عدد من الأساتذة بينهم الدكتورة أمل إبراهيم التي وصفت كحيلة بالإنسان والأستاذ معا، وشهادة أخرى للباحثة شيماء فرغلي التي أكدت مساندة أستاذها لها في بحثها عن الإفتاء بالأندلس، وكيف كان يجمع معها المادة العلمية ويدقق في مراجعة ما تكتبه ويدعوها لحضور المحافل التاريخية في مصر ويهتم بشأنها وشأن كل الباحثين من أبنائه الخاص والعام. جدير بالذكر أن كحيلة له أعمال تاريخية بارزة منها "تاريخ النصارى في الأندلس"، "عن العرب والبحر"، "العقد الثمين في تاريخ المسلمين"، "الأصول الأولى لتاريخ الغجر" و"ورقتان في الزمان الصعب" إضافة لكتابه عن رفيق عمره الدكتور رؤوف عباس، بخلاف الترجمات والمقالات العلمية والبحوث ، ونشاطاته كمقرر لأنشطة الجمعية المصرية للدراسات التاريخية وعضويته .