كتب لي يقول : ياسيدي هذه هي الحكاية أرجوك ان تصدقها."كما تجد نفسك فجأة في صحراء اختفت من فوقها النجوم . أو في وقت بين النهار والليل . وإن شئت بين الليل والنهار . حيث ذهب الليل ولم يأت النهار أو حيث ذهب النهار ولم يأت الليل .إنك لا تشعر بالخوف . ولا بالدهشة . تسأل ما الذي انتقل بك إلي هنا . كيف لم تعد تشعر أن في الدنيا حولك بشرا .وكيف لا يطل عليك من الفضاء إلا وجه واحد . وكيف تراه فوق شرفات المنازل ثم تختفي المنازل ويبقي الوجه .لكني كثيرا ما أكون بين الناس .وفي اللحظة التي أقرر فيها أن اتداخل معهم يحمل أصواتهم الهواء بعيدا رغم أننا لا نقف في الهواء . وتظل هي واقفة وحدها . وكلما تحدثت الي أحد غيرها وأجاب لا اسمع إجابته . ولا أراه . أنا الذي بدأته بالكلام فأين ذهب إذن ؟ ولا أجد إلا وجهها . وتظل صامته . وتبتسم كأنها تعرف ما جري لي .أنا يا سيدي من قرائك . وقرأت لك مرة قصة قصيرة اسمها "الضربة القوية" عن شخص يمشي متعبا مغتاظا من شيئ لا يعرفه , فاشاح بيده عاليا ثم هوي بها في الهواء يضرب شيئا لا يراه , فانقسم الطريق ووجد نفسه يهوي الي قاع سحيق به بشر معذبون يصرخون وناس سعداء. رجال ونساء عرايا مثل الشموع لم يسبق أن خلقهم الله . وربما خلقهم وادخرهم هنا بعيدا عن الدنيا فوجوههم الجميلة لا تشي انهم يستحقون العذاب . وبطل القصة المسكين غير قادر علي العودة .أنا الآن غير قادر علي العودة الي الناس . لم أضرب الهواء ولم أرفع يدي في وجه الفضاء . أنا رأيتها وحدها في الصحراء .حلمت أنني نزلت في وادي من الرمال ليس حوله شجر. فقط شمس بيضاء لا تبارح مكانها وهي تقف يشع من وجهها النور ومن ثوبها بهجة تنتشر في المكان رغم أنها كانت ترتدي السروال الجينز وليس فستانا يتحرك . كنت أعرف قبل أن أدخل في الحلم أن في هذا الوادي بشرا سعداء يخرجون مع الصباح الباكر يوزعون خبزهم علي ساكني المدن البعيدة . خبزهم ياسيدي أبيض ورقيق وكبير ومستدير, تحمله النساء علي رؤوسهن ويحمله الرجال علي أذرعهن ويمشون في مرح كأنهم لم يهبطوا الأرض من قبل, ويعودون مع المساء سعداء . لقد أطعموا أهالي المدن والقري وعابري السبيل . رأيتها تقف وسطهم في منتصف النهار. لقد قرروا اليوم أن يدعوا أهل المدن والقري البعيدة إلي ديارهم . كانوا يعدون وليمة عظيمة وهي بينهم تلقي بالأوامر هنا وهناك وتزم شفتيها ثم تبتسم وتهز رأسها ثم تبتسم ولما سالت عن اسمها لم اسمع جوابا من أحد . رحت اقول لنفسي . هذه السيدة الصغيرة قد نزلت بها الملائكة الآن الي هذا الوادي . خلقتها السماء ثم ختمت عليها بختمها كما قال شكسبير يوما عن أوفيليا . وأدركت أني لا أحلم رغم أن ذلك كله كان في المنام . ودون الناس جميعا جلست قريبا مني لتاكل .ولم أعد أري من الناس أحدا. أجل ياسيدي لم اكن أحلم . رغم أني صحوت فلم أجد الوادي ولا الناس . الحلم لا يكفي تفسيرا لسر وجودها في روحي وعقلي, لقد فكرت أني لا بد أن أراها من جديد . هل ستصدقني حين اقول لك اني قابلتها بعد ذلك , واننا تحدثنا طويلا . وانها تركتني وودعتها؟ هل ستصدقني حين اقول لك اني سألتها كيف سألقاك مرة أخري فقالت ستجدني حين تريد وسأجدك حين أريد .هل ستصدقني يا سيدي اذا قلت لك منذ هذا اليوم صرت عاشقا للسفر وأركب الطائرات إلي كل البلاد وأجدها هناك في انتظاري . وتبتسم وأقول لا استطيع أن أتاخر عنك . لقد سمعتك تناديني . هل جربت يا سيدي ان تمسك في يدك أنامل أبهي من الشمع المضيئ. هكذا أناملها ياسيدي التي اصبحت الآن اسافر وراءها كلما تحركت يدي مشتاقة تبحث عن اناملها المضيئة , أرجوك ياسيدي لا تقل لي أني لازلت احلم .ولا تقل لي انني أكتب قصصا خيالية فأنا أدمن القراءة من سنين طويلة ولا اغادرها إلي الكتابة ولا أريد . أنا مؤمن شديد الإيمان أن الكون يعدّل من قوانينه وحركته ويعطيك ما تريد إذا صدقت رغبتك . والكون كله الآن يفعل ما أريد وماتريد هي أيضا . لا تقل لي كيف نسافر حول العالم لنلتقي ونعود ولا يشعر أحد بغيابنا . لا تقل إنني أحلم أو إنها تحلم .واذا شئت اليقين سألقاك يوما وستكون قد سبقتني اليك تنتظرني "هذه رسالة عجيبة وصلتني علي الايميل منذ أكثر من شهر . لا أعرف صاحبها ولا يبدو من الايميل أي اسم له . عدة حروف انجليزية بينها أرقام كأنها السحر . تأخرت هذا الشهر في الرد عليه . عاد وأرسلها لي أكثر من مرة . ولم اعرف حتي الآن كيف ارد عليه .لكني وجدت نفسي أقراها في كل مرة يعيد إرسالها . وبعد كل قراءة أفكر في عذاب المحبين الكبار في التاريخ وأسال نفسي كيف لا زال في هذا العالم من يحب كل هذا الحب .وها أنذا أنشر الرسالة رغم أنه قد خصني بها .ربما تمنحنا شيئا من البهجة . رغم انه وهوالشخص المجهول حرك في تعاطفا شديدا معه هو الذي يقول انه لا يحلم .والحقيقة أن حبيبته ليست بين يديه . علي الأقل مادام يرسل لي هذه الرسالة ويصر عليها .من يدري ربما يقرأ هذا المقال ويبتهج . وفي كل الأحوال أحسده لأنه استطاع أن يرتفع بفسه عن كل ما حوله من صغائر قضايا الحياة والمجتمع . ومن الثورات الكبيرة . مجنون هو ربما . لكن هل يكون العشق الا جنون .مصر كلها تستعد لعزل رئيسها الذي لم يع معني انتخابه وتصور انه المهدي المنتظر وهذا العاشق مشغول بعشقه .هل تفرق الثورات بين المحبين فلا يبقي امامهم الا الحلم ؟ ربما . خاصة اذا كانت بينهم بلاد ومدن. هل سيأتي يوم تعود البلاد والمدن ؟ لابد .