يلعب آية الله علي خامنئي مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومجلس الأمن القومي والحرس الثوري الإيراني دوراً مهماً في تحديد السياسات الإيرانية الخارجية، ولكن هذا لا يمنع من أن شخصية الرئيس ورؤيته السياسية والإستراتيجية وفريق عمله يساهمون في توجيه هذه السياسات، وإعطائها فرصاً أخرى من التغيير والتوجيه. ويتزامن ذلك القول بعد استطاعة القوى الإصلاحية الإيرانية المعتدلة إنجاح مرشحها حسن روحاني في الدورة الأولى للانتخابات في مواجهة المرشحين المحافظين الخمسة، والتي شكلت فيما سبق خلال تجربة الرئيسين الإيرانيين السابقين الشيخ هاشمي رافسنجاني والدكتور محمد خاتمي، دليلاً مهماً على قدرة الرؤساء في إيران على تقديم صورة مغايرة للسياسات الخارجية، ولعبا دوراً مهماً في تطوير علاقات إيران مع الدول العربية والإسلامية، ولا سيما لبنان. والسؤال الذي يطرح نفسه، هل تولي الرئيس حسن روحاني لرئاسة إيران فرصة جديدة لتطوير علاقات إيران بلبنان"، خاصة عقب إجراء وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور مؤخراً محادثات في "طهران" استمرت عدة أيام مع كبار المسئولين الإيرانيين؟ تقارب وتنسيق من خلال المتابعة الجيدة لتاريخ العلاقات الرسمية بين لإيران ولبنان، نجد أنها قد بدأت في عهد الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون بين عامي 1952 و1958، والتي ترافقت مع إنشاء حلف "بغداد" الذي كانت إيران جزءاً منه، والذي كان يمثل قوة في وجه امتداد نفوذ الرئيس جمال عبد الناصر. وقد أسهم هذا الحلف في التقارب اللبناني - الإيراني، وتوج هذا التقارب بزيارة شاه إيران إلى لبنان عام 1957، ثم أتبع ذلك مجيء الإمام موسى الصدر إلى "لبنان" عام 1958 بالتنسيق مع "الشاه"، وتلاه بعد ذلك بعدد من الزيارات الرسمية المتكررة من الجانبين ؛زيارة الرئيس السابق "سعد الحريري" إلى "طهران"، وزيارة "أحمدي نجاد" إلى لبنان. على جانب أخر، بدأت العلاقة بين أشخاص دينية لبنانية تتشكل منذ أن ظهرت خلايا الثورة الخمينية في ستينيات القرن الماضي ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي بصورة أوضح خلال عقد السبعينيات، ولا سيما عندما سهلت تلك الشخصيات عملية وصول العناصر الثورية الإيرانية للتدريب في مراكز منظمة التحرير الفلسطينية القائمة آنذاك في لبنان. وأصبح الجانبان أكثر تماسكاً مع القبول الإرادي لمجموعات لبنانية بالطرح الفكري والعقائدي الذي كان يطلقه الإمام الخميني من إيران كنظرية ولاية الفقيه والمفهوم الجديد للصراع، وخاصة مجموعة "حزب الله" التي أعلنت عن نفسها عام 1982. ومنذ ذلك الحين، تأسست العلاقة العضوية بين إيران والحزب، وصارت العلاقة تتحول تدريجياً من العلاقة الرسمية بين الدولة اللبنانية والجمهورية الإسلامية إلى العلاقة بين الدولة الإيرانية والحزب فقط. دعم اقتصادي ولكن ذلك لا يمنع من أن طهران لعبت دوراً محورياً لإتمام مشروعات اقتصادية وتنموية في الدولة اللبنانية، وليس أدل على ذلك سوى ما قامت به من إعمار المناطق المدمرة وإعادة تشييد محطات الكهرباء بعد عملية "عناقيد الغضب" عام 1996. علاوة على دور المنظمات الخيرية الإيرانية التي افتتحت فروعاً لها في البقاع والضاحية الجنوبية والعاصمة بيروت في دعم عوائل الشهداء والمتضررين في لبنان، مثل منظمة "الجهاد الزراعي الإيرانية" التي نفذت أكثر من 130 مشروعاً زراعياً طيلة الأعوام الخمسة والعشرين الماضية. وقد تجسدت العلاقة القوية بين إيران و"حزب الله" من خلال الخطاب الثاني للأمين العام ل"حزب الله" السيد حسن نصر الله، حينما وجّه حديثاً تطمينياً إلى اللبنانيين بألا يخشوا على ممتلكاتهم التي دمرها العدوان الصهيوني على لبنان؛ لأن "حزب الله" لديه أصدقاء يعطونه مالاً نقياً طاهراً "على حد تعبيره" من دون شروط سياسية، في تلميح واضح للدعم الإيراني السخي للحزب. ومن خلال ما سبق، يتضح أن العلاقات اللبنانية الإيرانية، تقاس على مستويين أحدهما مع الدولة الرسمية الذي اتسم بنوع من التعاون المحدود في بعض الأمور، خاصة المتعلقة بالشعب الإيراني من مساعدات اقتصادية وتجارية وغيرها، وبنوع من الصراع في أحيان أخرى، وذلك في حالة تصادم الحكومة مع "حزب الله". ومن ثم، فسر البعض زيارة وزير الخارجية اللبناني عدنان منصور لإيران بعد تولي روحاني مباشرة، على أنه دليل على تعاون إيراني حزبي دون سواه؛ وذلك لكون "منصور" يتبنى مواقف دفاعية مباشرة عن الحزب على خلفية احتدام تداعيات الحرب السورية في لبنان، وهي مواقف تناقضت أحيانا كثيراً مع مواقف رئيس الجمهورية، لدرجة أن قال البعض: إن الوزير عدنان منصور ربما يزور طهران بوصفه وزيراً لخارجية دولة "حزب الله"، وليس بوصفه وزيراً لخارجية الجمهورية اللبنانية. مستقبل العلاقات وبالرغم من الدعوات الدائمة داخل الأوساط الإصلاحية ولدى النخب الإيرانية الفكرية والسياسية بعد تولي روحاني البلاد،المنادية بعدم حصر العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية و"حزب الله"، على اعتبار أن العالم فيه قوى ودول أخرى. بيد أنه يمكن القول بأن مستقبل العلاقات الإيرانية – اللبنانية، سيسير في اتجاهين: الأول يتجه نحو مزيد من التحسن المستمر في العلاقات، وبالتالي ستظل "إيران" المصدر الرئيس ل"حزب الله" من حيث المال والسلاح والدعم السياسي والغطاء الإقليمي لنشاطه. أما الثاني، فيفترض تدهور العلاقات الإيرانية اللبنانية على المستوى الرسمي بغض النظر عن ماهية الرئيس الجديد، ولا سيما في حالة وجود خلاف بين الحزبين المهيمنين على مقاليد الحكم حول التمثيل السياسي الشيعي في الحكم "أي حزب الله وحركة أمل". وبالتالي يتوقف مستقبل العلاقات الرسمية الإيرانية اللبنانية على مدى الخلاف بين الحكومة والشيعة "حزب الله"، فكلما حدث صدام بين "حزب الله" والحكومة اللبنانية بأي شكل من الأشكال يضر بوجود "حزب الله"، تدهورت العلاقة والعكس صحيح. خلاصة القول، إن إيران تملك خطين للعلاقات، علاقات مع الدولة اللبنانية بشكلها الرسمي، وكذلك علاقات مع حليفها وصنيعتها اللبناني "حزب الله"، وستظل العلاقات الإيرانية اللبنانية الرسمية مرتبطة بموقف الحكومة اللبنانية بموضوع قضية فلسطين وموضوع المقاومة الإسلامية في المنطقة، وبشكل عام قوى المقاومة والممانعة التي تدعم طهران.