يتعامل المصريون مع يوم 30 يونيو القادم باعتباره "يوم قيامة مصر".. المعارضون يحاسبون الحكومة والإخوان على فشلهم وارتباكهم وزيادة أزمات الشعب.. والموالون يتربصون بالمعارضة الكافرة التى تريد إسقاط الإسلام وتتغافل عن إنجازات الرئيس التى لا يراها إلا كل معتد أثم قلبه.. الفريقان ينتظران يوم الأحد القادم .. الإسلاميون لإعلان هزيمة المتمردين وتهيئة المناخ لمزيد من النهضة!. والمعارضون للتخلص من حكم جماعة تبين فى العام الأول لحكمها أن النهضة التى وعدت بها لم تفض إلا إلى سد اثيوبى .. بل أكثر من ذلك فانتصار الإخوان سيكون انتصاراً للإسلام وهزيمة للكفار والمشركين.. ولو انهزم الحكم سيكون مرادفاً لسقوط الإسلام كما يزعم الإسلاميون.. الرهان فى الشارع على شيئين.. أن ينجح التمرد لتردى الأحوال والخدمات خاصة الوقود والطاقة وارتفاع الأسعار وتفشى البطالة.. أو أن ينجح الإخوان فى استباق امتلاك الشارع والنزول مبكراً بدءاً من الجمعة 21 يونيو واستعراض القوة.. الإخوان الحاكمون لهم حلفاء سيسارعون إلى نجدتهم ، ورغم أن هناك سلفيين أعلنوا أنهم لن يشاركوا فى مظاهر ومظاهرات تأييد الرئيس ، إلا أن هناك كثيرين ملتحمون مع الإخوان فى تشابك عجيب ينافس خيوط العنكبوت التى قد تبدو هشة وضعيفة لكنها قادرة على اصطياد الفريسة.. التيارات الموالية للإخوان تتطابق مع "الأخطبوط" الذى يمتلك قلوباً ثلاثة يضخ اثنان منهما الدماء للخياشيم والخلايا المختلفة لتسهيل عملية التنفس بينما يضخ القلب الثالث الدماء لبقية الجسم ذى الأذرع الكثيرة من أول المقطم إلى قصر الإتحادية إلى مقرات الحزب الحاكم من الإسكندرية لأسوان! بإختصار شديد الفريقان سواء المعارضين للإخوان اوالمؤيدين لهم يحاسبون بعضهما كما لو كان كليهما يحمل تفويضاً من المصريين لممارسة عقاب إلهى فورى.. بينما الحقيقة أن انتصار الإخوان أو المعارضة سيكون كارثة لمصر كما سأشرح لاحقاً..الطرفان اللذان يستعدان ليوم الحساب فى 30 يونيو يملك كل منهما أسلحة قوية يمكنه استخدامها ، لكن الظروف هى التى ستحدد أى الأسلحة أفتك وأقوى.. الطرف الأول وهم المعارضون وأنصار "تمرد" يملكون سلاح السخط والغضب والحنق الشعبي على تصرفات الإخوان ود.مرسى وجماعته.. فتواصل موجات إنقطاع التيار الكهربائى والوقوف ساعات طويلة فى محطة وقود ودخول شهر رمضان بلا امكانية لتدبير احتياجاته لدى الأسر المتوسطة فما بالك بالفقراء ، وانتزاع الإخوان لمعظم الوظائف وإرتفاع نسبة البطالة كل هذا سيدفع المصريين للنزول لدعم "حركة تمرد" ومحاولة إجراء انتخابات رئاسية مبكرة.. الرافضون لاستمرار مرسى يرون أنه اختار حكومة "غير احترافية" ، لا تملك فن إدارة الأزمات ، وترتبك عند وقوع المشاكل وتكذب وتتنصل من تصريحاتها .. وأبسط مثال على ذلك الإعلان عن تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح فى نفس الوقت الذى تقرر فيه توزيع الخبز بالبطاقات وهو ما لا يستقيم"المعارضون يعولون على الشرطة ورجالها فى يوم الحسم ، لأن اللغة التى تخرج من كثير من ضباط الأمن حالياً تعكس سخطاً غير عادى على النظام .. فلأول مرة يقف الشرطى الذى كان طوال عمره خادماً للنظام مع الشعب فى خندق واحد .. حياد الشرطة فقد وجد القاهر والمقهور والظالم والمظلوم والمتسلط والمتسلط عليه أنفسهم فى خانة دفاعية واحدة امام موجة ركوب الثورة العاتية التى تهدد بمسح الجميع ، مدنيين وغير مدنيين باستثناء الإسلاميين من المدنيين وغير المدنيين! الحلقات المسلسلة الدائرة أحداثها فى سيناء على مدى العام الماضى والتى راح ضحيتها ضباط وجنود شرطة على أيدى من يرجح أنهم جهاديون وتكفيريون وجماعات دينية متشددة ، تنعم بسكوت رسمى وبمعاملة رئاسية حانية راقية تحافظ على حياتهم ولا تتوقف كثيراً عند جرائمهم ، ولد شعوراً لدى قطاعات عدة فى داخل الشرطة أنهم أشبه بكبش الفداء لحلفاء الحكم. ولعل فى هذا اختلاف واضح عما جرى يوم 25 يناير 2011 حيث لم تكن الثورة في الاساس ضد نظام مبارك وشخصه ، بقدر ما كانت ضد الداخلية وممارساتها وقمعها..لكن ذلك لا يمنع أن هناك من ضمن حركة "تمرد" من يرفض مبدأ أن تكون المعارضة والشرطة ضد الإخوان ، لأن الأمن مازال ملوثاً بدماء الشهداء فى محمد محمود وبورسعيد. السلاح الآخر الذى يملكه المعارضون هو الإعلام الخاص الذى استطاع الاجهاز على الإعلام الحكومى بصحافته وتليفزيونه ، وبدأ يشحن الناس كل مساء ضد الإخوان .. والحقيقة أن الإعلام والسياسة خرجا عن سيطرة الإخوان .. فلا الصحافة القومية أو التليفزيون الحكومى استطاعا تلميع السياسة القاشلة لجماعة فاشية.. تحكمت دون خبرة وتكبرت بدون علم..واستبدت رغم أنها جاءت بنصف عدد الناخبين فاعتبرت النصف الآخر عدوها وخصمها الذى ينبغى القصاص منه وتأديبه لخروجه عن السمع والطاعة .. من ناحية أخرى يحسن المعارضون طرح وجهة نظرهم بأسلوب سهل وبسيط ومنطق يصل إلى قلوب وعقول القراء والمشاهدين خصوصاً وأنهم يخاطبون الجانب النفسى فيهم وهو تزايد المعاناة من الإخوان فى كافة نواحى وأوجه الحياة .. وفى المقابل يفشل الإخوان ورموزهم فى كافة البرامج والحوارات التى تتم دعوتهم إليها فى المناقشة بالمنطق وتقديم الحلول والاقتراحات ، وتكون حجتهم الدائمة هى أن الخروج على الحاكم الإسلامى جريمة بالاضافه الي تكفير الآخرين ووصف دعاة "تمرد" بأنهم خونة وفلول ومأجورون من الإمارات ، كلها أشياء تدفع الناس لكراهيتهم بشدة !! مع أن نفس التهم يمكن أن توجه لهم لأنهم خرجوا على مبارك!! ولنقرأ تصريحات عصام العريان القيادى الإخوانى ضد الإمارات الذى يبشرهم فيه ب "تسونامى" إيرانى يسحقهم ويدمرهم ، وهو انفلات سياسى وحماقة ماكان ينبغى له أن يسقط فيها لحنقه على عدم تسليم أحمد شفيق لمصر أو عدم الإفراج عن الخلية الإخوانية المتهمة بتدبير إنقلاب ضد حكم الشيخ خليفة بن زايد.. أما الإسلاميون والإخوان فيملكون عدة أسلحة أولها الصندوق وهو حديث لين مطاط وقادر على احتواء الخلاف ، فطالما جاء د.مرسى بالصندوق فدعوه يسقط به.. وإلا .. "وإلا "هذه هى أخطر مايرفعه الإسلاميون ، فمصر ستنزلق إلى هوة إسقاط أى رئيس "منتخب" إذا لم يوافق على سياساته الشعب..وثانيها أن المعارضة ليس بها بديل شعبى حالياً عن الرئيس .. فموسى اجتمع مع الشاطر والبرادعى عليه علامات استفهام وأيمن نور أشبه "بالزوج المحلل" وصباحى اتهمت ابنته فى عملية نصب كبرى .. الوحيد الذى يمكن أن ينتصر على مرسى وبسهولة من الجولة الأولى هو أحمد شفيق الذى يبدو أنه "ارتاح" إلى وجوده بالإمارات..واستكمالاً لحديث الديموقراطية الإخوانى ، فإن صلاحية الصندوق غير قابلة للتغيير إلا فى مدتها المحددة .. وإذا اعترى الصندوق عطب أو فسد ما بداخله وتصاعدت رائحته تزكم الأنوف فعلينا استبداله بصندوق آخر.. والإخوان مطمئنون إلى أنهم الأكثر تنظيماً وصبراً فى طوابير الانتخابات فبالتالى فرصتهم أفضل ، خصوصاً مع تراجع شعبية رموز المعارضة الوطنية..من أسلحة الإسلاميين المتاحة أيضاً الانتشار الهائل لشبابهم على الشبكة العنكبوتية لذلك فإن جموع المغردين وعشيرة المدونين لا تألوا جهداً ولا تدخر شاشة إلا ودقت على لوحاتها منشدة أناشيد الحب ومرددة أهازيج العشق فى الرئيس محمد مرسى الذى يحبه الجميع لوجه الله!! الجحور أو القبور يمتلك الإخوان أيضا مبادرات للتظاهر ووقف العنف للتعقيب على مظاهرات تمرد التى اتخذت شعارات أعنفها "نازل ولا هتتنازل" وألطفها "كفايه عك" وأحكمها "تمردوا تفلحوا".. وسلاحهم للمواجهه هو الإحتماء والإرتماء فى حضن المبادرة التى أعلنها الأزهر عن "حرمة الدم"رغم مجاهرتهم بالعداء للأزهر كثيراً .. والإخوان يلجأون إلى التحذير المسبق من العنف فى سعى منهم لتخدير الجماهير من أى اشتباكات وقد أعلنوا صراحة أنهم لن يشاركوا فى مظاهرات تمرد ، ولكنهم سيدافعون عن مقرات الحرية والعدالة ومكتب الإرشاد بكل مرتخص وغال .. وعموماً تجرتنا مع الإخوان تجعلنا لا نصدقهم.. الإخوان أيضاً يملكون سلاح "امتصاص الهجوم" وقد بدا ذلك واضحاً فى أحداث الإتحادية المتكررة .. لذلك فإن من يقول أن النظام غافل أو متغاقل أو يدعى التغافل عن أحداث 30 يونيو مخطىء ويبخس حقهم فى التنظيم والهجوم والدفاع .. ولا يخطىء المراقب حرص الإخوان على المناداة بأن يكون التظاهر "سلمياً" لأنه لو حدث العكس يتبرأون من المسئولية ..ويملك أهل الحكم أيضاً سياسة "الترقيع" للمشاكل والأزمات .. بمعنى أنهم لا يحلونها ولكن يقدمون حقناً مسكنة تعينهم على اجتياز اليوم المشهود مثل تقليل فترات انقطاع الكهرباء وبدء توزيع شنط رمضان قبل بدء الشهر الكريم بعشرين يوماً ، كما أن محطات البنزين بدأت تشهد انفراجة جزئية فى أزمة الوقود ، وكذلك توصيل الخبز للمنازل وهو ما بدأ فى محافظات كثيرة تزامناً مع حركة تغيير المحافظين الأخيرة.. أيضاً لا تنضب الأسلحة الإخوانية العنيفة مثل ما صرح به عاصم عبد الماجد القيادى فى الجماعة الإسلامية والمتهم بقتل ضابط شرطة فى أحداث أسيوط عام 1981 بالإضافة إلى 181 آخرين فقد حذر الأقباط من نزول ابنائهم للتظاهر وأكد أن "المتمردين" سيعودون إلى جحورهم أو "قبورهم" يوم 1 يوليو وأن الشرطة ستتخاذل عمداً وأن "تمرد" ملحمة إعلامية لا وجود لها أساساً .. وهذه هى "العين الحمراء" للإسلاميين التى يجعلونها دائماً فى مكانة متأخرة ولكنها تقفز إلى الصدارة فى لحظات .. وقد لخص د. يسرى حماد نائب رئيس حزب الوطن الإسلامى راى الجماعات الإسلامية التى يبدو ظاهريا أنها مختلفة مع الإخوان فيما دونه على صفحته على الفيس بوك وقال فيها .."سيزول العجب من كثرة المؤيدين لتنحى الدكتور محمد مرسى ، إذا علمت أن 12 مليوناً من المصريين لم يعطوه أصواتهم فى انتخابات الرئاسة ، يعنى ده شىء طبيعى بالنسبة لنا". وتابع "نعارض الدكتور مرسى: نعم ، نطالبه بتصحيح المسار وإجراء إصلاحات وتحقيق مطالب يناير, نعم .. نطالبه بالاستعانة بالكفاءات الوطنية الأمينة المخلصة من كل التيارات والقوى السياسية وآخرين ممن لم يندمجوا فى الحياة الحزبية: نعم". وأنهى حماد بقوله "نخرج عليه لعزله ، أو نستخدم البلطجه وأسلوب التدمير وتخريب الاقتصاد لعزله: طبعاً لا ، بكل ماتحمله من معان ، نساهم فى الإصلاح ولو بدمائنا ، ولا نساهم فى التخريب ولو بأصواتنا". الخلاصة أن صدام اليوم المشهود بين المعارضة التى قويت بحركة "تمرد" والإخوان الذين ضعفوا لسياسة حكومتهم ورئيسهم وحزبهم لن تكون حاسمة ولن يحقق أى من الفريقين نصراً حاسماً على الآخر .. ولكن الكلمة الأخيرة ستكون لمن يمكث فى الشوارع مدة أطول , ويستطيع أن يصمد لعشرة أيام متواصلة .. الخطير أن هذا اليوم لن يكون بعده صدام آخر إلا بعد 3 سنوات ، فإما أن تنجح المعارضة أو يفوز الإخوان وفى الحالتين يجب على كليهما تغيير سياسته إزاء هذا الشعب المسكين الذى أكل وعوداً وشرب كذباً وسمع نفاقاً وشاهد خيانة كل يوم ، وفى المساء يطوى جراحه لينام ويصحو على صباح جديد يتجرع فيه المزيد من الآلام ويتفاجىء بالعديد من الأزمات!! على المعارضة أن تسارع بتجهيز بدائل شعبية للرئيس ولتكن تجربة الانتخابات البرلمانية القادمة هى "البروفة" فإذا نجحوا فى اقتناص نصف أو ثلث مقاعد مجلس النواب سيكون هناك أمل فى تداول السلطة، أما غير ذلك فستظل المعارضة ظاهرة صوتية فقط..