تعد الدائرة العربية الأقرب إلى قلب الأمن القومى المصرى، وتشكل مع الدائرة الأفريقية المرتكز الأساسى الذى تنطلق منه السياسة الخارجية المصرية فى طريقها إلى بقية أنحاء العالم. وإذا كانت الروابط تمتد متينة... عميقة... فيما بين مصر والأمة العربية، بحكم المصير الواحد، وتعدد القواسم المشتركة التى تجمع الشعوب العربية، فإن العلاقات العربية العربية ظلت دائماً قاصرة عن بلوغ طموحات الشعوب العربية، وربما نجد التعبير الأصدق عن ذلك فى كون التجارة العربية البينية لا تتجاوز 10%، ذلك أن الخلافات السياسية سرعان ما تترك تداعياتها على العلاقات الاقتصادية. ولا شك أن لدول الخليج خصوصية فريدة داخل منظومة الأمن القومى المصرى، ربما بحكم التقارب الجغرافى، وحجم العمالة المصرية هناك، فضلاً عما تتمتع به المنطقة من مزايا تجعل منها منطقة جاذبة لأطماع كثير من القوى الإقليمية والدولية، الأمر الذى يفرض على مصر مسئوليات جسام فى هذا الشأن، لم تتبرأ منها يوماً. من هنا كان إهمال تداعيات ثورة 25 يناير على العلاقات المصرية الخليجية، من أخطاء التجربة المصرية، وربما كانت تخوفات دول الخليج صحيحة فى ظل تطور الأحداث فى مصر على نحو ما شاهدناه مؤخراً. ولعل قصوراً ما يشوب نظرتنا إلى مضمون المواقف الأخيرة للملكة العربية السعودية، إذا ما اقتصرت الرؤية على الدعم المالى، فمما لا شك فيه أن إدراك المملكة وبقية الدول الخليجية، دون استثناء، لحجم وقدر مصر فى منظومة الأمن القومى العربي، لا يمكن قياسه بحجم المساعدات المالية. غير أن تصحيح مسار الثورة فى الثلاثين من يونيو أزاح الستار عن الادعاءات الكاذبة التى روج لها الحكم الإخوانى كثيراً من أن الدول الخليجية تقف ضد ثورة 25 يناير، وتفاصيل أخرى «صغيرة» تتعلق بهذا الشأن، أثبتت عملية التصحيح الثورى أنها افتراءات أرادت بها الجماعة إعمال أداة التقسيم بين الشعب المصرى، وأشقاءه فى الخليج، مثلما استخدمتها فى تقسيم الشعب المصرى ذاته. ليكن تصحيح مسار الثورة المصرية نقطة انطلاق جديدة، تعبر بنا إلى مرحلة نُعلى فيها من شأن الشعوب، ومصالحها الوطنية والقومية، بعيداً عن أيدى المتاجرين بكل شئ... من الدين إلى الدم. «الوفد»