الهدف المعلن، لحشود الإخوان في الميادين هذه الأيام، هو إعادة د. محمد مرسي، إلى الحكم، وهو هدف يتجاوز سقف المطالب "الواقعية".. إذ لا يعي حجم "المعضلة" التي ترتبت على قرارات 7 يوليو.. لأن عودة مرسي، تعني تعليق المشانق، للقادة العسكريين الذين انحازوا لانتفاضة 30 يونيو. المثل الشعبي الشائع يقول: "إذا أردت أن تُطاع، فاطلب ما يستطاع".. وعودة "مرسي" باتت مثل من يطلب لبن العصفور. ولا أدري ما إذا كان القادة الميدانيون، في "رابعة" و"النهضة"، وصناع القرارات السياسية الكبيرة في مكتب "الإرشاد" يدركون هذه "الحقيقة".. أم لا يزالون معزولين داخل "الأساطير" المؤسسة لقدرة الشارع الإخواني، على حسم "التحديات" السياسية، لصالح الجماعة؟! الرهان على الشارع لعودة مرسي، مضيعة للوقت، فيما يظل الرهان على الغرب، معلقا ب"الوقت" الذي ستستغرقه الفترة الانتقالية، لأن وجود رئيس جديد منتخب، ومؤسسات تشريعية منتخبة، سيسدل الستار على المرحلة الرخوة، التي لا تشجع القوى الغربية على بلع قرارات 7 يوليو، وستجعل المجتمع الدولي لاحقا يقبل ب"ولاية المتغلب". الوضع على هذا النحو، يحيلنا إلى التساؤل، بشأن قيمة الحشود الإخوانية، وأهدافها "الموضوعية"، وليست "المتخيلة" أو المستحيلة، والتي تجعل منها ممارسة عبثية، لا قيمة لها على صعيد، المطالب المعلنة. وإذا كانت تلك الحشود، تعتبر "عبثية" فيما يتعلق بأهدافها الأساسية، إلا أنها تظل حشودا سياسية مهمة، لأنها تتزامن، مع الترتيبات الجارية الآن، لهندسة الفترة الانتقالية، وإعادة توزيع خريطة النفوذ للقوى السياسية، داخل مؤسسات وقنوات تمرير القرارات السيادية الكبرى. ولا شك في أن حشود الإخوان من جهة ، والاستياء الغربي مما حدث في القاهرة من جهة أخرى، تمثل ضغوطا على السلطة الجديدة، تحثها على اختصار وقت المرحلة الانتقالية، وأن تتأسس فلسفة الحكم الجديدة، على المشاركة وليس على المغالبة، وأن يكون الإخوان جزءا من تلك الشراكة، وفقا للأوزان النسبية للقوى السياسية على الأرض. وجود الإخوان في الشوارع وفي الميادين الآن، لن يعيد مرسي، ولكنه قد يكون مفيدا بوصفه يمثل مصدر "قلق" للسلطة الجديدة، على النحو الذي يجعلها تحت ضغوط سياسية دائمة، تحرمها من الاسترخاء والإهمال والاستئثار بالقرار وبالسلطة.. فضلا عن أن تلك الحشود، قد تُحسن من الموقف التفاوضي للجماعة، وربما تُستخدم كورقة لتسوية الملف الأمني، والدخول في مقايضات مع الدولة، يتم بمقتضاها، إلغاء قرارات الضبط والإحضار، الصادرة بحق صقور الحركة، مقابل التهدئة، والدخول في العملية السياسية الجارية الآن. السياسة هي "فن الممكن" كما يقولون، غير أن الخطاب السياسي المعلن، من القادة الميدانيين للجماعة، يجعل من الأخيرة، قوة "مغيبة" تقف عكس منطق الأشياء.. وإذا لم تُدرك حدود الدور الوظيفي لحشود أنصارها هذه الأيام، فإنها قد تخسر فرصة "الشراكة" في العملية السياسية المعروضة عليها الآن.. كما خسرت "السلطة" منذ أكثر من أسبوع مضى، ولذات السبب : العناد والصدام مع واقع سياسي، كان أكبر من قدرتها، على أن تفهم تضاريسه، بشكل يجنبها هذا الخروج"المهين" من الحكم.