شبه الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور السعودية في موقف قيادتها بعد 30 يونيو مع مصر بأنها كانت "وقفة الرجال". واستشهد، عشية زيارته الأولى الخارجية، إلى السعودية بمقولة الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة، التي قال فيها: "لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب"، معتبرًا أنها لخصت بوضوح وإيجاز القراءة الإستراتيجية للمنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، مثلما تلخصها أيضا في عصرنا الحالي. وأضاف، في الحلقة الثانية من الحوار الذي أجرته "الشرق الأوسط" معه في قصر الاتحادية بالقاهرة، أن زيارته هي في المقام الأول شكر وتقدير، وهي واجبة على ما قدمته المملكة، وثانيا سيتناول الحديث مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز تفعيل الشركة والتعاون الاقتصادي بين البلدين وتنشيط عمل اللجان العليا المشتركة، مشددًا على أن الدعم السعودي والخليجي الذي تلقته مصر لم يرتبط بأي اشتراطات أو مطالب. وتحدث الرئيس عدلي منصور عن الرؤية المصرية من الأزمة السورية قائلا إن السؤال الذي يفرض نفسه عند تقييم أي خطوات مقترحة للتعامل مع موقف ما هو: ماذا بعد؟ ينبغي أن نكون حذرين بشكل كبير من أن نقدم على خطوة ما لأسباب آنية.. لنجد أنفسنا لاحقا في موقف قد يكون أصعب من الموقف الحالي. كما تحدث عن العلاقات المصرية - الإيرانية بعد تولي الرئيس الإيراني حسن روحاني المسؤولية، مشيرا إلى أن مصر مستعدة للدخول في حوار مع إيران ومع غيرها، إذا ما احترمت الإرادة الشعبية المصرية.. وخلصت النوايا. وإلى نص الحلقة الثانية من حوار "الشرق الأوسط" مع الرئيس المصري. * تتوجهون إلى السعودية في أول جولة خارجية لكم منذ توليكم الرئاسة. - بالنسبة لزيارة السعودية أنا حريص على أن أزور المملكة، وهذه أول زيارة لي خارج مصر منذ تولي مهام الرئاسة. لقد وقفت المملكة مع مصر بعد ثورة 30 يونيو «وقفة الرجال»، كما يقولون، ووقتها كان موقف كثير من الدول الغربية يمكن القول عنه إنه أما أن يكون متحفظا أو أخذ الجانب الآخر ووصف ما حدث بأنه انقلاب عسكري، والحقيقة لم يكتفوا بهذا وإنما أخذوا بعض المواقف العدائية وأيضا مع تلويح البعض بسلاح المساعدات التي يقدمونها لمصر؛ هذه المساعدات كما قلت للسيدة آشتون ليست مسألة مانح ومتلقٍّ، وإنما هناك مصالح ومنافع مشتركة، وكما نحصل على مساعدة فإنه في المقابل يكون هناك مصلحة في إطار دعم الاستقرار لدولة بثقل مصر. بالتالي كان موقف خادم الحرمين الشريفين صدًّا لكل محاولات الهجوم على مصر في تلك المرحلة بما أدى إلى تحجيم كل الأدوار التي حاولت التدخل، وقال: «لهم قفوا عندكم، مصر هي مصر ولا تعتدوا على مصر ودورها، المملكة ستقف بجانب مصر وستؤيدها حتى ولو قمتم بقطع المساعدات أو رفعتم أيديكم، وسنقدم كل الدعم لمصر». وكان هذه الموقف فوق الوصف، وبالإضافة إلى هذا قام الأمير سعود الفيصل بدور جيد جدا في عدد من العواصمالغربية، وبعد زيارته لفرنسا بدأ التحول في الموقف الأوروبي، وفرنسا بالذات كانت قد أخذت موقفا عنيفا ضد مصر بعد 30 يونيو، ولكن بعد زيارة الأمير سعود الفيصل تغير الموقف الفرنسي وأصبح أكثر هدوءا، ثم تحول إلى الموقف الحالي الذي يدعم خريطة الطريق، ويطلبون منا الاستمرار في الطريق وفق الاستحقاقات التي وضعناها كمرحلة انتقالية وخريطة للمستقبل، وإذن كان ولا بد من زيارة المملكة وأن أقدم الشكر لخادم الحرمين شخصيا على مواقفه التي أثلجت كل صدور المصريين عندما غمرها بالتضامن والدعم والمساندة، وبالتالي لا بد أن أقدم شكري وشكر الشعب والحكومة على ما قدمته المملكة لمصر. والزيارة هي في المقام الأول شكر وتقدير وهي واجبة، وكان يجب أن نقدم الشكر على ما قدمته المملكة، وثانيا سوف يتناول الحديث مع خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمير سلمان بن عبد العزيز تفعيل الشركة والتعاون الاقتصادي بين البلدين وتنشيط عمل اللجان العليا المشتركة، وأتمنى أن يذهب بعد ذلك إلى المملكة وفد اقتصادي برئاسة رئيس الوزراء لمناقشة هذه المسألة بالتفصيل وحتى نقف على أهم المشروعات التي ترغب المملكة في دعم مصر من خلالها، وما هو تصور المملكة فيما يتعلق بالاقتصاد المصري، وهل المملكة تريد أن تساهم مباشرة أو عن طريق شركاتها، وكل هذه الأمور يجب أن تناقش بين المتخصصين، وأظن أن زيارة مصرية على مستوى عال للسعودية يمكن أن تحقق نتائج مهمة إن شاء الله. * في ضوء المباحثات التي ستجري بينكم وبين القيادة السعودية كيف ترون مستقبل التعاون استراتيجيا بين البلدين على الصعيد الثنائي، وحول الملفات الإقليمية؟ - أنا حينما تشرفت بتكليفي بتولي رئاسة الجمهورية في مصر عقب ثورة 30 يونيو، وجهت وزير خارجيتي وفريقي الاستشاري بإجراء مراجعة شاملة لعلاقات مصر الخارجية، بحيث تأخذ تلك المراجعة في الاعتبار اعتبارات الأمن القومي المصري من ناحية، ومواقف الدول التي أيدت الشعب المصري في ثورته المجيدة من ناحية أخرى. وعليه، فيمكن القول بأن جولتي العربية الحالية التي تتضمن زيارة المملكة العربية السعودية والأردن تعد بشكل أو بآخر أول تفعيل حقيقي لتلك المراجعة. وفيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية تحديدا، فثمة اعتبارات هامة تحكم العلاقات بين الشعبين والدولتين المصرية والسعودية؛ فمصر والسعودية هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الأكبر في تحقيق التضامن العربي والوصول إلى الأهداف التي تتطلع إليها الشعوب العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. ويحضرني في هذا الإطار مقولة المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية حين قال: «لا غنى للعرب عن مصر، ولا غنى لمصر عن العرب».. وهي مقولة لخصت بوضوح وإيجاز القراءة الإستراتيجية للمنطقة العربية في النصف الأول من القرن العشرين، مثلما تلخصها أيضا في عصرنا الحالي. ومما لا شك فيه أن العلاقات المصرية - السعودية قد أضيرت خلال العام الماضي، شأنها في ذلك شأن العديد من الملفات الداخلية والخارجية المصرية خلال فترة الرئيس السابق، ومن واجبنا الآن أن نصوب تلك العلاقات ونعيدها إلى مسارها الصحيح. وأستطيع الجزم بأن مصر، دولة وشعبا، عاقدة العزم على إعادة دفة العلاقات الثنائية بين البلدين على النحو الذي يخدم الشعبين الشقيقين، والعالمين العربي والإسلامي بشكل عام، وهو الحرص ذاته الذي نلمس أن السعودية تشاطرنا إياه. وأود الإشارة في هذا الإطار إلى أن العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز كان أول من بعث لي ببرقية تهنئة، تلقيتها عقب تكليفي برئاسة الجمهورية بساعات قليلة، وحتى قبل أن أحلف اليمين في اليوم التالي، كشف من خلالها الأخ العزيز عن قراءة عميقة لحقائق الوضع في مصر. ولا أخفي سرا حينما أقول إن غالبية المصريين شعروا بأن ما تضمه نص رسالة تهنئة خادم الحرمين الشريفين بشأن «خروج مصر من نفق الله يعلم أبعاده وتداعياته»، قد عبر عما كان يجوب بمشاعرهم في تلك المرحلة الدقيقة. وفيما يتعلق باللقاء المرتقب مع خادم الحرمين الشريفين، فسوف يتناول التعاون الحالي والمستقبلي بين مصر والسعودية، والذي كان قد توقف لأسباب عديدة طيلة فترة حكم الرئيس السابق.. وهذه المجالات تشمل المشاورات السياسية حول القضايا والأزمات الإقليمية، والتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري، فضلا عن بحث أوضاع الجالية المصرية في المملكة. * العديد من التحليلات الغربية تنتقد ثورة 30 يونيو، كما تنتقد الموقف السعودي منها.. بل يذهب البعض إلى القول بأن الرياض تخشى من نجاح الديمقراطية في مصر.. فما تعليقكم على ذلك؟ - أطلع بشكل عام على التحليلات الغربية المختلفة إزاء الأوضاع في مصر والتفاعلات المختلفة بين دول المنطقة.. ولعلك تشاركني الرأي في أن العالم الغربي بحاجة إلى تصويب قراءته للتطورات التي تشهدها المنطقة، وضرورة ألا يستمر أسيرا لبعض القراءات المغلوطة التي توسطت بعض القوى الإقليمية لدى العواصم المختلفة لإقناعها بها.. وأثبتت الأيام خطأ تلك التصورات، واستحالة ترجمتها على أرض الواقع. ومن هذا المنطلق فإن المقال الذي ذكرته، ومقالات أخرى عديدة، تعكس في تقديري سوء فهم لما تموج به المنطقة من أحداث... إن قطار الديمقراطية في مصر قد أقلع، ولا يمكن لأي طرف، كائنا من كان، أن يوقفه... ويهمني أن أشير في هذا الصدد إلى أن هذا القطار أقلع بمساندة سعودية كاملة إلى جانب المساندة الكاملة لعدد من الأشقاء العرب. إن ثورة 30 يونيو، التي كانت المملكة أول المؤيدين لها، انطلقت بالأساس لتصويب مسار ثورة 25 يناير (كانون الثاني) الذي اختطفته جماعة الإخوان... فكيف إذن يمكن النظر إلى التأييد السعودي، الذي يقدره كافة المصريين، لمصر في تلك المرحلة الدقيقة من تاريخها المعاصر، على أنها رغبة منها في تحجيم الديمقراطية؟ إن ذلك المنطق مغلوط، ويتغافل المصالح المشتركة التي ترتبط بها مصر والسعودية على النحو الذي سبق أن أوضحته سالفا... فالسعودية، أعلنت على لسان وزير خارجيتها سمو الأمير سعود الفيصل رفضها لأي محاولة من أي طرف للتأثير في الشأن الداخلي المصري.. وإذا كان هناك من يروج لأقاويل مغلوطة تتعارض مع تلك الحقائق عن جهل، فواجبنا هو شرح الموقف له.. أما إذا كان نشر تلك الأقاويل عن عمد، للوقيعة بين مصر والسعودية.. فإنني أدعو من يعكفون على ترديدها إلى أن يدخروا جهودهم في شيء مفيد.. فالعلاقات المصرية - السعودية سوف تظل على متانتها كمحور ارتكاز للعمل العربي المشترك، خدمة للشعبين الشقيقين، وللقضايا العربية والإسلامية أيضا. * هل لمستم وجود أي شروط ترتبط بالدعم السعودي؟ - لا.. لم يرتبط الدعم السعودي أو أي دعم آخر تلقته مصر بأي اشتراطات أو مطالب تمس بالسيادة المصرية. إلا أني سأحرص على أن أقدم لك إجابة مفصلة إلى حد ما.. نظرا لأن ما يشير إليه سؤالك يجري تداوله من بعض وسائل الإعلام التي بدا للعالم أجمع طبيعة الأجندة التي تعمل لصالحها.. وهي معلومات مغلوطة بالأساس، وتهدف إلى تضليل الرأي العام المصري والعالمي، والنيل من العلاقات الثنائية المتميزة بين مصر ودول الخليج العربي. واسمح لي في هذا الصدد أن أشير إلى نقاط محددة تؤكد ما أشرت إليه: أولا، الشعب المصري قام بثورتين خلال 30 شهرا.. الكرامة الوطنية واستقلالية القرار كانتا من أهم دوافع الثورتين.. وبالتالي فإن من يتوهم أن سيادة القرار المصري يمكن أن تحجم بعوامل خارجية.. فعليه أن يراجع قراءته... ثانيا، وكما ذكرت لك سابقا، فإن مصر وغالبية دول الخليج العربي ترتبطان بشبكة واسعة من المصالح الإستراتيجية.. والتنسيق بين مصر وهذه الدول لا يخدم فقط الشعب المصري والشعوب الخليجية، بل يخدم أيضا القضايا العربية والإسلامية. إضافة لما سبق، فإن العلاقات التاريخية بين مصر ودول الخليج زاخرة بالأمثلة والمواقف المشرفة التي عكست عمق ومتانة العلاقات بين الشعوب والدول.. ويحضرني في هذا الصدد وقوف الدول الخليجية مع مصر خلال العدوان الثلاثي عليها في عام 1956، وتقديمها مساعدات قدرت وقتها بمائة مليون دولار في أغسطس (آب) 1956 بعد سحب العرض الأميركي لبناء السد العالي، فضلا عن قرار المملكة بالتعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي.. والأمثلة كثيرة في هذا السياق، سواء عبر 1967، و1973، والحرب الإيرانية - العراقية، ووقوف مصر في صدارة المواقف المطالبة بتحرير الكويت في عام 1990. فالخلاصة أن الدول الخليجية لم تضع أي شروط لمساعداتها. ودعني أضيف أن مصر لم تكن لتقبل بأي حال من الأحوال بأي مشروطية، وهو ما قد يدلل عليه موقفنا الأخير من بعض الودائع العربية.. إن كل ما يثار في هذا الصدد ما هو إلا لغو يأمل من يروجونه في تحقيق أهداف تخدم أجندتهم التي تتعارض مع المصالح العربية.. ومصر ودول الخليج يدركون ذلك تمام الإدراك، ويقفون في مواجهة تلك التحركات السلبية. * السيد الرئيس.. في ضوء ما يميز المصالح المصرية والخليجية من تشابه وربما تطابق في الكثير من الأحيان، ما تقييمكم للعلاقات المصرية - الخليجية؟ - المصالح المصرية مع دول الخليج متطابقة إلى حد كبير.. فكما ذكرت سالفا، فإن أمن الخليج العربي هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري. وليس من شك في أن الأصدقاء يختبرون في المحن.. والمحنة الاقتصادية التي تمر بها مصر غير خافية.. كما أن جزءا مما تتعرض له مصر من انتقادات سياسية على الصعيد الدولي مرجعه أنها نجحت في وأد تصورات كانت بعض القوى الإقليمية والدولية تسعى إلى تنفيذها عبر نظام الإخوان، بما يضر بالحقوق العربية والفلسطينية.. ولقد وأدت ثورة 30 يونيو تلك التصورات في مهدها، وسوف تكشف الأيام المقبلة المزيد بشأنها.. والدعم الخليجي لنا في هذا الإطار، سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، أمر يحظى بتقدير واسع من قبل المصريين.. ويسرع من عودة مصر إلى مكانتها التقليدية بالمنظومة العربية. إننا نعول على الدعم الخليجي، كما أنني أثق أيضا أن الخليج يعول على الدور المصري الفاعل والنشط على المستويين الإقليمي والدولي، وهو الدور الذي تضرر خلال فترة حكم «الإخوان». إن مصر تعرف قيمة عروبتها والبيت العربي الذي أسهمت في تأسيسه ورعايته والدفاع عن قضاياه، مضحية بالأرواح والدماء من أجله.. كما يعرف أيضا العرب قيمة مصر، حتى وإن انساقت بعض القيادات العربية في طرق مغايرة للمصالح العربية.. فالشعوب والتاريخ كفيلان بتصويب مثل تلك الانحرافات. * بالنسبة للمساعدات التي أعلنتها بعض الدول الخليجية هل بدأت تحدث بعض الأثر؟ وما المطلوب بعد هذا الإعلان؟ وما الذي تريده مصر حتى تفعل وضعها الاقتصادي؟ - هذه المساعدات التي قدمتها الدول العربية، وخصوصا المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية والكويت، كان لها أثر قوي في دعم الاقتصاد المصري؛ لأنه كما تعلم يمر بحالة غير مستقرة؛ لأن مصر منذ ثلاث سنوات في حالة ثورة ، والدولة تقريبا مشاكلها فاقت كل الحدود. وبالتالي جاءت هذه المساعدات العاجلة كي نحسن الاقتصاد المصري، ولو بدرجة يسيرة، حتى يشعر المواطن العادي بأن المسألة بدأت تسير في الاتجاه الصحيح، ولكن الأمر يحتاج لدعم أكبر، ومطلوب وضع خطة اقتصادية متعددة الجوانب حتى نسير بالاقتصاد المصري للأمام، وحتى لا نظل في حالة اعتماد على المساعدات العربية والأجنبية عموما. ولعلك توافقني أن الأفضل لمصر أن تعتمد على مواردها الذاتية، ولكن نحن نعول على الاستثمارات العربية باعتبارها استثمارات من أشقاء، وبالتالي الأمر يتطلب دعم الأشقاء في هذا المجال، أي زيادة حجم الاستثمار في مصر، وأن نرى استثمارات من السعودية والكويتوالإمارات، وإذا ما تحقق هذا فسوف يؤدي إلى إيجاد فرص عمل للشباب ويدعم الاقتصاد المصري مع العمل على توظيف واستخدام الموارد الذاتية. * ما حجم التنسيق بين مصر ودول الخليج في إطار الجهود التي تبذلها القاهرة لتجاوز الأزمة الحالية مع الغرب؟ - لا يمكن القول بأن هناك «أزمة» بين مصر والولاياتالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي.. الموضوع بالأساس مرتبط بإساءة أطراف محددة أمريكية وأوروبية قراءة المشهد المصري. فكما أوضحت في إجابتي على السؤال السابق أن الدول الأوروبية ليست على قلب رجل واحد فيما يتعلق بتفهمها للأبعاد المختلفة للأزمة المصرية.. هناك بعض الدول التي تتفهمها جيدا، وهناك دول أخرى في طريقها إلى ذلك.. وبالمثل، فإن الرسائل الواردة إلينا من الولاياتالمتحدة ليست متناسقة تناسقا تاما.. فمنذ عدة أيام استقبلت وفدا من نواب الكونغرس الأميركي، منهم من يترأس لجانا فرعية في لجنة الشؤون الخارجية، وأبدوا تفهما ودعما كاملا لما تقوم به السلطات في مصر من جهود لتصحيح المسار الديمقراطي للبلاد ومحاربة الإرهاب والتطرف. ونحن ننسق في مصر مع أشقائنا في الخليج لمخاطبة الإعلام الغربي واستجلاء الأمور أمام صانعي القرار هناك.. والمسألة ببساطة شديدة تستلزم فقط إتباع الغرب للموضوعية وتوقفه عن أسلوب التناسي الذي تتبعه بعض قياداته لحقائق ساطعة. إن ثورة 30 يونيو ترتقي لأن تدرس في تاريخ الثورات البشرية.. وليس أن يجري التعامل معها بالشكل الذي تتبعه بعض الدول الغربية إزاءها.. لقد وصف البعض في تلك الدول ما جرى في 3 يوليو بالانقلاب العسكري، في الوقت الذي حكم فيه مصر المجلس العسكري مصر لمدة عام ونصف، ولم يرَ أحد في ذلك انقلابا، بينما رأوا في بيان القوى الوطنية الصادر في 3 يوليو انقلابا عسكريا. إن ثورة 30 يونيو هي أول ثورة في التاريخ البشري تبنى على أساس توقيعات أكثر من 22 مليون مواطن ومواطنة للمطالبة بعزل الرئيس، وأول ثورة يشارك فيها أكثر من ثلاثين مليون فرد.. لم يتظاهروا يوما أو يومين، بل استمروا في التظاهر منذ 30 يونيو وقبلها أيضا وحتى الثالث من يوليو عندما استجابت القوات المسلحة لمطالب ذلك الشعب العظيم.. كما أنها أول ثورة في تاريخ البشرية تتهم بأنها تحارب اعتصامات قيل إنها سلمية، بينما في واقع الأمر هي اعتصامات مسلحة، جرى خلالها التحريض العلني على العنف، والتهديد بحرق البلاد والعباد، ويستخدم فيها الأطفال والنساء دروعا بشرية تحيط بمن يحملون السلاح.. كل هذه الحقائق غائبة عن القراءة الغربية.. وهي الحقائق التي تقوم مصر ودول الخليج بشرحها وإيضاحها للعالم الغربي. وأود في هذا الإطار أن أؤكد أن التنسيق القائم حاليا بين وزارات خارجية مصر والدول الخليجية لا ينحصر في ذلك الموضوع فقط، فكافة الموضوعات المطروحة على أجندة العلاقات الدولية يجري بحثها والتشاور بشأنها فيما بيننا، وأيضا تنسيق التحركات الدبلوماسية المختلفة، وذلك لخدمة القضايا العربية والإسلامية. * طالما التزمت مصر بأمن الخليج، وقد سبق لكم أن أكدتم على ذلك رغم انخراط الجيش المصري في عمليات عسكرية ضخمة في سيناء في مواجهة جماعات وتنظيمات إرهابية، هل هذا الالتزام بأمن الخليج يأتي باعتبار هذا الأخير جزءا من الأمن القومي المصري؟ - أمن الخليج العربي يقع في صميم الأمن القومي المصري، التزام مصر به أمر غير قابل للنقاش. أما إذا كان سؤالك ينصب حول قدرة مصر على الاستمرار في تأمين التزاماتها بالمحافظة على أمن الخليج العربي في الوقت الذي تشن فيه قواتها المسلحة بالتعاون مع مؤسسة الشرطة، وبدعم شعبي مطلق، حربا ضروسا ضد الإرهاب والتطرف، فإن إجابتي نعم. ودعني أضيف أن تلك الحرب التي تشنها مصر حاليا هي جزء أصيل من جهودها لتأمين أمنها القومي، وأمن الخليج العربي. ففي ضوء عدد من المواقف الإقليمية غير الداعمة لثورة 30 يونيو، فإن تهديدا أساسيا يمس العالمين العربي والإسلامي يتمثل في الجماعات التي تتخذ من العنف منهجا لها لتحقيق مآربها السياسية الخاطئة، والجماعات الأخرى التي تؤيدها في ذلك، أو تؤكد علانية امتلاكها مفاتيح التحكم في أنشطة الجماعات الإرهابية.. على النحو الذي شهده العالم جليا، سواء في إطار تصريحات سمعناها من منصات بالقاهرة، أو من خلال قرارات الإفراج عن قيادات إرهابية بعفو من الرئيس السابق، وتدفع اليوم مصر والعالمان العربي والإسلامي ثمنا كبيرا لها. وأود في هذا الإطار أن أشير إلى التصريحات الأخيرة التي تحرض على الاعتداء على الجيش المصري والدولة المصرية. إن أمن مصر، وأمن الخليج العربي الذي يعد مكونا رئيسيا به، يرتبط ارتباطا وثيقا بمحاربة تلك الجماعات الإرهابية، فضلا عن أن الدين الإسلامي الحنيف هو أول المتضررين من أنشطة تلك الجماعات. وعليه، فإن الالتزام المصري بأمن الخليج العربي إنما هو من ثوابت أمننا القومي وسياستنا الخارجية، وإن ما تقدمه القوات المسلحة المصرية وهيئة الشرطة من تضحيات وشهداء أبرار إنما يزيدنا صلابة وإيمانا بكسر منابع الإرهاب، التي لن نرضى بالنصر عليها بديلا. * ما الدول التي ترغبون في زيارتها؟ - بعد زيارتي المملكة سوف أقوم بزيارة الأردن بمشيئة الله في طريق عودتي، وكنت أتمنى زيارة الكويت، لكن صاحب السمو موجود خارج البلاد، وبالتالي سوف تجري الزيارة للكويت بعد عيد الأضحى المبارك. * ماذا عن زيارة الإمارات؟ - سوف أقوم بزيارتها قريبا ولكن لم نرتب بعد المواعيد الخاصة بها. * تعد الحالة السورية من الاستثناءات القليلة التي لا تخضع لتطابق الرؤى ما بين مصر والمملكة العربية السعودية.. كيف تفسرون هذا الخلاف في الرؤى؟ - ما ذكرته بشأن استقلالية القرار المصري ينسحب على كافة القضايا السياسية، بما فيها الموقف إزاء التطورات في سوريا.. فمصر دولة ذات سيادة، وقرارها السياسي مستقل تماما.. وتضع نصب أعينها عند بلورة مواقفها مصالحها العليا أولا وأخيرا. بالطبع، نتشاور مع حلفائنا في المنطقة والأصدقاء.. نستمع إليهم ويستمعون إلينا.. نسعى إلى إقناعهم إذا ما رصدنا تباينا، مثلما يسعون هم أيضا إلى إقناعنا. وفي النهاية، إذا ما انصهر الرأيان نقبل باختلاف رؤانا.. فهكذا تتعامل الدول الصديقة فيما بينها، فما بالك بالدول الشقيقة؟ إلا أن كل طرف في النهاية يتخذ قراراه النهائي استنادا إلى مجموعة من الاعتبارات الوطنية والإقليمية والدولية، على النحو الذي يحقق مصالحه العليا متقبلا اختلاف الرؤى. وفيما يتعلق بالتطورات السورية بشكل عام، فإننا نحتكم إلى عوامل عدة من منظور المصالح المصرية والعربية طويلة الأمد، فمطالب الشعب السوري في الحصول على الديمقراطية هي مطالب مشروعة، إلا أنه من الأهمية بمكان ألا ننزلق وراء دعوات حق يراد بها باطل، فكما عانت الشعوب العربية من أخطاء ارتكبها حكامها في حقهم، عانت أيضا من تدخلات دولية اختلقت مبررات لذلك التدخل، سرعان ما لبث أن اكتشف العالم أجمع عدم صحة هذه المبررات.. وأخيرا وليس آخرا، فالسؤال الذي يفرض نفسه عند تقييم أي خطوات مقترحة للتعامل مع موقف ما هو: ماذا بعد؟ ينبغي أن نكون حذرين بشكل كبير من أن نقدم على خطوة ما لأسباب آنية.. لنجد أنفسنا لاحقا في موقف قد يكون أصعب من الموقف الحالي. إن الأزمة السورية معقدة للغاية، والمجتمع الدولي منقسم بشكل عام فيما يتعلق بالأسلوب الأمثل للتعامل معها، وموقف مصر من الأزمة السورية يتمثل في اقتناعنا بأن حل الأزمة لن يكون عسكريا وإنما سياسي، ومن هنا يأتي تأييدنا لانعقاد مؤتمر «جنيف2». وفيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية، فإن مصر تدين استخدامها من قبل أي طرف، وتأمل أن يجري تنفيذ الاتفاق الأخير الخاص بتسليم سوريا لأسلحتها الكيميائية طبقا لما اتفق عليه، وأن ينتهي بذلك الجدل الخاص بضربة عسكرية خارج إطار الشرعية الدولية ضد سوريا. لقد أزهقت الأزمة السورية أرواحا سورية عديدة، ولا نقدر أن ضربة عسكرية من طرف ثالث - من المؤكد أنها ستزهق أرواحا جديدة - هي أمر من شأنه الإسهام في تحقيق تطلعات الشعب السوري. إن ذلك الموقف المصري يهدف بالأساس إلى إنقاذ أرواح المواطنين السوريين، وتحقيق الأمن والاستقرار الإقليميين.. بالتوازي مع تحقيق التطلعات المشروعة للشعب السوري في دولة ديمقراطية تعددية تسمح لجميع السوريين بالمشاركة في بناء مستقبلهم المشترك. واسمحوا لي في هذا الإطار أن أرحب بالجهد الذي بذلته روسيا في هذا الصدد.. وأن أطالب من هذا المنطلق بإخلاء منطقة الشرق الأوسط من كافة أسلحة الدمار الشامل، وألا يقتصر ذلك فقط على سوريا. أظن أن المسألة السورية تحل بالطريق السلمي وبالحوار بين الفصائل المختلفة والنظام الحاكم. نحن، في التصريحات، سواء التي صدرت مني أنا شخصيا أو من السيد وزير الخارجية، أدنا استعمال الأسلحة الكيماوية، وأنا أظن أن الموقف السوري الأخير حاز، إلى حد ما، رضا المجتمع الدولي، (وذلك) حين وافق على إخضاع الأسلحة الكيماوية للرقابة الدولية، وأنها ستخضع للتدمير. وأرجو أن يكون صادقا. * هل تغيرت النظرة المصرية لإيران عقب انتخاب «روحاني» رئيسا للبلاد؟ - إن مواقف السياسة الخارجية المصرية لا ترتبط بالأشخاص، وإنما بالمصالح والتوجهات التي تتبناها الدول المختلفة.. وبالتالي فإنني أعتقد أنه من المبكر أن نحكم على تطور العلاقات المصرية - الإيرانية استنادا إلى وصول رئيس جديد في البلاد هناك، خاصة في ظل ما هو معروف عن النظام السياسي الإيراني من عدم تفرد رئيس الجمهورية الإيرانية بكافة مفاتيح القرارات والمواقف السياسية. وبالمثل، فإننا لا نحكم على الدول فقط من منظور تصريحات إيجابية تصدر، فالتصريحات والبيانات في السياسة الخارجية أمر هام، لكن ما هو أهم هو أن تترجم تلك التصريحات على أرض الواقع وتتسق مع السياسات المطبقة فعليا.. وهناك قضايا عديدة معلقة يتعين أن تبادر إيران إلى اتخاذ مواقف محددة بشأنها على النحو الذي يراعي الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي الذي هو جزء لا يتجرأ منه.. فإذا كانت التصريحات إيجابية، فإننا ننتظر أن تقترن بتحركات إيجابية فعلية على أرض الواقع. نحن نراقب عن كثب المواقف الإيرانية إزاء مصر.. ونراقب أيضا مواقف الأطراف الدولية والإقليمية إزاءها.. وثمة مؤشرات إيجابية بدرت من القيادة الإيرانية الجديدة تجاه دول الخليج جرى رصدها.. ونحن في مصر منفتحون على كل من يحترم الإرادة الشعبية المصرية، ومستعدون للدخول في حوار مع إيران ومع غيرها، إذا ما احترمت الإرادة الشعبية المصرية وخلصت النوايا لإصلاح ما يعكر صفو العلاقات التاريخية بين الشعبين المصري والإيراني. وبطبيعة الحال، فإن ذلك الحوار، إذا ما جرى، سوف يكون صريحا وموضوعيا، بعيدا عن العواطف والانفعالات التي تبناها النظام السابق. سوف تكون فيه المصالح المصرية ومصالح الخليج العربي في الصدارة.. فأي تعاون مصري - إيراني مستقبلي، إذا ما جرى، سيكون عليه مؤازرة المصالح العربية والخليجية. * قراؤنا في السعودية ربما عندهم تساؤلات عن ذكرياتكم في السعودية. ما الذي تتذكر منها؟ - أنا مكثت في السعودية ست سنوات، وتقريبا ذهبت لمعظم مناطق المملكة، وإقامتي الدائمة كانت في الرياض، لأنني كنت أعمل مستشارا لوزارة التجارة السعودية، وكان وقتها وزير التجارة الدكتور سلمان السليم، وهو شخص ممتاز وعلى علم، ويذكرني أنني جلست مع سمو الأمير سعود الفيصل وذكرته به وأثنى عليه كثيرا. وذهبت للخبر والدمام وجدة ومكة طبعا. * في أي حي كنت تسكن في الرياض؟ - في شارع الوزير. * في أي فترة؟ - ذهبت للسعودية تحديدا في ديسمبر 1983 واستمرت إقامتي هناك نحو ست سنوات. والسعودية تغيرت كثيرا بعد ذلك، وكثير من الأماكن أعيد تخطيطها. وكان الأمير سلمان بن عبد العزيز في ذلك الوقت أمير منطقة الرياض نشطا جدا ولديه رؤية ممتازة. وغيَّر الرياض تماما، وأعاد تركيبة الرياض تقريبا. * كانت لكم صورة وأنتم في البر (بالسعودية). ما القصة وراءها؟ - كان زملاؤنا في وزارة التجارة يحبون في بعض نهايات الأسبوع عمل رحلات للبر. فكانوا يأخذوننا معهم أحيانا باعتبارنا زملاءهم، ويحبون أن ييسروا علينا، خاصة أننا كنا بلا أسر، حيث كانت أسرنا في القاهرة. وهذه الصورة كانت في إحدى مناطق البر في الرياض. كانت أياما جميلة. نرى الحياة الطبيعية. وكان يجري ذبح بعض الذبائح ونطهوها ونأكل ونتسامر.