شكل يوم 30 يونيو/حزيران انعطافة بارزة في مسار الأحداث المصرية، ويبدو أن الشعب المصري يشق طريقاً جديداً في كفاحه من أجل التغيير والتحرر الوطني والاجتماعي بعدما كشفت السنة الماضية من حكم الإخوان المسلمين كثيراً من الأوهام والرهانات التي شغلت في تاريخ مصر السياسي ما يزيد على تسعين عاما ظهرت خلالها حركة الإخوان المسلمين بوصفها قوة مضطهدة ومستبعدة عن معادلات السلطة والقرار فنالت بعض العطف الجماهيري الذي تكفل نهج قيادة التنظيم وارتباطها بالدوائر الاستعمارية بتبديده دفعة واحدة وخلال سنة واحدة لا غير لأن مصر تعيش ظرفاً ثورياً أصيلاً لا مجال معه للمراوغة. أولا: أظهرت تجربة الإخوان في الحكم عزما على احتكار السلطة السياسية ورفض جميع صيغ الشراكة السياسية في السلطة في مجتمع متعدد تحتشد فيه كمية هائلة من القوى والتشكيلات السياسية والحزبية وفي ظل تفتح تعبيرات سياسية وفكرية جديدة شرعت في التحول إلى أطر منظمة منذ انتفاضة يناير وبعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك وهذا الغليان السياسي الذي تلتقي مكوناته على احترام مبدأ التعدد والتداول السلمي للسلطة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع أنهض ثورة عارمة في وجه سلوك قادة الإخوان الذين نكلوا بجميع تعهداتهم التي أغدقوها عشية انتخاب الدكتور محمد مرسي للرئاسة فانتقلوا إلى بناء حكم ديكتاتوري يستهدف أخونة الدولة المصرية والهيمنة على جميع المؤسسات. ثانيا: انكشفت طبيعة قيادة الأخوان كقوة تقليدية رجعية لا تحمل برنامجا للتغيير وليس فقط كجماعة متعطشة للحكم بأي ثمن ،فقد تبنت هذه القيادة في مجابهة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العميقة جميع الوصفات والتدابير التي شكلت محتوى النهج العام لحقبة مبارك أي التسول والاستدانة ومشورة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عبر إلغاء كل أشكال الدعم الاجتماعي للطبقات الفقيرة والمتوسطة المسحوقة ومفاقمة الهوة الطبقية التي تشق المجتمع المصري وكذلك الارتهان الاقتصادي للمجموعات المعولمة وللشركات الخليجية التي تعمل معها لوضع اليد على موارد الثروة المصرية بما في ذلك الذهاب نحو التفريط برموز اقتصادية عملاقة سيادية كلفت مصر كثيرا في تاريخها كقناة السويس التي عرضت للبيع لدولة قطر، وهكذا تضاعف في عهد مرسي ملايين الفقراء والجياع والعاطلين عن العمل والمهمشين وتلاحقت القرارات والتدابير التي استفادت منها شلة من سماسرة الأخوان المرتبطين بالشركات الأميركية والأجنبية والخليجية. ثالثا: قام نهج زعماء الإخوان المسلمين على مبدأ تعليب الدور الإقليمي لمصر في خدمة الأمن الإسرائيلي والسياسات الأميركية وعلى خطى مبارك اعتبر مرسي أن ما يثبت موقعه في الرئاسة وفي السلطة هو الغطاء الأميركي الإسرائيلي عبر المقايضة المستمرة منذ عهد أنور السادات بعد اتفاقية كامب ديفيد وإذا كان الأميركيون الذين تخلوا عن مبارك بصورة فاجأت جميع عملائهم في المنطقة لم يبخلوا حتى الساعة في تأكيد دعمهم لحكم الإخوان فإن مرسي أثبت بما لا يقبل الجدل تمسك قيادة الإخوان باتفاقية كامب ديفيد وبحماية الأمن الإسرائيلي خلال حرب غزة الأخيرة وأقدم على خطوات لم يجرؤ عليها مبارك كتدمير الأنفاق والسعي الحثيث لإحكام سلخ قيادة حماس السياسية عن محور المقاومة في المنطقة وقد كرس انخراطه في الحلف الأميركي الإسرائيلي بنشاط من خلال قطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا والمجاهرة بدعم العدوان الاستعماري الذي يستهدف شقيقة مصر التوأم. رابعا: تميزت السنة التي قامت خلالها ديكتاتورية الإخوان بمصادمة غالبية القوى الاجتماعية المصرية بازدياد الاضطراب والفلتان الأمني وبظهور أحداث العنف الطائفي المدبرة في أكثر من منطقة مصرية وبذلك فقد بات استمرار هذا الحكم أمراً مرفوضاً من غالبية اجتماعية ساحقة تفسر حجم الحشود الضخمة وغير المسبوقة التي برزت يوم الأحد في جميع ساحات وميادين المدن المصرية وظهرت مقابلها شريحة اجتماعية مساندة للإخوان وشركاهم لا يمكن وصفها بغير الأقلية، وهي أقلية خسرت الكثير ممن كانوا قد شاركوا في دعم وصول مرشح الإخوان للرئاسة. مصر تواجه احتمالات عديدة في مسار الأحداث التي تعيشها فإما أن يقود تعاظم الانتفاضة الشعبية إلى تحقيق الهدف المعلن أي الانتخابات الرئاسية المبكرة وخضوع مرسي لإرادة الأغلبية الساحقة من المصريين وفي حال نجحت محاولات الإخوان وأعوانهم لتحويل الانتفاضة إلى تصادم أهلي واسع النطاق فمن الواضح أن الجيش المصري الذي ما يزال قوة حاسمة ومقررة في المعادلة قد يضع يده مرة جديدة على القرار المصري ويدشن مرحلة انتقالية ثانية تمهد لانتخابات رئاسية وتشريعية وقد تنطوي على إعادة النظر بالدستور الذي سنه الإخوان عبر تنفيذ قرار الإبطال الصادر عن المحكمة الدستورية. خامساً: كما سبق لنا أن استنتجنا قبل عامين ستحكم التطورات المقبلة في مصر قاعدة التغيير المتدحرج ومصر تعيش عهدا من الاضطراب السياسي قد يطول ،ولكن الأكيد أن الإخوان المسلمين باتوا قوة مكشوفة ومرفوضة ودشنوا انحدارهم السحيق بعدما سقطت الأقنعة وبانت الحقائق للناس وبعدما تكشف من بربرية مشروعهم الدموي على الأرض السورية وحيث افتضحت حقيقة ارتهانهم للحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي في المنطقة وقد تكونت الفضيحة السوداء في سائر بلاد الشام من خلال احتضان تنظيمات الإخوان للإرهاب التكفيري وسوف يكون واقع الإخوان الفكري والسياسي أمام فرز قاس وحاسم في تحدي المخاض لبلورة تيار إسلامي متنور عروبي ومقاوم من الشباب ومن القيادات الناضجة التي غادرت التنظيم كعبد المنعم أبو الفتوح وغيره من الكوادر الذين انضموا إلى الحركة الشعبية بعيدا عن زمرة مرسي وخيرت الشاطر وعصام العريان التي وضعت قرار الإخوان في السفارتين الأميركية والإسرائيلية وأسندته بفتاوى القرضاوي وبمشاريع حكام قطر.