أنا فتاة في الثالثة والأربعين من عمري اعتقد أنه وللمرة الأولي ترسل فتاة آنسة هذا الخطاب الذي تكرر من فتيات تجاوزن الثلاثين بقليل لعرض مشكلاتهن التي تكررت في صفحتك كثيرا! لقد مررت ياسيدي بكل ما مرت به كل فتاة ولذلك كان قلبي يتمزق عند قراءة أي خطاب ليس فقط لتشابه الأحداث ولكن ياسيدي الأكثر ايلاما كان التحدث عن موضوع السن, وان كل أم تتمني لابنها فتاة أصغر من هذا حتي تتمكن من انجاب أطفال قبل أن يأتي اليوم الذي يختفي فيه الأمل في الانجاب والله ياسيدي كنت أشعر بشيء لا أستطيع وصفه لك بأنني ربما بذلك أكون قد فقدت وإلي الأبد الأمل في أن أكون زوجة وأما, بالرغم من ثقتي بالله وانه قادر علي كل شيء, فهناك فتيات يتزوجن في سن صغيرة ولا يأذن الله في أن يهب لهن أطفالا إلا بعد ميعاد يكتبه هو وربما يظلون سنين يلهث الزوجان وراء حلم الانجاب عند الاطباء ويبيعون ما يملكون, والجميع قد قرأ الكثير من هذه الرسائل وربما تنجب إحداهن فيشاء المولي أن يكون مريضا أو معاقا, والله ياسيدي أني أعرف سيدة أنجبت بعد السادسة والاربعين وهناك من أنجبت بعد الخمسين, وليست زوجة سيدنا زكريا ببعيد عنا أنها قدرة الخالق التي ليس فوقها قدرة ولكن فقط الناس لايعرفون ولا يشعرون بألم فتاة كل ذنبها أنها لم تجد الرفيق والونيس والزوج. ان البعض قد يتخيل أن فتاة في مثل سني وتوجد فتيات كثيرات فلست وحدي قد تكبرت ورفضت العريس تلو الآخر في انتظار عريس مناسب من كل الجوانب, واقسم لك ياسيدي اني ما فعلت هذا ولكن للأمانة فقد كان لأبي واخوتي نصيب من هذا الرفض بحجة انهم يريدون لي الأصلح دوما, وربما تكون هذه خطيئتي الوحيدة انني قد وثقت بخبرتهم وقدرتهم علي اتخاذ قرارات صائبة برغم تكرار كلمتهم في كل مرة يتقدم لي أحد انك حرة في النهاية في اتخاذ القرار ولكن اذا جئت يوما تشكين لنا فلن نتدخل فهذا هو اختيارك, اعرف انك ستسألني عن حياتي ماذا افعل فيها اجيبك انني اعمل والحمد لله وأحاول البحث عن أشياء أخري بجانب عملي.. دورات أو أتطوع للقيام بأعمال خيرية أو زيارة أقارب أو كورسات تفيدني في عملي, ولكن للأسف ياسيدي كلها تبوء بالفشل منذ اللحظة الأولي في التفكير فيها. والله ياسيدي أني أحيانا أعجب لحالي فلقد كانت حياتي ومازالت ينقصها الحظ فقد كانت طفولتي كأية طفلة بين أبوين عاديين, حتي جاءت زوجة أبي لتهدم حياتنا وتبدلها من فرح الي هم قائم حتي الآن لانها كانت سببا في تغير شخصية أبي فأثر بالسلب علينا جميعا خاصة أنا, فقد كنت أكثر اخوتي تأثرا بما يحدث ومازلت, لأني الأكثر قربا من أمي ومن معاناتها خاصة حين انتقلنا لنقطن في عمارة واحدة وبعد زواج كل اخوتي, فكانت زوجة أبي ومازالت تعتبرني شغلها الشاغل أنا وأمي فنحمل علي عاتقنا معظم مسئولياتهم, تسألتي ولماذا تسكتون؟ اجيبك بأن أمي هي سبب ذلك فهي دائما ما تحلفني وتتوسل الي ألا أفاتح أبي في أي شيء حتي لا يثور علي ولكنه دائما ما يفعل ويتهمني بأشياء ليست صحيحة لأنه لا يعطيني فرصة للدفاع عن نفسي أو أن أتحدث ويعاملني كطفلة إلا إذا تعلق الأمر باخوتي منه فان الأمر يختلف فإني يجب ان أثبت دوما أني الأخت الكبري المحبة المسئولة عن اخوتها مهما فعلت ياسيدي فانني دوما مقصرة في نظره, ولقد حاولت زوجة أبي كثيرا ان تزوجني ولا يهمها من أتزوج المهم أن يكون لها الفضل في ذلك حتي ولو آذتني في مشاعري, هذا غير محاولتها الدائمة استفزازي وإثارتي بكلامها المؤلم غير المباشر في كل شيء يضايقني وأنا وأقسم لك ياسيدي لا أريد شيئا سوي أن تتركني بحالي فكفاني ما تأتيني به كل واسطة تسعي للتوفيق في الحلال, فحدث ولا حرج, لا يهمهم سن أو تكافؤ من أي نوع أو مدي استعداده لتحمل المسئولية, ماذا يريد في زوجته, فبعد أن يدخل البيت تجد أنه يبحث عن أشياء ليس لها علاقة بالزواج أصلا ولا يعطي نفسه حتي الفرصة للتعرف علي من دخل بيتهم ربما يجد صفات فيهم تجعله يعيد النظر في تفكيره, وهذا لأنه وياللعجب يدخل أكثر من بيت في وقت واحد فيختار من لديها أكثر المميزات: الجمال الحسب النسب, وزد علي ذلك انها علي استعداد لتتنازل فتتحمل وتشيل هي الليلة حتي لا تأخذ لقب عانس فينتهي الأمر إلي ما هو أسوأ من ذلك بعد الزواج. الأمر الغريب أيضا ياسيدي المرتبط بالحظ ظروفي الغريبة فلم أكن كمثل أي فتاة عادية, لم يكن لدي شاب في العائلة يكبرني حتي يحدث بيننا شيء, وعندما وجدت قريبا لي من بعيد شعر كل منا نحو الآخر بشيء لكنه للأسف تخلي عني لأنه كما علمت أحبني ولكني لم أكن أملك المواصفات التي يريدها من وجهة نظره. وأيضا لم يكن لدي ابن جيران في مثل سني برغم تعلقي بأحدهم يكبرني سنا, ولكن كانت مراهقة, لم أجد أيضا اخوة شبابا لزميلاتي في المدرسة ولا زميلاتي في معهد فتيات فقط فهم إما إنهم كبار متزوجون أو أصغر من اخواتهم زميلاتي لم أجد زملاء سوي في دراساتي في الكورسات التي التحقت بها لتحسين مستواي لأنني للأسف لم تساعدني الظروف علي الالتحاق بإحدي الكليات مثل اخوتي نظرا لما حكيت لك, ولكن للأسف خوفي الشديد الذي عانيته من أبي وكبته لنا ورفضه أي شيء نريد فعله جعلني فتاة خجولة, هذا غير أني كنت ومازلت محجبة, فكان الزملاء يخافون أن أحرجهم إذا تحدثوا معي ولكن شيئا فشيئا بدأت المسافات تقل بطول فترة دراستنا, حتي اني وجدت ميلا من أحد زملائي لي إلا أن الظروف قد باعدت بيني وبينه لسفره للعمل في دولة أخري, حتي عندما نزلت الي مجال العمل وجدت زملائي أصغر مني ولم أجد سوي زميل فقط في مثل سني ولكنه كان قريبا من زميلة لنا في العمل تكبرنا سنا وعلمت بعد ذلك انهما تشاركا في عمل ثم تزوجا أيضا. سبق أن أخبرتك أننا انتقلنا الي منزل آخر فلم نجد سوي أولاد وفتيات صغار معظمهم الآن صاروا شبابا, ومنهم من تزوج وانجب ايضا, ولن أخفيك سرا انني حين أري أحدهم فتاة أو شابا يتزوج بماذا أشعر, أو حتي في العائلة أو في مجال عملي, والله ياسيدي اني احيانا أشعر اني أقف علي جزيرة وحدي ويدور الكون من حولي وكأني أري شريط فيلم يمر من أمامي والأيام تمر سريعا حتي انني لا استطيع اللحاق بها, وأشعر أن لا أحد يشعر بي ولا يحاول فعل أي شيء لمساعدتي بحجة انني لست وحدي, واذا بكيت فإني لا أجد من يخفف عني. في دعوتي مثلا للخروج معهم يتهمونني بالتقصير لأنني لا أسعي لفتح مجالات أخري للتعرف علي أناس اخرين في ندوات أو الجامع أو عند أحد ممن أعرف أو حتي زيارة أقاربنا ولكن كما قلت لك لا يساعدني الحظ أبدا فوالله ياسيدي ما فكرت في شيء مجرد التفكير فقد انقلب كل شيء, أما عن الحب فأين هو مني؟ انني أسمع كلمات إطراء ومديح كثيرة ممن أتعامل معهم في كل مكان, وأجد وأشعر أيضا بحبهم واحترامهم لي وشهادتهم لي التي تسعدني بحسن الأخلاق والخلقة أيضا, وزال عني الخوف, بآدميتي وأنوثتي, اني أحيانا أشعر بأن شيئا ما يحول دون رؤية بعض الرجال لي, وفسر البعض ذلك علي أن هناك عملا وبرغم ايماني بالله انه لا يوجد شيء كهذا وأعلم أن الجميع وأنت أولهم تؤمنون بذلك الا ان ما يحدث لي يجعلني رغما عني أفكر في هذا. سيدي أما أكبر مشكلاتي فلقد حلمت طوال سني عمري منذ طفولتي, خاصة شعوري الطاغي بفقداني الحنان والحب والرعاية مع ما تحملناه ونتحمله حتي الآن بأن أجد من يعوضني عن هذا ويهتم لأمري وربما أضعت سنين من عمري في انتظار هذا الحلم الذي أعيش به برغم محاولاتي المستميتة للتأقلم مع الحياة دونه ولكنه مثل المخدر الذي سري في الجسد لسنوات طوال فأصبح التخلص منه كأنك تقتلع جزءا منك ولا يساعدني التخلص منه محاولاتي اقتراب أحد مني بين الحين والآخر أو زيارة, والجميع يعطيك احساسا بوجود شيء ما تجاهك وما هي بالفعل إلا مجرد كلمات لا تكلفه شيئا ولكنها تترك أثرا في نفسي. والله ياسيدي إني اخشي ان تخور قواي ولا استطيع المقاومة, إني ألجأ دائما لربي ليعينني ويقوي ايماني به وأن يقف بجانبي ويشد من عزيمتي ولكني مع احساسي وشعوري بأني علي مقربة من سن مخيفة أجدني اخاف ان افقد مقاومتي خاصة مع قلقي من كل ما يحدث الآن في بلدنا وعدم شعورنا بأننا نقف علي أرض ثابتة رغم ايماني بأن الاتي أفضل ولكن متي لا أدري وربما يكون قد فات الأوان بالنسبة لي. سيدي والله كل ما أريده هو الستر والعفاف فلماذا يستكثره المجتمع علينا لماذا يشعروننا بأننا أصبحنا كخيل الحكومة وينظرون الينا ولسان حالهم يقول لقد اخذتن كل فرصكم وماذا تريدن من الحياة في مثل هذه السن لقد عشتن حياتكن فلا تطلبن أكثر من هذا والله ياسيدي اني أتعذب وأتألم تألما يكوي قلبي حتي اني احيانا أشعر بأني سأسقط مريضة ذات يوم دون ان يشعر أحد وأخاف أن أقع فريسة أحدهم لضعفي فاتوسل اليك ان تناشد المجتمع ان يرحمنا لأننا لم نفعل شيئا نستحق ان يحاسبنا عليه, وأناشد كل الرجال ان يتقوا الله في النساء سواء من يدخل البيت أو يتعرف اليهن في عمل أو مكان ما. أناشدك ياسيدي ان ترد علي رسالتي وان تستعين بطبيب نفسي عله يخبرني كيف أقتلع قلبي من جسدي. سيدتي.. أمر قاس أن يظل الإنسان في حالة انتظار لا تنتهي, حياته ينقصها شخص ما, بدونه لا تكتمل الحياة, يشعر أنه نصف, الزواج نصف الدين, فهل بدونه يصبح من لم يتزوج يفقد النصف الآخر من الدين ؟! يعيش المرء عذابين في هذه الحالة, عذابه مع نفسه لافتقاده من يشاركه الحياة, وعذاب نظرة المجتمع وطريقة تعامل الآخرين معه, فيحمله المسئولية لأنه لا يجيد منه الانتقاء أو الاقتناص أو خلق الفرص. الأمر أكثر قسوة مع البنات, المجتمع يدينها ويحملها عبء البحث عن عريس, لذا وكما في قصتك تراجعين نفسك دوما, تفكرين في احترامك لذاتك, تصنعين فرص اللقاء بالعمل, أو بالغضب من عدم توافر عريس في محيطك القريب, ترين أحيانا أن المشكلة قد تكون في حجابك, أو في زوجة أبيك. أتفهم حزنك النبيل سيدتي واحتياجك للحنان, وأن شيئا ما ناقص في حياتك.. أقدر إحساسك بالزمن, بسني العمر التي تتسرب أمام عينيك مما يضيق فرص الزواج والإنجاب ولكن! كل هذه أسباب تؤدي في النهاية إلي أنك لم تتزوجي, فإذا نظرت لما أنت فيه من زاوية أخري قد ترتاحين قليلا أو كثيرا حسب قناعاتك وعمقها. إذا أمنت ياعزيزتي, بأن قدرك مخطوط من قبل مولدك, وأن الحزن والقلق والخوف لن تغير شيئا من المكتوب, وأن الزواج رزق من الله كما المال والصحة والبنون, فإن التسليم هنا بقضاء الله وقدره يصبح تعويذة النجاة والسلامة النفسية.. لا أسعي بكلماتي هذه الي تهدئتك بالاحتماء بالدين ولكنها الحقيقة.. فالحياة مهما طالت رحلة قصيرة, نسعي فيها بغرس الحسنات والخير والإيمان والرضا بالمكتوب والعطاء حتي نحصد مازرعنا في المقر, في الآخرة, وعسي أن تحبوا شيئا وهو شر لكم, فمن أدراك أن سعادتك في الزواج, هذه القلعة المحاصرة, التي يتمني من بخارجها الدخول إليها, ويتمني من بداخلها الخروج منها. إنها حكمة الله سبحانه وتعالي, لا نلتفت إلي مابين أيدينا من نعم, ونسعي إلي مجهول ما لا نمتلك. سيدتي.. لا أعني بتلك الكلمات أن تتعاملي مع واقعك علي أن الفرص في الزواج قد انتهت, ولكن أتمني أن تتعاملي مع الواقع برضا ومحبة وتسامح حتي مع من أخطأوا في حقك, أن تزيدي من عطائك وتعلمك, فالمتعة الحقيقية في الحياة هي العطاء والمنح.. لا تقتلعي قلبك من بين ضلوعك, فهو عامر بالمحبة المهم أن تجيدي التعامل معها وتوزيعها علي من حولك. مارسي حياتك ولا ترهنيها بالزواج, فإذا كان مكتوبا لك سيأتيك طوعا بين يديك, وإذا لم يكن, فالحتمي أن حكمة الله واختياره سبحانه وتعالي هي الأفضل دائما, فسلمي أمرك للعادل الكريم, وزيدي من دعواتك في كل وقت صلاة أن يرزقك الزوج الصالح وراحة البال وصفاء القلب.. اللهم آمين. وإلي لقاء قريب بإذن الله...