حملة لتوفير أجهزة كمبيوتر.. دعوات لتأهيل المدارس لتعليم التكنولوجيا | تفاصيل    تراجعت على العربات وبالمحال الصغيرة.. مساعٍ حكومية لخفض أسعار سندوتشات الفول والطعمية    وفقا لوزارة التخطيط.. «صيدلة كفر الشيخ» تحصد المركز الأول في التميز الإداري    الجيش الأوكراني: 96 اشتباكا قتاليا ضد القوات الروسية في يوم واحد    طائرات جيش الاحتلال تشن غارات جوية على بلدة الخيام في لبنان    3 ملايين دولار سددها الزمالك غرامات بقضايا.. عضو مجلس الإدارة يوضح|فيديو    كرة سلة - ال11 على التوالي.. الجندي يخطف ل الأهلي التأهل لنهائي الكأس أمام الجزيرة    المقاولون العرب يضمن بقاءه في الدوري الممتاز لكرة القدم النسائية بعد فوزه على سموحة بثلاثية    تصريح مثير للجدل من نجم آرسنال عن ليفربول    السجن 15 سنة لسائق ضبط بحوزته 120 طربة حشيش في الإسكندرية    إصابة أب ونجله سقطا داخل بالوعة صرف صحي بالعياط    خناقة شوارع بين طلاب وبلطجية داخل مدرسة بالهرم في الجيزة |شاهد    برومو حلقة ياسمين عبدالعزيز مع "صاحبة السعادة" تريند رقم واحد على يوتيوب    رئيس وزراء بيلاروسيا يزور متحف الحضارة وأهرامات الجيزة    بفستان سواريه.. زوجة ماجد المصري تستعرض جمالها بإطلالة أنيقة عبر إنستجرام|شاهد    ما حكم الكسب من بيع التدخين؟.. أزهري يجيب    الصحة: فائدة اللقاح ضد كورونا أعلى بكثير من مخاطره |فيديو    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    بديل اليمون في الصيف.. طريقة عمل عصير برتقال بالنعناع    سبب غياب طارق مصطفى عن مران البنك الأهلي قبل مواجهة الزمالك    شيحة: مصر قادرة على دفع الأطراف في غزة واسرائيل للوصول إلى هدنة    صحة الشيوخ توصي بتلبية احتياجات المستشفيات الجامعية من المستهلكات والمستلزمات الطبية    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    أمين عام الجامعة العربية ينوه بالتكامل الاقتصادي والتاريخي بين المنطقة العربية ودول آسيا الوسطى وأذربيجان    سفيرة مصر بكمبوديا تقدم أوراق اعتمادها للملك نوردوم سيهانوم    مسقط تستضيف الدورة 15 من مهرجان المسرح العربي    فيلم المتنافسون يزيح حرب أهلية من صدارة إيرادات السينما العالمية    إسرائيل تهدد ب«احتلال مناطق واسعة» في جنوب لبنان    «تحيا مصر» يوضح تفاصيل إطلاق القافلة الخامسة لدعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة    وزير الرياضة يتابع مستجدات سير الأعمال الجارية لإنشاء استاد بورسعيد الجديد    الاتحاد الأوروبي يحيي الذكرى ال20 للتوسع شرقا مع استمرار حرب أوكرانيا    مقتل 6 أشخاص في هجوم على مسجد غربي أفغانستان    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    مصرع طفل وإصابة آخر سقطا من أعلى شجرة التوت بالسنطة    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    «التنمية المحلية»: فتح باب التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تقرير حقوقي يرصد الانتهاكات بحق العمال منذ بداية 2023 وحتى فبراير 2024    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    حملات مكثفة بأحياء الإسكندرية لضبط السلع الفاسدة وإزالة الإشغالات    «الداخلية»: تحرير 495 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة وسحب 1433 رخصة خلال 24 ساعة    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    عبدالجليل: سامسون لا يصلح للزمالك.. ووسام أبوعلي أثبت جدارته مع الأهلي    دعاء آخر أسبوع من شوال.. 9 أدعية تجعل لك من كل هم فرجا    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسكندرية في غيمة الحلقة السابعة عشرة
نشر في الصباح يوم 16 - 10 - 2012

الساعة الثانية عشرة ليلاً، وصوت الريح فى الخارج، يصل قويّا إلى حجرة يارا، التى يرتفع فى فضائها خيط رفيع من دخان السجائر، التى تدخنها كاريمان.

كاريمان ممددة فوق السرير، وقد ارتدت قميص نوم يارا الشتوى، الذى صارت يارا تسميه قميص كاريمان.

يارا جالسة خلف مكتبها، تشرح لها ما تقرأه من كتاب الفلسفة الإسلامية، أو تتناقشان معًا. لاحظت يارا كثرة شرود كاريمان منذ أتت قبل ساعتين. وقفت الآن وتركت المكتب إلى السرير، فتحركت كاريمان قليلا إلى الداخل لتتمدد يارا جوارها وتسألها:

- ما الذى يشغل بالك الليلة؟ يخيل لى أنك لم تسمعى كلمة واحدة مما قلت. هل حدث سوء بينك وبين حسن؟

ابتسمت كاريمان وقالت:

- ليت كل الدنيا مثل حسن. يبتسم حتى بعد رفض قصر ثقافة الحرية تمثيل مسرحيته بعد أن وافقوا عليها.

- كلنا زعلنا لكن أكيد ستأتى فرص أخرى، وأكيد ستكون أفضل.

ابتسمت كاريمان وقالت:

- ذهبت معه إلى الشقة.

قالت يارا فى دهشة ضاحكة:

- يخرب بيتك. وطى صوتك. ذهبتِ مرة ثانية.

- وثالثة ورابعة وحياتك.

صمتت يارا وفكرت، هل تصارحها أنها أيضا صارت تذهب مع نادر.

بينما أغمضت كاريمان عينيها وهى ترى حسن يضع يده على نهدها، ثم ينقلها إلى النهد الآخر فتعض شفتها السفلى وتتأوه بصوت خفيف، ثم ينزل إلى بطنها وإلى شعر العانة الأصفر تحتها، ويمش عليه ببطء كأنه يتذوق ملمسه الحريرى، ثم يصل إلى مركز عفتها فتفتح ساقيها بحرص قائلة، خد بالك، وتروح فى اللذة، فلا تتمالك نفسها، فتحوطه بذراعيها تضمه إلى صدرها، فيُقبلها بقوة بينما جسدها ينتفض. ثم هزت رأسها أمام يارا وقالت مبتسمة:

- يخرب بيتك أنت يا يارا. فكرتينى بكل شىء.

ضحكت يارا وقالت:

- فكرتك بشىء حلو أكيد.

أشعلت كاريمان سيجارة أخرى، ونفثت دخانها، ثم قالت:

- حسن يتأمل جسدى ويتحسر لأنه ليس فنانا تشكيليا ليرسمنى.

قالت يارا فى انزعاج:

- يرسمك فى لوحة؟

- أجل.

- ويعرضها ليراها الناس؟

- ولمَ لا ؟ ألا يفعل الفنانون ذلك؟

- مع الموديلز. ليس مع من يحبونهم.

- ومع من يحبونهم والله.

- فى أوروبا ربما. فى بلادنا تصير فضيحة.

وسكتت يارا بينما بدا الضيق على وجه كاريمان التى قالت:

- إلى متى ستظل بلادنا متخلفة هكذا ؟ الكارثة إنها بدأت تعود إلى الوراء من جديد.

- أنا شخصيا لا أقبل ذلك سواء كنا فى أوروبا أو فى مصر.

قالت يارا ذلك ضاحكة. ثم أردفت:

- جمال الحب فى الكتمان. الحبيب ليس سلعة تعرض للبيع.

هزت كاريمان رأسها غير مقتنعة، وكانت الآن قد صارت جالسة فوق السرير مرتكنة على الحائط بظهرها، تنظر إلى يارا التى بدورها صارت تستند إلى ظهر السرير وقالت:

- فى كل مرة أرى حسن وهو معى أشبه بالضائع وهو يتحسس جسدى. سألته مرة لماذا تغمض عينيك، فقال إن الجنس للمحبوبين مثل مقامات الصوفية، ينتهى بمقام الفناء. الأورجازم حالة من حالات الفناء.

وضعت يارا يدها على فم كاريمان، وتلفتت خائفة ناحية الباب المغلق. قالت هامسة:

- نفس كلام نادر.

واحمر وجهها. اشتعل تقريبا. تذكرت أنها لم تخبر كاريمان من قبل أنها ذهبت مع نادر فاشتعل وجهها خجلا. نظرت إليها كاريمان فى دهشة، وتهلل وجهها بالفرح، ثم قالت ضاحكة:

- أخذت منك اعترافا.

قالت يارا:

- يخرب بيتى فعلا. لم أستطع الكتمان. فكرتينى بكل شىء. نادر يتحسس جسدى كأنه فى معبد.

- حسن فى النهاية يلعن دائما العذرية. يقول وهو يمط شفتيه، الأورجازم ليست فى مكانها الطبيعى.

ارتبكت يارا وقالت:

- يعنى إيه؟

- بصراحة أفكر أن أتركه يدخل المعبد.

انزعجت يارا جدا وقالت:

- إياكِ يا كاريمان.

- أريد ذلك أكثر مما يريد هو.

تركت يارا السرير إلى المكتب وقالت:

- تعالى قدامى هنا على الكرسى. خلينا نذاكر ربنا يخليكِ.

ضحكت كاريمان وانتقلت إلى أمام المكتب ونظرت كلتاهما إلى الأخرى فى صمت، وبدا أن يارا قد شردت بعيدا ثم قالت:

شىء رائع حقا أن يرسمك حبيبك فى لوحة.

يعنى مقتنعة ؟

شىء رائع أن أطل من اللوحة على الناس وهم يتفرجون علىّ.

ضحكت كاريمان لكن فجأة فقالت يارا فى ضيق وهى تمشى بيدها على صدرها:

- لماذا لا تكف الرياح الليلة عن الحركة؟ صوتها رهيب.

ضحكت كاريمان وقالت:

- منذ يومين والرياح لا تنقطع. نوّة عوّة يا حبيبتى.

قالت يارا وهى تهز رأسها:

- صحيح. نوّة عوّة ما بعدها نوّة. خلاص. خلينا نذاكر ونشوف آخرتها مع الحلاج.

فجأة ارتفع فى الراديو صوت موسيقى عربية. تبادلتا النظر فى دهشة. قالت يارا:

- محطات الإذاعة دخلت فى بعضها. أكيد بسبب الرياح.

هتفت كاريمان:

- الله عبدالحليم حافظ. أحسن حاجة عملتها النوّة.

كان عبدالحليم يغنى:

«بين صحبة الورد شوف

أجمل عيون وخدود

حسان ومتجمعة فى مهرجان مشهود

لوّن وعطّر وندّى ربنا المعبود».

وقفت يارا وقالت وهى تمشى بيدها على جسمها:

- بصراحة بعد ما قلناه لازم أشرب قهوة.

وراحت تعد القهوة، بينما تسمع صوت عبدالحليم يتهادى وادعا مطمئنا.

« بينى وبين الناس أحوال

يا ذا الجمال والكمال

خلينى عبدك لوحدك

لا عبد جاه ولامال».

لاحظت يارا دموعا تترقرق فى عينىّ كاريمان فقالت:

- ماذا جرى يا كاريمان ؟ عبدالحليم حرّك أشجانك! لايزال أمامنا على الأقل شهر ونصف حتى إجازة نهاية العام الدراسى. يعنى تستطيعين أن تقابلى حسن كما تشاءين. أنا الذى عاد أخى من رحلته الطويلة، وسيمضى بيننا ثلاثة أو أربعة أشهر يحاسبنى فيها عن كل دقيقة أتأخر فيها بالخارج.

- سيمنعك من الخروج وحدك؟

- لن يمنعنى، لكنه يكون فى كل مكان فى إسكندرية. ربما يكون فى شقة أيضا فى شارع تاينس فى أى لحظة.

- هل هو متزمت إلى هذا الحد؟

- يعيش حياته كما يريد، مثل غيره من الرجال. ينالون كل اللذات ويعلنون الطهارة علينا.

هزت كاريمان رأسها فى أسف وقالت:

- فى النهاية هو أخوكِ. أنا التى يبدو أنى سأقتل زوج أمى يوما ما.

- ألا يزال يتحرش بك؟

- هددته أنى سأخبر أمى فضحك ساخرا. هددته أنى سأذهب إلى الجامع الذى يصلى فيه وأحكى للناس، فقال لن يصدق أحد فتاة سافرة فاجرة.

وظهرت فى عينيها دموع جديدة. حكت ليارا كيف سمعته أمس يقول لأمها إن لديه عريسا لها. لقد دخلت حجرتهما فجأة فسمعت ذلك. ما إن رآها حتى خرج تاركا الغرفة بحجة الصلاة فى الجامع. كانت صورة فى يد أمها للعريس. قدمتها أمها لها طالبة ألا ترفض قبل أن تراها ثم تتعرف عليه. أمها مكسورة جدا فلا أحد من أهلها يقف بجوارها.

ما إن أمسكت كاريمان بالصورة حتى ألقت بها على الأرض دون أن تنظر إليها. الصورة وهى على الأرض ظهر فيها وجه رجل لا يقل عن الخمسين من العمر، عريض الكتفين كثيف اللحية وبلا شارب ويرتدى جلبابا. فى الخمسين من العمر. تصورى. قالت كاريمان إنها كادت أن تدوس عليها بقدمها لولا أنها استحرمت ذلك، وأخذت تبكى فى صدر أمها. قالت لأمها أن تطلب من زوجها الطلاق. إنها تسمع إهانته لها دائما، كما إنها تعمل ولها راتب يكفيها بعيدا عنه، لكن أمها قالت إن طاعة الزوج من طاعة الله.

كانت يارا تسمع فى ذهول. وقالت كاريمان:

- لقد غسل عقل أمى تماما.

كانت القهوة قد فارت من الغليان ولم تنتبه لها يارا، وكان ما نزل منها على السبرتاية قد أطفأها. انتبهت يارا الآن بعد أن شمت رائحة البن فى الغرفة. قالت:

- خير. اللهم اجعله خير.

تغيرت فجأة محطة الإذاعة، وارتفع صوت الراديو جدا. نظرتا إلى بعضهما لحظات ثم انطلقتا ضاحكتين. لقد اندفع من الراديو صوت تينا تشارلز تغنى:

Dance little lady dance

لم تستطع يارا أن تسكت وهتفت سعيدة:

- الله باحب هذه الأغنية جدا. تعيش نوّة عوّة!

تركت المكتب وأمسكت بيد كاريمان التى صارت تضحك بصوت خفيض وقالت لها:

- قومى. قومى ارقصى. لازم تنسى كل شىء، وتسمعى كلام تينا تشارلز..

قالت كاريمان وقد عادت الابتسامة إلى وجهها:

- والقهوة!.

- بعد الأغنية أعمل غيرها.

وقفت كاريمان لا تصدق ما تفعله يارا، التى بدت لها طفلة بريئة كما تبدو لها دائما. وراحت ترقص معها بهدوء على صوت وإيقاع الأغنية.

Some one taught me

How to dance last night

What a mover he was

And some one taught me

How to do it right

What groover he was!

ويارا تضحك وتقول:

- أين هو الذى يعلمنا الرقص الآن ؟

وتضحك كاريمان.

He taught me all the

Steps to do the rock، n roll

I found my sense of

Rhythm but I lost

My self control

When he said:

Dance little lady dance

ومدت يارا يدها ترفع صوت الراديو لأعلى، فاندهشت كاريمان جدا وقالت:

- باباكى ومامتك نائمان!

قالت يارا وهى تهز رأسها ضاحكة:

- ليس مهمّا. نأخذ حقنا مرة.

ازدادت بهجة كاريمان وضحكت من قلبها.



You know youve only

Got one chance

dance

dance

dance

ويارا تهتف:

- ارقصى ارقصى ارقصى

وترقص معها كاريمان باستمتاع كبير.







-------------

بعد أن دخل نادر من باب الملهى رآها فى مكانها المعتاد. هى رأته أيضا فتألقت عيناها.

حين وصل إليها لم تقف وتحتضنه كما ودت. خافت إن فعلت ذلك لا تتركه. قالت له بعد أن صافحته وهى جالسة:

- غبت عنى طويلا يا نادر.

قال هامسا بعد أن تلفت حوله:

- ارتبكنا بعد القبض على بشر.

كانت الضجة كبيرة حوله، والراقصة علياء متألقة كعادتها، وحملت عيناه إلى نوال رسالة بسؤال كانت هى توافق بلا إجابة عليه، وهو هل يمكن أن نترك المكان. مدت يدها تربت على يده وقالت:

- نصف ساعة فقط ونذهب إلى البيت.

ثم نظرت إليه نظرة عميقة وقالت:

- كم أنا مشتاقة أن أستمع إليك..

مرت ساعة كاملة وهو صامت. كانت تشعر بقلقه. لقد أراد الجمهور فيها أن تغنى. طلبوا ذالك بقوة أكثر من مرة، فوقفت وغنت لنجاة الصغيرة.

«بان علىّ حبه من أول ما بان

ياما كنت بحلم والله بحبه من زمان».

وكانت تنظر وسط الضوء الخافت يسارها بعيدا، حيث يجلس نادر. وراح الجمهور يطلب منها الإعادة، حيث بدا أنها تغنى بصدق حقيقى.

«من أول ما شفت عيونه

أنا قلت الليالى يهونو يهونو

تحميه السما وتصونه.. تصونه،

أنا شفت اللى مستنينى

وعرفت اللى حيهنينى

من أول ما بان»،

ثم ركزت نظرتها على نادر طويلا هذه المرة:

«من خوفى عليه مابانامش

وافرش له طريقى برمشى برمشى

هنانى وهواه ما رحمش

ليه لما ندا لبيته

وبين الضلوع خبيته

من أول ما بان».

ولم يتركها الجمهور الصاخب حتى غنت الأغنية مرة أخرى. وفى هذه المرة، وعند النهاية، أصاب الحاضرين الجنون، لأنها وهى تغنى:

«شباك الهوى وفتحته».

أشارت بيدها إلى صدرها كأنها تمزق عنه ثوبها وتكشفه، فانفجرت القاعة بالتصفيق والصياح والصفير. ثم..

«والدنيا جناين تحته».

وأشارت إلى أسفل بطنها من بعيد، فانفجرت القاعة أكثر بالصياح والتصفيق والصفير والهياج، بينما أغمضت بعض النساء عيونهن خجلا وبعضهن ابتسمن فى دهشة.

فى النهاية اتجهت إلى نادر مسرعة، فأخذته من يده وأسرعت خارجة، وكل من رآها تفعل ذلك اندهش وبعضهم ضحك. على باب الملهى والهواء يتحرك بسرعة كبيرة يطير ثوبها، قالت له وهى تضع يدها على الثوب الطويل من أسفل.

- يا ريت أمشى معك فى الهواء على البحر. هذه الليلة أنا فرحانة جدا ومجنونة جدا، ولقد رأيت ماذا فعلت بالجمهور. أول مرة فى حياتى أعمل كده. مرة واحدة من نفسى لأنى فرحانة بيك جدا.

كان صوت البحر عاليا أمامها. وقالت:

- للأسف لا يمكن. هيا بنا.

ودخلت إلى سيارتها الفيات فدخل إلى جوارها.

الآن فى شقتها بدت أهدأ انفعالا، بعد أن غيرت ثيابها وارتدت قميص نوم جميلا وعادت إليه فى الصالة لتقول له من جديد:

- غبت عنى طويلا يا نادر.

قال لها نفس الرد:

- ارتبكنا بعد القبض على بشر.

- تصورت أنكم نسيتمونى.

- يمكن أن ينساكِ كل الناس يا مدام نوال لكنى لا أستطيع.

- قل لى يا نوال فقط حتى أصدقك.

- خفت فعلا أن أمر عليك. لم أشأ أن أسبب لك شيئأ يزعجك.

نظرت إليه ثم ابتسمت وقالت:

- لم نشرب شيئا ولم نتعش فى الملهى. ما رأيك أن نأكل ونشرب الآن..

وقبل أن يتكلم وقفت واتجهت إلى المطبخ. دقائق وعادت ومعها عربة صغيرة عليها أطباق من الجبن وعسل النحل والزبادى والخبز نقلتها إلى السفرة ثم دعته إلى الجلوس.

ما إن جلس حتى تركته وعادت بسرعة بزجاجة نبيذ وكأسين. فتحت الزجاجة وملأت الكأسين. رأته ينظر إليها نظرة طويلة. قالت:

- هل جئت معى لترانى فقط؟

قال:

- اشتقت إليك جدا.

قالت:

- سأسمع شعرا جديدا. إياك أن تقل لى لم تكتب شيئا..

- كتبت قليلا.

تنهدت وبدا عليها الارتياح. راحا يأكلان على مهل فى صمت. قال فجأة:

- هناك شىء آخر جعلنى أخشى الحضور إليك.

نظرت إليه حائرة فقال:

- انضممت إلى الحزب الشيوعى المصرى.

نظرت إليه مندهشة وتوقفت عن الأكل وسألته:

- هل هناك أحزاب فى مصر الآن؟

- حزب سرى.

ارتبكت لحظة. ارتبك هو أكثر. ما كان واجبا أن يخبرها أبدا. لم يعد ممكنا التراجع. قالت:

- ولماذا تخبرنى بذلك.؟

ارتبك من جديد. قال:

- بصراحة لا أعرف. على أى حال أنا آسف إذا كنت سببت لك أى ارتباك.

ابتسمت ابتسامة كبيرة. قالت:

- لم أرتبك. على العكس. أنت تعيدنى إلى زمن جميل كما قلت لك من قبل.. لكنه حزب سرى كما تقول، فكيف تخبرنى بذلك ؟

- لأنى أثق بك.

- أعرف. لكن انتبه إلى نفسك حتى لا تتكرر القصة معى وأفقدك وسكتت لحظات لكنى أعرف من زمان أن الأحزاب الشيوعية حلت نفسها بعد الخروج من المعتقلات عام 1964.

- منذ أعوام بدأ أكثر من حزب تنظيم نفسه.

- إذن الاتهامات التى توجه للمعتقلين كل عام صحيحة؟

- ليست كلها طبعا. كثير منهم ليسوا كذلك. الشيوعية هى التهمة الجاهزة عند جهاز أمن الدولة. أنت علمتينى ذلك..

ابتسمت وسكتت. سكت بدوره. انتهيا من الأكل وعادا إلى مكانهما الأول. أخذت ما تبقى من الجبن ووضعته أمامهما وزجاجة النبيذ والكأسين.. جلست بجانبه هذه المرة. أحاطته بذراعها وقالت:

- لم يسعدنى شىء يا نادر قدر أنك تذكرتنى الليلة. وإن كنت أعرف أنى لن أبقى كثيرا فى مصر..

- قلتِ لى ذلك من قبل. وقلتِ أنك ستوضحين لى ذلك فيما بعد..هل يمكن أن أعرف الليلة؟.

قالت باسمة:

- حدثنى أولا عن أصحابك. بشر وحسن. لقد عرفت بنبأ القبض على بشر من الصحف، لكن ليس معى رقم تليفون لأى منكم، لذلك لم أتصل بكم.. طبعا لا أعرف أيضا بيتكم أو بيوت عائلاتكم. كنت أود أن أقدم أى مساعدة.

- تم الإفراج عن بشر بعد شهر واحد والحمد لله. بعدها دخلنا جميعا إلى العمل السرى.

ضحكت وقالت:

- وتفشى لى أسرار أصحابك أيضا ؟

ابتسم فى حيرة من نفسه. قال:

- حسن للأسف رفضوا له مسرحية بعد أن تعاقدوا معه عليها فى قصر ثقافة الحرية.

- القصر الموجود فى شارع فؤاد أمام نقطة شريف؟

- بالضبط.

- لماذا رفضوها. لعيب فنى مثلا أم الرقابة؟

- وافقوا فنيا ووافقت الرقابة، وعند بداية البروفات توقف كل شىء. لابد أنها تعليمات من جهاز أمن الدولة.. أدركنا ذلك. لهم عيون فى كل مكان. رغم أنها مسرحية عبثية اسمها «السماء الثامنة». لا يعرفون أن مسرح العبث نفسه مرفوض فى الإاحاد السوفيتى الذى يتهموننا به.. أى والله. بيكيت ويونيسكو كتاب ممنوعون فى الاتحاد السوفيتى!!

نظرت إليه بإعجاب وابتسمت، رغم أنها لا تعرف مسرح العبث الذى يتحدث عنه، ولا تعرف المؤلفين الذين يتحدث عنهما. القدر يضع المثقفين فى طريقها دائما. وسألها:

- بالمناسبة ماذا فعلتِ فى ديوان عصمت مفتاح؟

قالت:

- ذهبت به إلى الحاج الرملى. بائع الكتب فى محطة الرمل. قال لى أن أحضر موافقة الرقابة أولاً.. سألنى عن عصمت مفتاح من يكون. أخبرته. قال لن توافق الرقابة. قلت له لقد مات. قال لا أحد يموت عند جهاز أمن الدولة.

- غريب. رغم أنه يبيع كتابا لعيسى سلماوى؟!

ضحكت وقالت:

- رأيته عنده.. كتاب «معنى البيان الشيوعى». سألته كيف تبيع هذا الكتاب ولا تساعدنى فى نشر ديوان شعر. قال لى هذا صاحبه حى وحصل لنفسه على موافقة الرقابة ونشره على نفقته. أنا لم أنشره، ولا أحد يشتريه. صاحبه مجنون. ضحكت. لا يعرف أنى أعرف عيسى سلماوى.

فكر نادر لحظة ثم قال:

- غريب أيضا أن يحصل عيسى سلماوى على موافقة الرقابة. أليس كذلك؟

انتبهت إلى ما يقصد فقالت فى جد وإن ظل صوتها خفيضًا:

- إياك أن تظن أن لعيسى اتصالا من أى نوع مع أمن الدولة. عيسى شخص طيب جدّا، مؤكد أنهم لا يأخذونه مأخذ الجد. هذا رغم أنه يجد من يقتنع بما يقول أحيانا مثلكم.

- على أى حال نحن لا نراه كثيرا هذه الأيام، ولم نخبره بمسألة الحزب السرى. ربما فعلا يتركونه يفعل ما يفعله ليجدوا متهمين لهم وهو لا يدرى.

ضحكت وارتفع صوتها. رفعت كأس النبيذ أمامه وقالت:

- لم تقل لى الليلة فى صحتك.

رفع كأسه وقبّلها على خدّها وقال:

- جوار فرش كتب الرملى هناك عم السيد. أنا أستعير منه الكتب الغالية أقرأها نظير مبلغ بسيط. أستطيع أن أسأله ربما يرشح لى ناشرا للديوان.

- لا تشغل بالك. الحاج الرملى قال لى المفيد. أن أجد طريقة لنشره فى بيروت. لقد أعجبه الديوان جدا. لكنى فكرت ألا أنشره. سأتركه لك قبل أن أسافر لتنشره أنت. الآن هو يخصنى وحدى، والأفضل ألا يشاركنى فيه أحد.

ثم وقفت قائلة:

- كيف لا نسمع موسيقى. كيف نسيت؟

أدارت جهاز البيك أب القديم، ووضعت اسطوانة موسيقى تركية ثم قالت:

- هذه موسيقى رائعة اشتريتها حين زرت استانبول..

- هل سافرت إلى تركيا أيضًا؟

- مرة واحدة.

ارتفعت الموسيقى الهادئة فى فضاء الصالة الواسعة. موسيقى بها مسحة حزن خفيف ظهر أثرها على وجهه بسرعة، فدخل فى شرود سريع لحظة، ثم قال لها بعد أن عادت تجلس إلى جواره:

- لم تحدثينى حتى الآن عن مسألة سفرك عن مصر. لا تلومينى هذه الموسيقى أشبه بوداع حزين.

أخذت نفسًا عميقا وأغمضت عينيها لحظة. قالت:

- سأحكى لك كل شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.