عند السابعة مساء ينقسم البيت إلي فريقين.. الأول في الغرفة الداخلية يتابع «العشق الممنوع» التركي.. والثاني في الصالة الخارجية ينتظر المسلسل الإيراني علي قناة Ifilm.. وتسأل عن اهتمام الكل بالمسلسل المصري فلا تجد إلا قليلا.. حتي في ذروة موسم المشاهدة في شهر رمضان الذي أصبح بكل حسرة.. شهر المسلسلات مع سبق الإصرار والترصد. ماسورة «نور» يؤرخ للمسلسل التركي بالفتح الدرامي الذي حققه الأخ الحليوة «مهند» رغم ان العمل كان ينسب إلي بطلته «نور» وبعدها انفجرت ماسورة الدراما التركية علي كل شيء ولون.. ورغم عرض مسلسلات أثارت الكثير من الضجة حتي داخل إسرائيل ومنها «صرخة حجر» و«وادي الذئاب».. إلا أن الجمهور المصري والنسائي بصفة خاصة تمسك بالأعمال العاطفية حيث وجدت فيها الكثير من التفاصيل البسيطة الناعمة والتي غابت عنهن في تمثيليات اتسمت في مجملها بالغلاظة والخشونة حتي وهي تتكلم في الحب الذي اتجه إلي استعراض أجساد وفساتين النجمات علي حساب ما تقدمه. وجاء مسلسل «حريم السلطان» لكي يرتفع بمستوي الإقبال علي الصنف التركي مرة أخري حتي ان قناة الحياة تعرض الحلقة التي لا تزيد مدتها الفعلية علي 45 دقيقة في ساعتين تقريباً.. وتتجاوز الفواصل الإعلانية مدة العشر دقائق في كل فاصل.. ويعاد المسلسل ليلا.. ثم في يوم الجمعة تكون حصة المراجعة.. لمن صرفته مشاغله طوال الأسبوع عن متابعة الحريم. أجواء مختلفة وسر الإقبال يعود إلي الأجواء المختلفة التي يختلط فيها عبق التاريخ بالصراع الساخن في الحرملك للتنافس علي قلب وعقل السلطان سليمان.. إلي جانب تلك المؤامرات التي تدبر هنا وهناك وعلي مستويات عديدة ويحدث كل هذا في قالب ناعم ووجوه وصدور هي تشكيلة من كل الألوان والأذواق.. ولهجة شامية محببة.. تعطي للمسلسل مذاقا لطيفا. وهي نفسها اللهجة التي يتم بها دوبلاج المسلسل الإيراني الذي بدأ يتسلل اجتماعياً ويجد ترحيبا كبيراً لدي شرائح عمرية واجتماعية مختلفة.. وكانت البداية مع «نبي الله يوسف عليه السلام» وما حققه من نسبة مشاهدة عالية. فإذا قلنا ان خلف هذا المد الدرامي الإيراني.. بعدا سياسياً لم تكذب وهم أيضا لن يكذبوا فهذه حقيقة.. لأن المسلسل يستطيع في زمن قياسي ان يكسر كل الحواجز ويقتحم الوجدان ويحقق المعايشة.. والإيرانيون يعرفون هذا جيدا.. ويدركون ان مسلسل نور التركي كان فتحا سياحياً كبيرا.. ولهذا كان حرصهم البالغ علي استعراض حضارتهم في الفواصل وعلي الاهتمام بآراء المشاهدين من الخليج وسائر أنحاء الوطن العربي وأوروبا.. وقد حولوا الموقع الالكتروني للقناة «IFILM » التي تبث إرسالها علي النايل سات علي ساحة تواصل أرشيفها متاح لكل ما تقدمه ولمن يريد من مسلسلات وأفلام.. تتنوع بين الكوميدي والاجتماعي والأكشن والتاريخي.. مع ملاحظة الجوانب الخلافية بين أهل السنة والشيعة والابتعاد عنها بقدر المستطاع.. وتعويض ذلك بالأبعاد الأخلاقية والتركيز علي أنها قناة الأسرة التي يمكن الالتفاف حول أعمالها بلا حرج أو حساسيات فهم يتناولون كل الموضوعات الحياتية والسرقة والقتل والإدمان لكن الاهتمام في المقام الأول بنتائج هذه الأمور دون الوقوف علي تفاصيلها.. فهذه المرأة منحرفة يكفي ان تراها تضع الإيشارب الأحمر علي رأسها وكتفها وتقف في الشارع يقترب منها التاكسي فلا تركبه.. لكنها بعد لحظة تدخل سيارة فارهة.. ثم نراها في مشهد اخر مع ضحية من ضحاياها تعده بسهرة ثم تفر منه بعد ان تلتقط حافظة نقوده بكامل إرادته. انهم يلعبون بمهارة علي رغبة السواد الأعظم من البيوت علي مشاهدة الأعمال الآمنة التي يمكن متابعتها بلا حرج أو خجل.. علي عكس المسلسل التركي الذي يتوغل إلي حد زني المحارم.. ناهيك عن الاختلافات في الملابس والسلوك. وعلينا ان نعترف بأن الدراما الإيرانية رغم التشدد أو ما يقال عن ذلك بلغت في مجال السينما القمة.. بالحصول علي أوسكار أفضل فيلم أجنبي غير أمريكي. منظور إسلامي وعلي صعيد الدراما التليفزيونية حقق مسلسل «يوسف» انتشارا عاليا غير مسبوق في قارات العالم الخمس.. وقبله أثار مسلسل «المسيح» جدلا واسعاً لأنه أول عمل يتم تقديمه عن السيد المسيح من منظور إسلامي.. إلي جانب ما قدموه عن أنبياء الله إبراهيم ويعقوب وزكريا ومريم البتول وإذا كانت تركيا قد عزفت علي وتر الرومانسية.. فإن المسلسلات الإيرانية لن تقف مكتوفة الأيدي.. وأعدت عدتها بمجموعة من الأعمال التي تخاطب المشاعر وبعيداً عن المآخذ الأخلاقية التي يعترض عليها البعض في الصنف التركي. وقد تابعت مسلسلا إيرانيا بعنوان «اليقظة».. وموضوعه اجتماعي عاطفي تقليدي لكن كاتبه ومخرجه «بهرام عظيم» الذي يخوض تجربة المسلسلات لأول مرة بعد أن عمل كمساعد مخرج في مسلسل «التراب الأحمر» ومع ذلك نجح في امتلاك زمام الموضوع بمهارة بالغة وإيقاع متوازن وقام بتحريك شخصيات المسلسل القليلة ببراعة وأحكم السيطرة علي الأحداث واقترب في الكثير من المشاهد من الأسلوب السينمائي. والسؤال الآن في وسط هذا الصراع الدرامي التركي الإيراني الذي اقتحم البيوت أين الدراما المصرية وقد بلغت معدلات إنتاجها في السنوات الأخيرة ال60 عملا في المتوسط وزادت أعداد القنوات المتخصصة في تقديمها طوال ال24 ساعة.. ومع ذلك لا ترقي أغلبها إلي تطلعات الناس ولا تجذبهم مثلما يهرولون ناحية الأعمال الأخري.. والحل في رأيي إما ان نرتفع بمستوي نصوص مسلسلاتنا بعد ثورة يناير أو نسعي بكل جد ناحية الإنتاج المشترك معهم وقد فعلناها سابقا خاصة مع الأتراك وإلا سيظل المسلسل المحلي قابعاً في دائرته الضيقة لا يبرحها.. والعالم من شرقه وغربه وجنوبه وشماله يصدّر إلينا مسلسلاته وعلينا ان نتفرج ونحن ساكتين!