مصانع للموت داخل مصر تهدد البلاد والعباد وتقضى على البقية الباقية من العاملين بداخلها تلك المصانع تتمركز وسط الكتل السكانية فتصيب أصحاب الشقق والعمارات بالربو والسرطان وأمراض القلب والرئة وتغتال قوة وصحة عمالها الذين يتنفسون ليل نهار الملوثات الغازية المنبعثة منها . فعمال مصانع الرخام والجرانيت والمنتشرون في منطقة "شق الثعبان" يتعرضون للموت يوميا بسبب صعوبة عملهم وخطورته والتي تقضي بأن يرفع العامل ضعف وزنه حجارة ويتحرك بها لتحميلها أو وضعها في مكان العمل للاستفادة منها، وهي الرحلة المحفوفة بالمخاطر والتي عادة ما تنتهي بإصابة أو عاهدة دائمة وربما الوفاة مثلما حدث مع "خالد إبراهيم عيد" الذي توفى إثر سقوط جسم صلب على رأسه مما أدى إلى إصابته بكسر بالجمجمة، ومحمد حمدي أحمد الذي أصيب بكسر في الجمجمة ونزيف داخلي.
هذا إلى جانب الكثير غيرهم والذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25عاما مما جعل كل حي يتهرب من مسئوليته عن هذه المنطقة.
ونحن نضع هذه المشكلة التي تهدد أرواح المواطنين الأبرياء بين يدي المسئولين!
هذا بالإضافة إلى تلوث البيئة الصادر عن مصانع شق الثعبان خاصة بعد فحص الشكوى الواردة إلى جهاز شئون البيئة من أهالي منطقة زهراء المعادي لتضررهم من زيادة نسبة تلوث الهواء بالأتربة الناتجة عن أحد مصانع الرخام.
حيث توجهت أجهزة البيئة للتحقق من صحة الشكوى مع الاستعانة بمحطات رصد نوعية الهواء التي انتهت قراراتها إلى أن نوع الأتربة يرجع إلى أتربة برادة الرخام التي تتخلف عن عمليات نشر الرخام، والتي تتميز بنعومتها وخفتها وإمكانية انتقالها مع الهواء لمسافات كبيرة بحسب سرعة الهواء.
يقول سامي سيد أحمد احد السكان المتضررين من التلوث الصادر من مصانع شق الثعبان، وتقع هذه المنطقة بجنوب حي المعادي: إن هذه المصانع أصبحت مصدر للتلوث يهدد السكان ويسبب الأذى للسكان، وإذا اعترض أحد يلقى الإجابة الوحيدة: لماذا انتم أتيتم للسكن هنا.
مشيراً إلي أنه تم تقديم العديد من الشكاوى إلى رئاسة حي المعادى وطره بسبب التلوث الصادر من تلك المصانع "شق الثعبان"؛ لكن لا حياة لمن ينادى.
كما أبدى استيائه من عدم حل هذه المخالفات الصادرة من تلك المصانع التي أدت إلى الإصابة بالحساسية على الصدر أطفالنا , ونحن أيضا الكبار قد أصبنا ولكن لا يوجد استجابة من احد.
ويقول محمد عطية أحد سكان زهراء المعادى: تركنا القاهرة لكثرة التلوث فيها والزحام الشديد لنأتي إلي المدن الجديدة ليستطيع العيش في أمان بعيدا عن الأتربة, ولكن جحيم القاهرة والزحام أرحم من تلك الأتربة الصادرة من شق الثعبان، مطالبا المسئولين بأن يكون هناك مدينة صناعية وإبعاد هذه المصانع عن المنطقة السكنية.
وعن رأى أصحاب المصانع أنفسهم قال محسن محمد، صاحب مصنع: إن أغلب مصانع شق الثعبان لم يصدر لها الترخيص اللازمة للقيام بالأعمال، ومازالت سياسية الكيل بمكيالين تتبعها وزارة التنمية ومحافظة القاهرة، فلا يقدموا لنا إي دليل علي النية للإصلاح والمنطقة تعاني العشوائية، ولم يتم حتى الآن إقامة طرق ممهدة لنقل كتل الرخام، ومازلنا نطالب ولم نحصل منهم سوى علي الوعود فقط.
وتابع : تدخل منطقة شق الثعبان بمصانعها في نفق مظلم رغم نجاحها في تحقيق أرقام تصديرية مرتفعة، حيث تستحوذ علي 90% من إجمالي صادرات الرخام البالغة 330 مليون دولار سنوياً فإنها لم تجد حلاً حاسماً لمعظم مشكلاتها مع الجهات الرسمية .
وتعد منطقة شق الثعبان تبلغ مساحتها حوالي ألف فدان وتضم نحو 300 مصنع وأكثر من ألفي ورشة للصناعات التكميلية يعمل بها نحو 25 ألف عامل بخلاف العمالة غير المباشرة والتي تقدر ب 30 ألف عامل.
وعن التلوث الصادر منها الذي يعانى منه أهالي المنطقة قال: هذه المصانع منذ إنشائها كانت في الصحراء بعيدة عن الكتلة السكنية وأن ما يعانى منه الأهالي ليس نحن السبب فيه؛ ولكن الزحف العمراني هو السبب.
فيما تقول فاطمة على سكرتير رئيس حي المعادي: إن مصانع شق الثعبان التي تقع في المنطقة بجنوب حي المعادي خارج نطاق الحي، وتقع كلها في حي طرة ولا وجود لأي شكوى من جانب الأهالي للحى على الإطلاق.
وبدوره أوضح اللواء طارق اليمنى رئيس حي طرة أن أجهزة البيئة تقوم برصد بعض المناطق التي تلقى بها كميات من هذه الأتربة حيث تم تصوير عدة سيارات نقل كبيرة تقوم بتفريغ حمولتها على الطرف الكائن به أحد مصانع الرخام، وبناءً عليه تم التفتيش البيئي الشامل على المصنع، وتبين وجود العديد من المخالفات البيئية تتمثل في عدم وجود ترخيص وسجل بيئي، وعدم توزيع مهمات الوقاية للعمال، بالإضافة إلى عدم التخلص الآمن في المخلفات الصناعية السائلة والصلبة الناتجة عن النشاط .
وأكد أنه تم اتخاذ الإجراءات القانونية وتحرير محضر بالمخالفات البيئية وإرساله للنيابة العامة، كما تم التنسيق مع محافظ حلوان لمواجهة هذه الأنشطة الضارة بالصحة والبيئة، وتم ضبط أكثر من مصنع للرخام والجرانيت مخالف بيئياً بمنطقة شق الثعبان.
وأوضح أن التفتيش البيئي كشف عن وجود العديد من المخالفات البيئية ترتكبها تلك المصانع أهمها عدم وجود سجل مواد ومخالفات خطرة و التخلص من المخالفات الصلبة في غير الأماكن المخصصة لها، مع تصاعد مركبات عضوية متطايرة وارتفاع شدة الضوضاء، وتم ضبط 40 سيارة مخالفة وتحرير مخالفات بيئية لها.
من جانبه يرى دكتور صلاح عرفة أستاذ العلوم بالجامعة الأمريكية ورئيس جمعية الحفاظ على البيئة أن المنشأة الصناعية والخاصة بإنتاج الاسمنت والمواد الإسمنتية والرخام والجرانيت والسيراميك كلها أنشطة تعتبر ملوثة للبيئة نظرا لما يصدر عن هذه الصناعات من انبعاثات غازية ضارة جدا فضلا عن المشكلة الأكبر المتمثلة في المخلفات الصلبة الناتجة عن هذه الصناعات. وأكد دكتور صلاح أن عدد العمال المسجلين في الأوراق الرسمية العاملين في هذه الصناعات حوالي 200 ألف عامل فضلا عن العمالة اليومية والمؤقتة والتي قد تصل إلى 50 ألف عامل، وعلى ضوء ذلك فإن حوالي 250 ألف عامل يعملون في صناعة مواد البناء يستنشقون يوميا أبخرة وغازات ضارة بالصحة.
وأضاف أنه من سوء حظ هؤلاء العمال أن وزارة القوى العاملة تعفى المصانع التي يقل فيها عدد العاملين عن خمسين عاملا من تشكيل لجنة للأمن الصناعي والسلامة المهنية، ولا ندرى لماذا هذا التمييز بين المصانع المختلفة والتي لا يدفع ثمنها إلا العمال من صحتهم.
وقال: إن الشيء المؤسف أن التقرير يؤكد أن أكثر من 90% من مصانع مواد البناء يقل فيها عدد العمال عن خمسين عاملا، وعلى ذلك فإن معظم العاملين في هذا القطاع يعملون دون لجان للأمن الصناعي والسلامة المهنية.
وأكدت الدكتورة أمل سعد الدين أستاذ صحة البيئة والطب الوقائي بالمركز القومي للبحوث أن عمال مصانع الرخام يصابون عادة بأمراض الرئة والجهاز التنفسي نتيجة تعرضهم المستمر لأتربة مما يؤدي أحيانا لتليف الرئة، لافتة إلى وجود نسبة عالية من الفطريات في هذه المصانع بسبب ارتفاع نسبة الرطوبة التي تساعد علي نمو الفطريات وأثبت في دراسة أعدتها داخل المركز أن وجود هذه الفطريات يعوق الاستجابة للعلاج من الأمراض الصدرية مما يؤدي لتأخر الحالة الصحية لهؤلاء العمال, وبتالي أهالي يعانون من ذلك أيضا.