"القدس "..مدينة قديمة في دراما حديثة جداً

عشرة مسلسلات تقريباً هي ما أستطعنا أن نلقي عليها نظرة سريعة لقراءة المؤشرات في خطوطها الدرامية لإدراك ماهيتها وطبيعتها وتأثير الثورة المجيدة عليها ، فمن خلال الحلقات الأولي لبعض المسلسلات لم نلمح ما يمكن ذكره عما جري من أحداث سياسية وثورية في مصر والعالم العربي ،اللهم غير النذر اليسير في مسلسلات مثل المواطن إكس وخاتم سليمان والشوارع الخلفية وغيرها القليل ، وربما تحمل مسلسلات أخري أشياء من هذا القبيل .
"انا القدس" هوالعمل الفني الوحيد المكتمل الأوصاف بين معظم ما عُرض حتي الآن ، إذ يركز بطبيعة الحال علي التاريخ الحضاري لمدينة القدس كمدخل للصراع الأساسي بين العرب والصهاينة وتفاصيل القضية الفلسطينية فالمسلسل يلعب علي الجوانب الإنسانية في علاقة الأبطال الفلسطنيين بوطنهم وأرضهم ومدينتهم المقدسة ، ويتطرق إلي الأبعاد السياسية وتاريخ النكبة فلم يمر السينارسيت علي تواريخ ما قبل الإحتلال مرور الكرام ولكنه إستخدمها كمعطيات للأحداث اللاحقة لنستشف ما يمكن أن تؤدي إليه التجربة ، حيث ندخل بعد التمهيد الفني في حرب" 48 "، نقطة البداية الحقيقية في الصراع والكفاح المسلح من أجل التحرير وإلقاء الضوء علي حياة الملك والحاشية وصفقة الأسلحة الفاسدة وحصار الفالوجا وقتل الأسري وغير ذلك.
لنصل إلي إكتمال الأحداث والرؤية فيكون الحكم النقدي علي الدراما التاريخية صائباً أو محل خلاف ..
مسلسل آخر أراه متصلاً في جغرافيته وموطن أبطاله بفلسطين والقدس ألا وهو " السيد المسيح " ذلك العمل الفارق شكلاً وموضوعاً لكونه يحكي سيرة نبي الله عيسي عليه السلام ويطرح معجزاته الخارقة في إحياء الموتي وشفاء المرضي ، كما يعلن عن غلظة اليهود ومكرهم في التعامل معه ويكشف عن أقبح صفاتهم وهي الخيانة .
علي المستوي الفني يمثل المسلسل حالة من التكوين الإبداعي في الديكور والملابس والأداء واللغة والأجواء الروحانية ويتسم في موضوعه ومعناه الديني بوحدة الأديان السماوية وإجماعها علي المبادئ النبيلة والفرائض والعبادات من صيام وصلاة وحُسن المعاملة والعدل والقصاص وتحريم السرقة والقتل والزنا ، غير أن الإشارة الأذكي والأهم تأتي متضمنة في عدم إنكار الأديان الأخرى السابقة واللاحقة ، فالسيد المسيح وفق ما جاء في الحلقة الأولي وتأكد في بقية الحلقات قد أثني علي الرسالة السماوية لسيدنا موسي وبشر بأن هناك نبياً سيأتي من بعده إسمه محمد "صلي الله عليه وسلم " وهي قيمة التأييد والسماحة والإعتراف بأن كل الأديان عند الله عز وجل سواء دون تفريق أو تمييز بين دين وأخر .
هذا علي مستوي المضمون أما فيما يخص طبيعة التناول فيمكن التسليم بأن حرية التعبير كانت الحافز وراء خروج المسلسل الضخم بهذا الشكل المبهر وأتصور أن السيناريست والمخرج قد أستفادا كثيراً من فيلم " آلام المسيح " للمخرج الأمريكي ميل جيبسون في كيفية التعامل الدرامي مع الشخصية الدينية والتاريخية العظيمة والأجواء المحيطة بها بدءأً من القدرة علي إعطاء إحساس دقيق بالمرحلة الزمنية وشكل الحياة والناس والبيوت في هذا العصر ، وإنتهاءً بما يمكن أن نسميه مهارة القبض علي التفاصيل الصغيرة .
ترجع أهمية الأعمال التاريخية إلي كونها توثيقاً بصرياً ودرامياً للأحداث والأشخاص يسمح للأجيال التي لم ترتبط بالقراءة والإطلاع والتثقيف ، بالمتابعة الفنية كتعويض لغياب الكتاب الذي أمسي موضة قديمة لا تواكب عصر السموات المفتوحة واليوتيوب .